hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

المقالات

الوقف النقدي في الفقه الإسلامي ـ قراءة استدلالية

تاريخ الاعداد: 1/1/2011 تاريخ النشر: 5/11/2014
134510
التحميل

حيدر حب الله(*)

 

تمهيد: في تحديد دائرة البحث وموضوعه

عرّف الفقهاء المسلمون الوقف بأنه «تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة (أو الثمرة)n([1])، أو إطلاق المنفعة([2]). وفي بعض الكلمات: إنه عقد هذه ثمرته([3]). وفي بعضها: إنه حبس المملوك عن التمليك من الغير([4])، أو حبس العين على ملك الواقف والتصدّق بالمنفعة([5])، إلى غيرها من البيانات والتوضيحات.

ومعنى ذلك أنّ الأصل الذي هو العين يُجعل محبوساً ممنوعاً، بحيث لا يجوز التصرّف فيه من الناحية الشرعية تصرّفاً ناقلاً، في مقابل المنفعة ـ أي منفعة ذلك الأصل ـ، فإنها تطلق للموقوف عليه، ولا يُحال دون انتفاعه بها، أو تجعل في سبيل الله ينتفع بها كذلك.

وقد فهم غير واحد من الفقهاء هذا التعريف للوقف من خلال بعض الروايات، مثل: النبوي الوارد في قصّة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب برواية ولده: «حبّس الأصل، وسبّل الثمرة»، أو «إن شئت حبّست أصله وسبّلت ثمره»([6]). ورغم إشكال بعض الفقهاء في حقيقيّة هذا التعريف إلا أنهم جعلوا ما فيه من خصائص الوقف([7]).

وانطلاقاً من عنصر تحبيس الأصل مقابل الإطلاق في المنفعة كان لابد من كون العين الموقوفة باقيةً في ظرف الانتفاع بها، فلا تزول بهذا الانتفاع، وإلا كان ذلك مخالفاً لمفهوم التحبيس المأخوذ في التعريف مقابلاً للانتفاع بالمنفعة؛ لأنّ هذه المقابلة توحي بأنّ هناك شيئاً يخضع للانتفاع به، فيكون مورد التصرّف والاستهلاك، في مقابل شيء يكون محلاًّ للانتفاع ويظلّ محبوساً ثابتاً. ولهذا ذكر بعض الفقهاء صراحةً أنّ الوقف يصحّ في كل ما يصحّ الانتفاع به مع بقاء عينه([8])، بلا خلاف([9]).

ووفقاً لذلك منع الفقهاء من وقف مثل: الأطعمة والشموع، وكلّ ما يكون الانتفاع به بإتلاف عينه؛ لأنّ ذلك مناقضٌ لمفهوم الوقف وهويته، التي يعبّر عنها التعريف المتقدّم([10]). وذكروا أنّ من ذلك وقف المنافع نفسها([11])، من حيث إنّ الانتفاع بها مستلزم لإتلافها.

هذا السياق القانوني والمفهومي ترك تأثيره على مسألة هامّة في باب الوقوف، وهي وقف النقد أو العملة، التي تعبّر عن القيمة والمالية في تداولات السوق، فإنه لمّا كان النقد سابقاً عبارة عن الدراهم والدنانير، وكانت الدراهم والدنانير مأخوذةً من الفضّة والذهب، فقد بحث الفقهاء في وقف الذهب والفضة:

أـ فإذا كان الذهب والفضّة حليّاً كان من الطبيعي الحكم بجواز وقفه؛ لأنه عين يمكن الانتفاع بها مع بقائها، كالعقار تماماً. وقد ذكر العلامة الحلّي(726هـ) هذا الأمر، ونقل موافقة الشافعي عليه، وأحمد في إحدى الروايتين([12])، بل ذكر المرداوي(885هـ) أنّ عليه جماهير الأصحاب([13]).

ب ـ أمّا إذا كان الذهب والفضّة دراهم ودنانير مسكوكة فهنا حالتان:

الحالة الأولى: أن يوقفا للتزيين باعتبار ما فيهما من عنصر الذهبية والفضيّة، وقد ذكر غير واحد من الفقهاء الحكم بالجواز في هذه الحالة أيضاً بهذا الاعتبار؛ نظراً للمنفعة الموجودة هنا، وهي التزين وأمثاله([14]). لكنّ الفقه السنّي شهد خلافاً في هذا الموضوع. فقد ذكر النووي أنّ الأصحاب ـ الشافعية ـ أجازوه؛ لنصّ السيدة حفصة بنت عمر؛ ولأنّها ـ أي الدراهم والدنانير الموقوفة للزينة ونحوها ـ عينٌ يمكن الانتفاع بها مع بقائها، ونسب ذلك إلى أصحاب الإمام أحمد، ثم نقل المنع عن أحمد نفسه فيه([15]). وجعل صاحب «مغني المحتاج» القول بعدم جواز وقف الدراهم والدنانير للتزيين هو الأصحّ([16]). واستدلّ له بعضهم ـ مثل: الدكتور وهبة الزحيلي ـ بأنّه نفع غير مقصود؛ لذا لا يصحّ([17]).

من هنا يجب أن نعرف أنّ جانباً كبيراً من خلاف الفقهاء في جواز وقف الدراهم والدنانير لا يعود إلى جواز وقف المالية، كما سوف يأتي بحثه إن شاء الله، وإنما يعود إلى إمكان الانتفاع بالدرهم والدينار بمثل جعله حلياً أو زينة، فلا يتماهى ذلك الخلاف مع موضوع مسألتنا بالضرورة.

الحالة الثانية: أن تلاحظ الدراهم والدنانير بوصفها عملةً نقديةً لا حليّاً، فهل يجوز وقفها أم لا، من حيث إن الانتفاع بها بوصفها نقداً لازمٌ لإتلافها إتلافاً حكمياً بنقلها إلى شخص آخر؛ إذ لا منفعة لها إلا في المجال التداولي في السوق، وهذا ما يفضي إلى زوال عينها وبقاء ماليّتها ضمن البدل الذي يؤخذ مقابلها؟

هذا هو بحثنا هنا، فهل يجوز وقف النقود بما هي نقود أم لا؟

فإن قلنا بالعدم فهذا معناه أنّنا جعلنا العين النقدية ميزاناً ومعياراً.

وإنْ قلنا بالجواز فهذا معناه إلغاء معياريّة العين واستبدالها بمعيارية أخرى هي المالية أو القوّة الشرائية الموجودة فيها، فيكون تعريف وقف النقود بناء على الجواز هو: حبس الماليّة وتسبيل منفعتها.

من هنا يدور البحث بين وقف عين النقد ووقف ماليته. وهذا ما سنحاول التعرّض له في هذه الوريقات إن شاء الله تعالى.

لكن قبل ذلك من الضروري التعرّف أكثر على وقف النقود من حيث المجال الذي يمكن توظيف هذا النقد فيه؛ لأنّ لوقف النقود أنواعاً وحالات، ولاسيما في العصر الحاضر، تجعل هذا النوع من الوقف واسع الاستخدام.

 

أنواع وقف النقود

رغم أنّ وقف النقود كان مسألة مطروحة في الفقه الإسلامي منذ قرون عديدة، إلا أنّ ظاهرة وقف النقد لم تكن بهذا الشيوع. ولم يبلغ مجال الاستثمار فيها الحال الذي بلغه اليوم؛ بسبب تطوّر مجالات الاستثمار وأشكاله ومؤسّساته وأساليب تنظيمه بفعل التطوّر الاقتصادي العام في العالم.

لقد كان وقف النقد موجوداً بشكل ضعيف في الأزمنة السالفة. وكان الباحثون في تاريخ الوقف الإسلامي([18]) يتحدّثون عن أوقاف نقدية للإقراض أو الاستثمار والمضاربة بشكل بسيط. وقد نقل البخاري سؤالاً وجّه للزهري حول وقف ألف دينار في سبيل الله يتّجر بها يكون ربحها صدقةً للمساكين والأقربين([19]). وهو يكشف عن تداول الموضوع، وموافقة الزهري عليه، في أوائل القرن الثاني الهجري. كما ورد في المدوّنة الكبرى للإمام مالك الحكم بوجوب الزكاة على رجل حبس مائة دينار موقوفة يسلفها الناس ويردّونها على ذلك الذي جعلها حبساً([20]). ومثل ذلك من استفتاءات منقولة عن الإمام أحمد بن حنبل.

لكن مع هذه الإشارات البسيطة كان الظهور الفاعل والقويّ لوقف النقود في بدايات العصر العثماني، حيث كان في بعض بلاد البلقان، ثم انتقل إلى إستانبول بعد فتحها، ومنه إلى بلاد الشام، ثم تحوّل إلى قضية هامة في الدولة العثمانية، أثارت جدلاً ونقاشات واسعة على مستوى المذهب الحنفي خاصّة.

ولكي تتضح أهمية وقف النقد ومجالاته ـ بصرف النظر عن شرعيّته ـ يمكن ذكر بعض صور الوقف النقدي التي باتت ممكنةً أو واقعة اليوم([21])، وهي:

1ـ الوقف النقدي الاستثماري: ويقصد به وقف مبالغ ماليّة معينة، توضع تحت ولاية متولّي الوقف أو عند مؤسّسة مالية مكلّفة بالمضاربة في هذه الأموال، فما نتج من أرباح عن طريق المضاربة هو الذي يتم توزيعه على مصارف الوقف المقصودة للواقف. ولا فرق في ذلك بين:

أـ أن تنتدب هيئة وقفية نفسها لاستقبال الصدقات الجارية النقدية لتمويل مشروع ما يعود ربحه للأغراض الوقفية، سواء كانت هذه الهيئة الوقفية حكوميةً أم شبه حكومية أم أهلية خاصّة. وهنا يتّحد الناظر على الوقف مع المستثمر له.

ب ـ أن يحدّد الواقف نفسه الجهة التي تستثمر فيها النقود، كأن توضع الموقوفات وديعةً استثمارية في بنك إسلامي معيّن أو وحدات في صندوق استثمار. وهنا يحدّد الواقف ناظراً على الوقف، مهمّته متابعة شؤونه مع البنك مثلاً، ثم أخذ أرباحه لتوزيعها على الجهات المعنية بالوقف. ومن الواضح هنا أنّ الواقف غير الناظر، وغير المستثمر أيضاً.

ج ـ أن يصار إلى جمع أموال وقفية بغية تحويلها إلى أعيان، كبناء مسجد أو مستشفى. وهذا الأخير مبنيٌّ على جعل هذه الصورة من وقف النقود استثماراً. ويكون ذلك مثل تأسيس مشروعات وقفية على الطريقة السودانية، أو صناديق وقفية على الطريقة الكويتية؛ بهدف استدراج التبرّعات الوقفية لمشروع معيّن أو غير معيّن بمعنى غير مفرد الهدف. وهنا يصبح هناك صندوق مالي كبير يمكن من خلاله بناء المستشفيات أو المساجد أو المستوصفات أو المدارس أو الجامعات أو المعاهد والحوزات الدينية.

كما يمكن أن يكون الوقف بإصدار أسهم نقدية وقفية؛ تشجيعاً على الوقف لتحقيق المشاركة الجماعية فيه.

2ـ الوقف الإيرادي: ويقصد به وقف إيرادٍ نقدي، دون وقف الأصل الذي ينشأ منه الإيراد المذكور، وله صور نذكر منها:

أـ وقف إيراد عين معمّرة لفترة زمنية محدّدة، كأن يحبس شخص الإيراد الإجمالي أو الصافي لعينٍ ما، مثل: عقارات أو مطاعم أو فنادق أو منتزهات أو مدن ملاهي أو غير ذلك، لكي يجعل الإيراد وقفاً لجهات البرّ. ولهذه الحالة صور: فتارةً يكون الوقف مؤبّداً؛ وأخرى يحدّد شهراً في السنة يجعل إيراده وقفاً، بناء على صحّة ذلك.

ب ـ وقف حصّة محسومة بنسبة مئوية من الإيرادات النقدية لصالح مؤسّسة استثمارية وقفية.

3ـ الوقف النقدي القرضي: ونقصد به أن توقف النقود لإقراضها لمن يحتاج إليها، على أن يعيدها حسب الاتفاق، ليُعاد إقراضها من جديد لمحتاج آخر، دون أن يفرض وجود أيّ بُعد استثماري أو عائد من هذا القرض، فراراً من إشكالية الربا أو غيره. وهذه هي بنوك التسليف في بعض الدول، حيث يقوم البنك بإقراض المحتاجين للزواج أو غيره، على أن يسدّدوها بأقساط خفيفة على دفعات كثيرة. ويمكن تسميتها ببنوك التسليف الوقفية. وهذا هو الوقف للسلف.

إلى غير ذلك من الصور التي اقترحت أو يمكن تصويرها، مثل: وقف احتياط الشركات المساهمة، وغير ذلك.

وهكذا يتحرّك وقف النقد في مجال الاستثمار، كالقائم على البيوع المؤجّلة، والاستصناع، والمشاركة أو السلم، والمضاربة، والمرابحة، والإجارة، وكذا التورّق، ليساهم في التنمية بأنواعها من خلال مشاريع استثمارية وخدمية. كما أنّ مجالات استثمار الوقف تطال الأسهم وبيع العملات وصكوك المضاربة والتجارة وغير ذلك.

وليس هدفنا في هذا البحث تصحيح هذه الصور لوقف النقد من جميع الجهات، وإنما البحث في زاوية النقدية في الموقوف فيها، وإلا فقد تُبْحَث بعض الصور من زوايا أخر، تتصل بالتأمين أو غير ذلك، كما لا ندرس الأحكام اللاحقة المترتِّبة على جواز هذه العملية الوقفية، مثل: أثر تغيّر قيمة النقد على الأصول النقدية الموقوفة، و..

 

ميزات الوقف النقدي

يمتاز الوقف النقدي ببعض الخصائص والميزات. وهذه أهمّها:

أـ إنّه يساهم في إنشاء الوقف المشترك أو الوقف الجماعي، حيث سيتمكّن صغار المالكين ـ فضلاً عن المتوسّطين والكبار ـ من المشاركة جميعاً في مشاريع وقفية واحدة من خلال المساهمة النسبية في رؤوس الأموال الوقفية. على خلاف الحالة الشائعة في الوقف العينيّ، حيث يقوم مالكٌ خاصّ بوقف عقارٍ ما من طرفه، دون أن يشاركه أحد في عملية الوقف هذه.

ب ـ إنّه يراكم رؤوس الأموال، مما يمكّن من إنشاء مشاريع وقفية كبرى هذه المرّة؛ لأنّ عنصر المشاركة في الوقف سوف يوفّر رؤوس أموال أكبر، من خلال زيادة عدد الواقفين، الأمر الذي يسهّل بطبيعة الحال القيام بمشاريع وقفية أكثر سعةً وفعالية. هذا إلى جانب كونه يفسح المجال في دخول الأوقاف مجالاً أوسع من الأنشطة الإنتاجية؛ نظراً لقدرة النقد على النفوذ في مختلف أشكال الإنتاج والاستثمار.

ج ـ إنّه يظلّ أسهل إنجازاً من غيره بالنسبة للواقفين؛ لوفرة النقد ـ ولو القليل ـ في يد العدد الأكبر من الناس. على خلاف الحال في الأراضي والعقارات، فليس كلّ الناس يملكونها أو تتوفّر في أيديهم.

 

تأسيس الأصل وتقعيد المبدأ

من الضروري ـ بدايةً ـ معرفة أنه هل توجد مرجعية لفظية أو من نوع الأصول يمكن الاستناد إليها على تقدير الشك في صحّة نوع من أنواع الوقف أم لا؟ وهل تقف هذه المرجعية لصالح تصحيح الوقف مشكوك الصحّة أم لصالح الحكم بفساده؟

من الواضح أنّ الأصل الأوّلي هو الفساد، من حيث إنه إذا قلنا بأنّ الوقف عقدٌ يحتوي على نقل وانتقال، أو قلنا بأنه إخراج للمال من ملكية الواقف، أو قلنا أيّ شيء آخر، فإنّ الأصل العدمي يستدعي عدم هذه الأمور جميعها، تماماً كالأصل الأوّلي المذكور في كلمات الفقهاء في باب المعاملات.

لكن هل يوجد أصل ثانويّ يفيد التصحيح، كما كان في البيع، حيث كان الأصل الأولي هو الفساد، فيما كان الأصل الثانوي المستند إلى بعض العمومات والمطلقات في الكتاب والسنّة يستدعي الصحّة، أم لا؟

ظاهر كلمات غير واحد من الفقهاء عدم وجود أصل ثانوي، وأنّ الدليل الدالّ على مشروعية الوقف خاصّ بالعين المعيّنة الخارجية([22]).

لكن قد يقال بوجوده، ويقرّب ذلك وفقاً لعدّة أسس:

الأساس الأول: أن يلتزم في تعريف الوقف بما ذهب إليه بعض الفقهاء، كما ألمحنا سابقاً، من أن الوقف عقدٌ ثمرته تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة والمنفعة. فإذا قلنا بذلك صار الوقف من ضمن العقود، ومعه يكون مشمولاً للعمومات التي أسّست الأصل الثانوي (الصحّة) في باب العقود عموماً، حاله في ذلك حال البيع، مع تبنّي الرأي القائل بأنّ عمومات الصحّة غير مقيّدة بالعقود المتعارفة زمان نزول الآيات وصدور الأحاديث، بل تشمل العقود المستجدّة، كما ذهب إليه بعض الفقهاء، مثل: السيد الخوئي([23]).

لكن قد يناقش بعدم صدق العقد على الوقف؛ لعدم حاجته إلى القبول، فيصحّح حتى لو لم يشتمل على القبول؛ لأصالة عدم اشتراط القبول فيه بعد شمول عموماته لما خلا من القبول، بل السيرة العملية الجارية قائمة على عدم أخذ القبول في الوقوف، ولاسيما الوقف على البطون، أو الوقف التحريري القائم على تحرير الملك وفكّه فقط، كوقف المساجد، وأمثال ذلك. هذا وقد استشهد بعضهم بخلوّ الوقوف المنقولة عن المعصومين من قيد القبول([24]).

من هنا يشكّ جداً في صدق عنوان العقد على الوقف أو صدق عنوان البيع، أو التجارة، أو غيرها من العناوين، المأخوذة في عمومات الصحّة، المؤسّسة للأصل الثانوي في باب المعاملات([25]).

الأساس الثاني: الاستناد إلى عمومات الإنفاق في سبيل الخير وإنفاق الإنسان ما يحبّ، والصدقة، والصدقة الجارية. فمن المعروف أنّ كلمة (الوقف) قلّما وردت في آيةٍ أو حديث، وأنّ التعابير السائدة الشاملة للوقف هي الصدقة والإنفاق في سبيل الله. كما أن التعابير الموازية تقريباً هي عنوان: الصدقة الجارية. وقد فهم الفقهاء من الجريان هنا ظاهرة الوقفية التي تقوم على هذا الجريان، أو على الأقلّ كون الوقف أبرز مظاهرها، حتى أنّ بعض الفقهاء عرّف الوقف بأنّه الصدقة الجارية التي ثمرتها التحبيس([26]).

وربما يكون هذا هو ما دفع البعض لإنكار تشريع الوقف في غير المساجد. لكن بصرف النظر عن هذا الموضوع؛ لافتراضنا شرعية الوقف أصلاً موضوعاً هنا، فإنّ عمومات الصدقة الجارية يفترض أن تشمل جميع أنواعها. فالحث على الصدقة الجارية ـ بوصفه نتيجاً لمجموعة النصوص القرآنية والحديثية في هذا السياق ـ مطلقٌ، فيمكن الرجوع إليه في كل صدقةٍ جارية يراد تحقيقها في الخارج، ما دام عنوان الصدقة الجارية صادقاً على المأتيّ به في الخارج لغةً وعرفاً وعقلائياً، ولم يلزم محذور بالتصادم مع مبدأ تشريعي أو نصّ ديني، أو مع بُعد آخر في هوية الصدقة نفسها.

وبعبارةٍ ثانية: الأوامر الإلزامية وغير الإلزامية الواردة في عموم الإنفاق في الخير والصدقات وخصوص الصدقات الجارية تحثّ على الوقف مطابقةً أو ضمناً. وهذا يستبطن التصحيح؛ إذ لا يعقل الحثّ على ما هو باطل وضعاً. فالوجوب التكليفي، وكذا الاستحباب، لا يعقل تصوّرهما متعلّقين بالمتعلّق الباطل. وحيث كانا مطلقين استفيد منه، بدلالة الاقتضاء أو بغيرها، الحكم بصحّة متعلّقها، ما لم يتمّ دليل على البطلان.

وقد يناقش هذا الأساس:

أولاً: إنّ متعلّق هذه النصوص مخصَّص بالوقوف والصدقات التي كانت صحيحةً في المرحلة المسبقة.

ويجاب: إنّ المفروض أنّ هذه النصوص قد علّقت على صدق العنوان لغةً وعرفاً وعقلائيّاً، فمع صدقه يفترض الشمول، فيستكشف منه ضمناً المفروغية عن الصحّة.

ثانياً: إنّ عنوان الصدقات الجارية منحصر بما كان متعارفاً زمان صدور النصوص أو نزولها، وهو مثل: وقف العقارات والأراضي وأمثالها، لا النقود.

ويجاب: إنّه لا موجب لهذا التقييد بعد صدق عنوان «الصدقة» وmالإنفاق في سبيل الله وسبل الخيرn و«الصدقة الجارية» على الأنموذج الجديد في الوقف، فيكون مشمولاً للأدلّة.

ثالثاً: إنّ الصدقة مقيّدة شرعاً بنية القربة، وقد اختلفوا في اشتراط نية القربة في الوقف، فكيف تجعل نصوص الصدقة شاملةً للوقف مع هذا الاختلاف الجوهري بينهما؟!

ويجاب: إنّنا نأخذ الصدقة والإنفاق هنا بمعناها الواسع اللغوي والعرفي والعقلائي العام، لا بالمصطلح الفقهي الخاصّ، وفي اللغة لم يُشِرْ غير واحد من اللغويين إلى قيد القربة في هذا المفهوم([27]). وقد تنبّه بعض الفقهاء إلى التمييز بين المصطلح الشرعي والعام، كما تلمح إلى ذلك بعض عباراتهم([28]). ويشهد لما نقول أنّ القرآن الكريم عبّر عن المهور التي لا يؤخذ فيها قصد القربة بأنّها صدقات، فقال تعالى: ﴿وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ (النساء: 4)، كما ورد في الحديث الصحيح: mكلّ معروف صدقةn([29]). كما أنّ الأصل اللغوي لا يفرض سوى الاستحكام في مفهوم الصدقة، تماماً كالصدق والصداقة، لا التقرّب إلى الله. وهو متحقّق في الأوقاف، كما أنّ الحيثية الأساسيّة التي في الصدقة هي العطاء الذي لا يطلب فيه المقابل. وهذا موجود هنا. ولهذا جعلت الصدقات الشرعية بقصد القربة؛ كون هذا التعبير أحد مصاديقها الرئيسة. وعلى أبعد تقدير نحصر صحّة مثل هذا الوقف ـ أي الوقف النقدي ـ بشرطه بقصد القربة.

بل يمكن القول: إنّ هذا الإشكال لا يرِدْ على شرعية الوقف النقدي، بل هو وارد في أصل باب الوقوف؛ فإن التزمنا فيها بشرط القربة؛ انطلاقاً من التعبير الغالب فيها بالصدقة والصدقات وأمثال ذلك، كان المورد منه، وارتفع الإشكال؛ وإلا كان المطلوب من القائلين بعدم شرط قصد القربة حلّ هذا الإشكال في الوقف النقدي وغيره، فلا يكون المورد مورد الإشكال على الوقف النقدي بعينه، إلا إذا كان مدرك غير الوقف النقدي هو النصوص الخاصّة الأخرى.

رابعاً: إنّ عنوان الصدقة الجارية منحصر مصداقه في مرتكز المتشرّعة في الوقف الذي لا يباع ولا يوهب ولا يتبدّل. ويكون هذا الارتكاز صالحاً للقرينيّة الموجبة لانصراف إطلاق عنوان الصدقة الجارية إلى وقف العين([30]). ولم يعهد في العصر النبوي والإسلامي الأول وقف النقود، وإنما الذي كان هو وقف الأصول الثابتة والعقارات.

ويجاب: إنّ هذا القول غير واضح؛ إذ هناك فرق بين أن يكون المصداق الشائع لديهم هو وقف الأعيان وبين ارتكاز الانحصار بالأعيان بالنسبة إليهم؛ لعدم تداول وقف الماليات عندهم، فإنّ مجرّد الشيوع لا يفيد تقييداً، ولا يوجد ما يفرض احتمال الارتكاز، وإلا لزم من مثل هذا الاحتمال تقييد إطلاقات التجارة بخصوص الحالات الشائعة عندهم في المعاملات المالية. فهذا تماماً مثل قولك: سافر إلى مكة، فإنّ المنصرف إلى الذهن آنذاك هو السير على الجمال أو الخيول، فهل يقال بتقييد أدلّة الحج بخصوص الذهاب ماشياً أو على الجمال أو الخيول؟!

إنّ الواضح في نصوص الصدقة الجارية والتحبيس وغيرهما أنّ هناك شيئاً ثابتاً تدور المنافع حوله، أما ما هو هذا الشيء الثابت؟ فإن مصاديقه آنذاك كان الغالب فيها الأعيان، ولاسيما العقارات والآبار والبساتين، وحدوث مصاديق جديدة لا يمنع من الأخذ بالإطلاقات، كما هو واضح، ما دام المبدأ «وهو العنصر الثابت الذي تدور حوله المنافع» قائماً، وإلا يلزم المنع من وقف بعض المنقولات أيضاً، وقد قلنا في محلّه بأنّ هناك فرقاً بين مقولة المصاديق الجديدة للمفهوم ومقولة التاريخية في المفهوم عينه، كما قلنا بأنّ هناك فرقاً بين صرف احتمال القرينة المتصلة احتمالاً فرضياً منطقياً (وهو هنا الارتكاز المتشرّعي) وبين واقع الاحتمال القائم على عناصر موضوعية تفرض ظهوره في الذهن، وإلا سقط مجال التمسّك بجميع النصوص لو احتملنا القرينة المتصلة احتمالاً صرفاً([31]).

الأساس الثالث: الذهاب إلى القول بأنّ الوقف ظاهرة عقلائيّة، وليست تأسيساً لطريقة شرعية في التصدّق أو الإنفاق في وجوه الخير، كما أقرّ بذلك بعض الفقهاء([32])، وهذا معناه أنّ الشارع بإمضائه الوقوف، وجعله لها صحيحةً، ووضعه نظامها الداخلي بيد الواقف، في مثل: صحيحة محمد بن الحسن الصفار، التي جاء فيها أنه كتب إلى أبي محمد الحسن بن علي× في الوقف وما روى فيه عن آبائه^، فوقَّع×: mالوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء اللهn([33])، أنّ الشارع بذلك يكون قد أمضى هذه الظاهرة العقلائيّة، فالمطلوب حينئذٍ تصحيح كلّ مصداق من مصاديق هذه الظاهرة لا يناقض هويّتها ولا يعارض مبدأ شرعيّاً في الإسلام؛ لأنّ الإمضاء لا يقف عند حدود الظاهرة بشكلها الزمني، وإنّما يدور حول النكتة الارتكازية التي تبلورت الظاهرة نتيجةً لها. فحتى لو فرض أنّ بعض نماذج الوقف لم تكن موجودةً في العصر الإسلامي الأوّل ـ رغم أنّ مسألة وقف النقود لم تكن بالغريبة عن الفقه السنّي، كما قلنا، ومع ذلك لم يرِدْ فيها نصٌّ مانع في روايات أهل البيت ـ إلا أنّ الشارع بإمضائه مقولة الوقف التي تدور حول وجود أصل ثابت ومنافع متحرّكة سيّالة يكون قد رخّص في كلّ وقف من هذا القبيل. فلو كان لديه مانع من وقف النقود مثلاً لكان عليه أن يضيف على نصوصه التي تتكفّل بيان أحكامه قيوداً تمنع مثل هذا الوقف، وإلا فإنّ سكوته عن هذه الأنواع سوف يؤدّي إلى ظهورها في المستقبل دون منع منه.

وهذا الأساس يقوم على فكرة أنّ الممضى في مثل المقام هو النكتة الأساسية في هوية الوقف، لا الظواهر الزمنيّة التاريخية. فإذا قبل فقيهٌ بذلك فبها، وإلا كان المرجع هو الأساس الثاني المتقدّم.

وعليه فالصحيح وجود أصل ثانوي في باب الوقف يحكم بصحّة كل وقف إلا ما خرج بالدليل، ويكون مقدّماً على أصالة الفساد الأوّلية، بالحكومة أو الورود.

 

النظريات الفقهيّة في الموقف من الوقف النقدي

تعدّدت النظريات الفقهية في الموقف من الوقف النقدي بين مانع منه ومجيز. ولابدّ لنا من عرض النظريّتين، وتحليلهما، ورصد مستنداتهما؛ للخروج بنتائج في هذا الإطار إن شاء الله تعالى.

 

1ـ نظرية المنع من وقف النقود

ذهب غير واحد من الفقهاء إلى المنع من وقف النقود والعملات بوصفها عملةً، لا بوصفها حلياً أو ما شابه ذلك([34])، بل نفي عنه الخلاف ممَّن يعتدّ به([35])، بل نفي الخلاف مطلقاً([36])، وأنه قول أكثر علمائنا([37]). ومن صحّح رَبَطَ الأمرَ بإمكان التزيّن بالدرهم والدينار، كما قلنا سابقاً. واكتفى بعض الفقهاء بالاستشكال بوقف الدراهم والدنانير، دون بيان تفصيل([38]).

لكن ذهب السيد اليزدي إلى تصحيح الوقف النقدي؛ لحفظ الاعتبار([39]). واستشكل آخرون في قوله هذا([40]).

 

مستندات الموقف المتحفّظ من الوقف النقدي، مطالعة نقديّة

استدلّ ـ أو يمكن أن يستدلّ ـ لنظرية المنع من الوقف النقدي بعدّة أدلّة، نشير إلى أهمّها كالتالي:

الدليل الأوّل: إنّه يشترط في الموقوف أن يكون عيناً خارجيّةً جزئيّة حقيقيّة ينتفع بها مع بقائها؛ فإنّ هذا هو معنى تحبيس الأصل. فلو كان الأصل لا يبقى، بل يستهلك ويتلف بالانتفاع به، لم يتحقّق الوقف أساساً([41]).

ويمكن مناقشة هذا الكلام:

أولاً: إن النقود المعاصرة بما هي نقود لا عينيّة لها إلا ماليّتها وقوّتها الشرائية وقدرتها التبادلية؛ لأنّ العقلاء لا ينظرون إلى أعيانها وأشخاصها، وإنما ينظرون إلى ماليّتها. فإذا كانت ماليّتها متحقّقةً ـ ولو بتبدّل أعيانها ـ كانت باقيةً، وإلا صدق عليها أنها انعدمت وتلاشت. والماليّةُ غير مرتبطة حتماً بالجانب العيني للنقد بعد زوال الذهبية والفضية عن النقود المعاصرة.

وبعبارة أخرى: إنّ الذهن العقلائي يربط وجود النقد مع زيد بوجود المالية، لا بوجود العين بما هو وجود لها خاصّة، إلا إذا كان لعين نقدٍ خاصّ خصوصية استثنائية ضمن حالة خاصّة. فما دامت المالية موجودة فإنهم يقولون بأنّ زيداً ما زالت عنده الألف درهم، فإذا زالت المالية حكموا بفقدانه هذه الألف.

ولعل ما نقصده هنا هو ما عبّر به ابن عابدين(1252هـ) بقوله: «إنّ الدراهم لا تتعيّن بالتعيين، فهي وإنْ كانت لا ينتفع بها مع بقاء عينها، لكنّ بدلها قائم مقامها؛ لعدم تعيّنها، فكأنها باقية»([42]).

ولعلّه من هنا ذهب أستاذنا السيد محمود الهاشمي الشاهرودي إلى جواز «وقف النقود الورقية بما هي مالية محضة، فيجب حفظ ماليّتها الخارجية، ولو ضمن استبدالها بغيرها مما يعادلها من النقود الأخرى أو البضائع، فيصحّ الاتّجار بها بشرط حفظ المالية، وصرف ناتجها وما زاد عليها في الجهة الموقوف عليهاn، محتاطاً بعد ذلك استحباباً في العدم([43]).

وينتج عمّا قلناه بأنّ الوقف لا يتعيّن بفرده، فحتى لو تمّ شراء عقار به فإنّ هذا العقار ـ بوصفه عقاراً ـ لا يكون وقفاً حتى يمنع استبداله بحجّة أنه ليس نقداً؛ لأنّ الواقف لم يوقف إلا الماليّة ضمن الأعيان، لا الأعيان نفسها، فتحوّل المالية ضمن عين ثابتة لا يغيّر من واقع الموقوف شيئاً.

ثانياً: قد يناقش في أصل الدليل على لزوم كون الموقوف عيناً خارجيّة باقيةً بهذا المعنى الذي ذكروه، فما هو الدليل على ذلك أساساً؟ وما هو المقدار الذي يقدّمه لنا هذا الدليل؟

إنّ الحكم بلزوم كون العين الموقوفة عيناً خارجيّةً يمكن الانتفاع بها مع بقائها هو نتيجة طبيعيّة لهوية الوقف وحقيقته؛ إذ ما دام تحبيساً للأصل وتسبيلاً للمنفعة فهذا معناه أنه لابد أن يفرض الأصل ثابتاً، والانتفاع يكون بالمنفعة، فلو كانت العين مما يتلف بالانتفاع فلا تحبيس هنا، كما لا يكون الانتفاع بالمنفعة حينئذٍ، بل بالأصل نفسه([44]).

وهذا الدليل لا يلغي التكييف القانوني والشرعي الذي بينّا فيه الموقوف في وقف النقود؛ إذ لا نراه شاملاً لما نحن فيه؛ حيث يكفي بقاء المالية لإشباع حيثية هوية الوقف؛ لأننا نفرض هنا أنّ (الأصل) في مجال وقف النقود هو المالية، لا العين، والمفروض أنها باقية ومحبّسة، وأنّ الانتفاع يكون بها مع بقائها عبر حركة التجارة بالمال مع المحافظة على المالية، غايته أنّ المالية المحفوظة يختلف محلّ حفظها بين النقد والبضاعة وحركة التناقل في الأعيان والنقود.

وبعبارة ثانية: هوية الوقف لا تفرض إلا ثبات الأصل في ظرف الانتفاع به، لكنها لا تفرض كون الأصل عيناً خارجيةً، كالبستان والشجر والعقار. فأيّ أصل ثابت تفرض له منفعة متحرّكة تدور حوله يمكن وقفه. والمالية هنا هي الأصل، لا عينية النقد، فلماذا لا تكون مشمولةً لتعريف الوقف بعد فرض ثباتها في الأعيان المتحرّكة المتبدّلة؟! ولماذا لا يشملها المقصد الشرعي للوقف؛ لما فيها من مصالح وأغراض؟!

وبناءً عليه لا يصحّ قياس النقود على مسألة الطعام والشراب والشمع وغيره مما مثّل به الفقهاء؛ لأنّ الاستفادة من المطعوم والمشروب يحقّق استهلاكاً واقعياً للأصل الموقوف، على خلاف الاستفادة من النقد بوصفه معبّراً عن قدرة التبادل ومعياراً للقيمة والقوّة الشرائية، فإنّ زوال عينه يحقّق تلقائياً البديل له الذي يماثله ولا يختلف عنه أبداً في الغرض المقصود منه لمَنْ هو في يده، وهو أشبه شيء بالتحوّلات التي تطرأ على الأشجار الموقوفة، من حيث إنه بالدقة لا تعود الأشجار عينها كلّ عام.

الاستناد إلى الأحاديث التي شكّلت المرجع الفقهي لتعريف الوقف عند الفقهاء، وهي:

أ ـ النبوي المعروف: «حبّس الأصل، وسبّل الثمرة»([45])، في جوابه| لعمر بن الخطاب حين قال له: «يا رسول الله، إني أصبت مالاً لم أُصِبْ مثله قط، كان لي مائة رأس، فاشتريت مائة سهم من خيبر من أهلها، وإني أردت أن أتقرّب بها إلى الله عز وجل». وورد بصيغ متقاربة أيضاً، مثل: «إن شئت حبّست أصلها وتصدّقت بها»([46])، أو «احبس أصلها وسبّل ثمرتها، أو وتصدّق بثمرتها»([47]). وفي صيغة أخرى: «تصدّق بثمره واحبس أصله، لا تباع ولا تورث»([48]).

إلا أنّ الإنصاف ـ وبصرف النظر عن الجانب السندي والصدوري من الحديث ـ أنّ هذا الحديث الذي اعتُبر الأصل في تحديد هويّة الوقف غير دالّ على حصر هذه الهويّة بما جاء فيه؛ إذ ـ فضلاً عن وجود تعبير «إن شئت» في بعض صيغه ـ غاية ما يدلّ عليه أنّ الرسول| أرشد عمر بن الخطاب إلى طريقةٍ في وقف أمواله التي هي عبارة عن سهام من خيبر، وليس في الحديث حصرٌ للوقف بهذه الطريقة، وربما لو كانت أموال ابن الخطاب دراهم ودنانير لقال له: اجعلها صدقةً للتجارة بها، أو للمضاربة، أو للإقراض. بل ما المانع أن يكون الوقف على نوعين: أحدهما يشتمل على تحبيس الأصل؛ والثاني لا يشتمل عليه، ويكون الرسول| قد أرشده إلى إحدى الطريقتين؟! نعم لا يسمّي الفقهاء النوع الثاني وقفاً، وإنما يعبّرون عنه بأنه صدقة، ولا ضير مادام الوقف في لسان النصوص الدينية غير مستخدم كثيراً، وإنما المستخدم هو الصدقة، ومنها الصدقة الجارية.

وخلاصة القول: إنّ هذا الحديث لوحده لا يفيد حصر الوقف بظاهرة تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، بل قد يجامع وجود نوعٍ آخر للوقف يكون الانتفاع بالأصل فيه مساوقاً لتلفه. ونحن وإن كنّا لا نرى ذلك وقفاً تترتّب عليه أحكام الوقفيّة، لكنّنا نعتقد أنّ هذا الحديث لا يدلّ على ما قالوه ممّا اشتهر بينهم.

إضافةً إلى ذلك كلّه، فإنّ هذا الحديث لا يعارض الصورة التي بينّاها للوقف النقدي؛ لأنّ المفروض أنّه قد جرى تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، غايته أنّ الأصل هو المالية، وليس في هذا الحديث منعٌ لكون الأصل من نوع المالية، غايته أنّ مورده كون الأصل عيناً خارجيةً متميّزة جزئيّة، والمورد هنا لا يحرز تخصيصه للوارد الذي ورد بلسان عام.

ب ـ ما جاء في بعض الوقوف من استخدام تعبير «صدقة لا تباع ولا تورث»([49])، أو «صدقة مبتولة»([50]).

وإذا تجاوزنا أنّ هذه الوقوف غاية ما تدلّ عليه هو تحقّق الوقف بهذه الطريقة، لا حصره بها، ما لم يكن التوصيف mلا تباع ولا تورثn بياناً لطبيعة الصدقة الوقفيّة شرعاً، لا تقييداً شخصيّاً من قبل الواقف، فإنّ ما تريده هذه القيود هو عدم خروج الوقف عن الوقفيّة بتحوّله بالبيع أو الإرث إلى ملكية شخصيّة للأصل بالنسبة إلى المشتري أو الوارث. وأين هذا من الوقف النقدي الذي تظلّ فيه الماليّة ثابتة لا تخرج عن الوقفيّة بانتقالها من نقدٍ إلى آخر؟! وليس بيع النقد مثل بيع العين؛ إذ في بيع العين تزول خصائص العين نفسها لتحلّ محلّها عينٌ أخرى ذات خصائص أخرى، على أنّ العين يمكن تعلّق الغرض بها دون بدلها، أمّا في وقف الماليّات فالموقوف يبقى على حاله، والغرض منه واحد، غاية الأمر أنّ المعبِّر عنه سيكون مختلفاً بين النقود والسلع والبضائع، فلا يصحّ قياس هذه على تلك، ولا العكس.

وبتعبير آخر: إنّ البيع في مثل العقار يغيّر هوية الوقف وخصائصه المقصودة، وهو ما لا يكون في النقد؛ لأنّ النقد لم يوقف إلا بلحاظ ماليته التي لا تتغيّر بعمليات التداول نفسها، وإنما يختلف محلّ حلولها في هذا النقد أو ذاك، أو هذه السلعة أو تلك.

ج ـ ما جاء في بعض النصوص من تعبير الصدقة الجارية([51])، حيث يستدعي الجريان وجود أصل ثابت عيني تدور حوله المنافع، فهي تميّز بين نوعين من الصدقة: إحداهما جارية؛ والأخرى غير جارية، والجارية هي الوقف؛ إذ لا معنى للجريان في غيره.

وبغضّ النظر عمّا تقدّم فإنّ غاية ما تفيده هذه النصوص أنّ هناك أصلاً تدور عليه المنافع، لكنها لا تفرض كون الأصل بطريقة حصرية عيناً خارجية جزئية حقيقية، فلا تقصر عن الشمول لكون المالية هي الأصل، وأرباحها الناتجة عن حركتها في السوق هي الثمرة. وإذا كان مورد النصوص هو العقارات وأمثالها فلا يوجد في النصّ ما يفيد الحصر كما قلنا. كما أنّ وقف الماليّة يصدق عليه عنوان الصدقة الجارية المحفوظة ضمن أعيان مختلفة متبادلة، بحيث ينتفع بها الفقراء للقرض أو المضاربة أو نحو ذلك.

وبهذا كلّه ظهر أنّ المأخوذ في الوقف ـ على أبعد تقدير ـ وجود أصل ثابت تتحرّك منافعه وثماره، وتدخل هي فقط دائرة الاستهلاك، أما شرط كون هذا الأصل عيناً خارجية جزئيّة ماديّة حقيقيّة، كالعقار والبستان ونحو ذلك، فلم يثبت بدليل معتبر. فهويّة الوقف ونصوصه الأصليّة لا تنافي جعل المالية أصلاً موقوفاً في مجال النقود.

الدليل الثاني: إنّ الوقف النقدي يواجه مخاطر تغيّر القيمة الشرائية للنقد؛ بسبب التضخّم وتحوّل القيم، وفي هذه الحال لا يمكن خوض هذا المجال؛ لأنه يعرّض الوقف لمخاطر يفترض حمايته منها. فهذه الماليّة التي يجري الحديث عن كونها الأصل المحبّس لا قرار لها؛ لأنها تتغيّر من عام إلى عام آخر تبعاً لوضع السوق وحال الاقتصاد عموماً، وفي هذه الحال يمكن منع الوقف النقدي من ناحية جرّه إلى مخاطر على المال الموقوف، بخلاف العقار أو الأرض مما يملك في حدّ نفسه ثباتاً واستقراراً في وجوده مهما اختلفت قيمته. بل هناك مَنْ يرى أنّ انهيار الوقف في الدولة العثمانية التي راج فيها الوقف النقدي كان بسبب التضخّم الذي انتشر في العالم بعد تدفّق الذهب من القارة الأميركية.

ليس هذا فحسب، بل يواجه الوقف النقدي مخاطر السرقة، والاختلاس، وعدم تسديد المقترضين لقروضهم في الوقف النقدي القرضي، مما يبطل غرض الواقف في دوام الأصل المحبّس الذي وقفه. بل يواجه وقف النقود مشكلة الصرف على المتولّين لشأن الوقف، حيث لا بد أن يستهلكوا مقداراً من الأصل حينئذٍ.

وهذا الاستدلال القائم على مقولة المخاطرة في مناقضتها لمقصديّة الوقف وغرض الواقف يمكن حلّه بما يلي:

أولاً: إنّنا نقول ـ كما عليه مشهور الفقه الإمامي ـ بجواز وقف المنقول([52])، خلافاً لبعض الرأي في فقه الجمهور، ولاسيما عند الأحناف. ونرى أنّ الموقوف ولو مؤبّداً يظلّ في الوقفية إلى أن يزول ويرتفع. وزوال العين الموقوفة ولو بعارض طبيعي لا يناقض مشروعية الوقف، كما لو وقف سيارةً لابدّ لها من الزوال والخراب بمرور الزمن. وهذا معناه أنّ الوقف يتبع حال الموقوف من حيث قدرته على الاستمرار الزمني، وأنّ سقوطه عن هذه القدرة لا يبطل وقفيّته، ويكشف من ثَمّ عن عدم انعقاد الوقف من الأوّل؛ فإنّ الأرض نفسها قد تبور ولا تعود صالحةً لشيء؛ لسببٍ أو لآخر، كالزلازل، وهذا لا يبطل وقفيّتها. فالمقصود من التأبيد والاستمرار في الوقف بقاء الموقوف موقوفاً إلى زواله واندثاره، لا التأبيد بمعنى بقائه إلى أن يبعث الله الأرض ومَنْ عليها بالضرورة.

من هنا أيضاً يظهر أنّ الاستدلال على منع وقف النقود بمناقضته لمبدأ التأبيد ـ كما ذكره بعضهم ـ غير صحيح؛ فإنّ وقف النقد ـ كما قلنا ـ وقفٌ للمالية التي فيه، لا للعين، وهذه المالية لها قدرة الدوام، تماماً كالعقار، ما لم يطرأ طارئ، وهذا المقدار كافٍ في الوفاء بشرط التأبيد المأخوذ في الوقف بناءً على أخذه، فضلاً عن إسقاط شرط التأبيد الذي يرفع شطراً كبيراً من الإشكالية هنا. ومن المعروف أنّ إلغاء شرط التأبيد قولٌ ذهبت إليه المالكية.

ثانياً: إنّ الزوال المفترض هنا يمكن تفاديه بما يرتهن بإدارة الوقف، حيث يمكن استثمار بعض المال الموقوف ليعود بريعٍ على الموقوف نفسه في المحافظة عليه، ضمن صيغة قانونية منضبطة، إلى جانب التشدّد في الحصول على ضمانات من عقارات وصكوك في دائرة الوقف القرضي مثلاً؛ حفظاً لبقاء الأصل والمالية. أضِفْ إلى ذلك أنّ عملية تحريك الموقوف النقدي لا تقتصر على تحويله من نقد إلى آخر، بل قد يكون بتحويله إلى أعيان يتّجر بها، ولاسيما في الوقف النقدي الإيرادي.

فهذه الإشكالية يرجع الشطر الأكبر منها إلى مسؤولية إدارة الوقف في تنويع المشاركات التجارية بالمال الموقوف، وعدم حصره في استثمارٍ واحد، كما وفي عدم الدخول في استثمارات عالية المخاطر قد تضرّ بالأصل الموقوف، ويكون الإقدام عليها مخالفاً لوظيفة الناظر والمتولّي في هذا المجال.

علماً أنّ تجويز وقف النقد لا يعني حصر الوقف بالنقود، بل مشاركتها في نظام الوقف عامّة إلى جانب الوقف العيني. فنحن لا ننتقد الوقف العيني، بل نضع معه غيره، فلا مانع من تحريك أغراض الواقفين بما يحدث التوازن بين أنواع الوقوف، أو جعل بعض أوقاف النقود أعياناً ثابتة، مثل: المستشفيات وغير ذلك، كما تقدّم.

وقد ذهب بعض الباحثين هنا إلى إمكانية وضع تكلفة رعاية الوقف النقدي والإشراف عليه في عهدة المقترض([53]). وهو أمر يحتاج إلى بحث من حيث إشكاليّة الربا وغيره.

الدليل الثالث: ما يظهر من بعض الكلمات من أنّ النقود يكمن غرضها في الثمنية التي فيها، والتي تجعل معياراً لمعرفة القيم ومبادلة السلع، وليس الوقف من أغراضها؛ حيث إنّ منفعة الوقف لا تعدّ من المقاصد التي جاءت النقود لأجلها.

ويبدو أنّ هذا الدليل قد انطلق من وقف النقود بوصفها أعياناً، فكأنّ الواقف وقف النقود لتبقى، ولو للزينة أو غير ذلك، وهذا ليس غرضاً للنقد، فإنّ الغرض منه دخوله حقل التداول المالي والنقل والانتقال ووقوعه ثمناً للسلع؛ لأنّ هذه هي فلسفة النقد التي فرضت وجوده بدلاً من المقايضات التي لا تتوفّر للإنسان في أغلب الأحيان. فكأنّ هذا الدليل ما زال مسكوناً بربط النقد بالدراهم والدنانير الفضيّة والذهبيّة، مما اختلف الفقهاء في جوازه انطلاقاً من قابليتهما للزينة وجعلهما حلياً، أو قابليتهما للإجارة لهذا الغرض ونحوه.

لكنّ فرض موضوعنا أنّ الموقوف هو المالية، والغرض هو الاستثمار أو الإقراض أو نحو ذلك. وهذا ما لا يضرّ بعنصر التبادل أو الثمنيّة الموجود في النقود، كيف ووقف المالية بهذه الطريقة يفرض تحريك النقد في السوق واستخدامه في أغراضه الأصيلة؟!

من هنا نعرف أنّه لا معنى لجعل وقف النقود تحجيراً للمال بلا منفعة؛ فإننا لا نقف النقد لتظلّ أعيانه ثابتة بلا تحريك في السوق، بل على العكس تماماً؛ فإنّ وقف النقود بهذا المعنى إطلاقٌ للمال في مجال الاستثمار والتبادل والتداول. كما أنّ المنافع هنا واضحة، وقد ظهرت عند الحديث عن أنواع وقف النقد ومجالاته من رفع حاجة المحتاجين بالإقراض، أو توظيف المال لتكون أرباحه وعائداته لصالح الفقراء والمساكين وسبل الخير والصلاح، فلا يمكن فرض انعدام المنفعة من عملية الوقف هذه.

إنّ الإشكالية الأساسية تكمن في أنّ النقود المعدنية ـ الدرهم والدينار ـ تحوي قيمةً ذاتية، بصرف النظر عن دخولها مجال النقد؛ لأنّ المفروض أنها ذهب وفضّة. وكأنّ بعض المانعين القدامى فرضوا أنّ عملية الوقف منصبّة على عنصر الذهبية والفضية في النقدين؛ لهذا لاحظوا جعلها حليّاً، وبحثوا في وقفها للتزيّن بها، فيما يراد ملاحظة عنصر النقدية الذي يحويها، والذي يحمل في طياته المالية والثمنية والقدرة الشرائية والقوّة التبادلية و..

فإذا انتقلنا من النقد المعدني إلى النقد الورقي اليوم نعلم أنّ هذا النقد وإن أخذ بعض قيمته من رصيد الذهب والفضة الذي يحكي النقد عنه، والموجود في خزائن البنك المركزي، إلا أنه ـ ولاسيما بعد تطوّر النقد ـ لم يعد ورقةً إثباتية لصالح حاملها عمّا له من مقدار الذهب والفضة الذي تحكي عنه الأوراق النقدية؛ وإنّما قيمة هذا الورق النقدي تكمن في قوّة الدولة وتغطيتها ممّا تملكه على صعيد الاستقرار السياسي والثقل الاقتصادي ومقدّراتها الأولية والثانوية من موادّ خام ورؤوس أموال واحتياطي، إلى جانب فعاليتها في المجال الصناعي والزراعي والتجاري، مع استقرارها الباعث على حالة الطمأنينة العامة، فليس مالك النقد الورقي اليوم مالكاً للمقدار الذي يحكي عنه النقد من الذهب في البنك المركزي، وإنما هو مالك لقوّة شرائية اعتبارية مصدرها مجموعة العناصر المتشابكة التي تعطي للدولة والمجتمع قوّةً تلقي بظلالها على قيمة النقد الذي يعبّر عنها.

وهذا معناه أنّ النقود الورقية لا يصحّ التعامل معها بوصفها شيئاً له استخدامين، كما قد يتصوّر في الدرهم والدينار، بل ليس لها إلاّ هوية واحدة، وهي المالية، فوقفها وقفٌ للمالية التي فيها، وهي عنصر ثابت، ولا تلاحظ العين إطلاقاً على هذا الصعيد، حتى يجري الحديث عن ثباتها وعدم ثباتها. وحتى لو فرض لها أكثر من استخدام فإنّنا نلاحظ هنا وقف الماليّة التي فيها، لا وقفها بملاحظة الاستخدام الآخر.

والشاهد على هذه الخصائص كلّها في النقد اليوم أنّ النقد لا يلاحظ بوصفه سلعةً فيها حيثية إشباع، فليس الطلب على النقد ـ كما ذكر بعضهم([54])ـ ناشئاً من عنصر إشباع حاجة، وإنما من كونه وسيلة لذلك، كما أنّ تلفها لا يضرّ بالثروة على المستوى الاجتماعي، بعد قدرة الدولة على إعادة طباعة هذه الأوراق النقديّة، ومع كلّ هذا الوضع الذي فيها لا يصحّ التعامل مع النقود على نهج التعامل مع السلع المقصودة بذاتها.

ومن خلال ما تقدّم يظهر أنّه لا يوجد مانعٌ يمنع عن الوقف النقدي بمعنى وقف الماليّة السيّالة ضمن النقود المتبادلة والأعيان. وإنّ كل المبرّرات التي تدفع للتحفّظ من الوقف النقدي ليست تامّة، ولا مقنعة.

 

2ـ نظرية تجويز الوقف النقدي

في مقابل جمهور القائلين بمنع الوقف النقدي، ذهب بعض الفقهاء المسلمين إلى الحكم بجواز هذا الوقف صريحاً. فقد تبنّاه أو مال إليه عددٌ قليل جداً من فقهاء الإمامية، منهم: السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، والسيد محمد الحسيني الشيرازي، والشيخ جعفر السبحاني، والشيخ يوسف الصانعي، كما نقل عن بعض المالكية، وعامّة الأحناف، وابن تيمية، والزهري([55]).

ونقل ابن نجيم المصري(970هـ) عن الأنصاري ـ من أصحاب زفر ـ أنه حكم بجواز هذا الوقف، وبيّنه بأنها تدفع مضاربةً، ثم يتصدّق بها في الوجه الذي وقف عليه، ثم قال: وعلى هذا الوجه mإذا وقف هذا الكرّ من الحنطة على شرط أن يقرض للفقراء الذين لا بذر لهم؛ ليزرعوه لأنفسهم، ثم يؤخذ منهم بعد الإدراك قدر القرض، ثم يعرض لغيرهم من الفقراء أبداً على هذا السبيل، يجب أن يكون جائزاًn([56]).

وقد بذلت جهودٌ ومحاولات عديدة لتصحيح الوقف النقدي في الفترة المتأخرة. وأصدرت فتاوى في هذا السياق ـ غير ما تقدّم عن بعض فقهاء الإماميّة ـ، سواءٌ عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جلسته التي انعقدت في آذار من عام 2004م في سلطنة عمان، أم من شخصيات فقهية قدّمت دراسات أو فتاوى، مثل: عجيل جاسم النشمي، وناصر بن عبد الله الميمان، ومحمد بن عبد الله الملا، وغيرهم.

 

مبرّرات الترخيص في الأوقاف النقديّة

بعدما تمّت مناقشة كلّ المبرّرات التي دفعت لمنع وقف النقد عند الفقهاء المانعين يُرجَع تكليفاً إلى أصالة البراءة، بحيث يكون وقف النقد جائزاً شرعاً لا حرمة تكليفيّة فيه. وأما إثبات جوازه الوضعي، أي الحكم بالصحّة والنفوذ وترتيب الآثار، فيمكن ـ بعد المناقشات السابقة ـ الاستدلال ببعض الأدلة التي تصلح أساساً لنظرية الترخيص والتصحيح أحياناً، وتصلح أحياناً أخرى لتأييد القول بالجواز، دون أن ترقى إلى مستوى الأدلّة الحاسمة. وهذه الأدلّة هي:

الدليل الأول: الاستناد إلى مقتضى الأصل والمرجع العام في حكم وقف خاصّ معين عند الشك فيه. وقد ذكرنا أنّ العمومات والمطلقات الواردة في مطلق الإنفاق في سبل الخير، وكذلك الصدقات، وخصوص الصدقات الجارية، تشمل وقف النقود الورقية اليوم. وإنّ عدم اشتهار هذا الوقف في الصدر الإسلامي الأوّل لا يضرّ بإطلاقات الأدلة هنا. هذا كلّه بعد شمول تعريف الوقف وهويّته لوقف النقود، كما ذكرنا سابقاً.

وإلى جانب ذلك، فإنّ الوقف ظاهرة عقلائيّة ممضاة شرعاً، ولم يرِدْ في الشرع من قيودها ما يمنع الشمول لمثل وقف النقود، حيث لم نعثر على نصّ صريح أو ظاهر ثابت صدوراً ودلالةً في هذا المجال. وفي مثل هذه الحال، وحيث إنّ المشرّع الإسلامي يشرّع إلى يوم القيامة، فإنّ هذا معناه الترخيص في الوقف النقدي، وإلا لبيّن ومنع مع وجود النقود في عصره وإمكان تفهيم المنع في موردها بالنسبة لأهل زمنه، وليس مَنْ سيأتي بأقلّ حالاً ممَّنْ كان عصرَ النزول والصدور، بعد فرض الله سبحانه وتعالى هو المشرّع، وهو المطّلع على الغيب وجميع الأزمنة.

وعليه يحكم بجواز كلّ أنواع وقف النقود، من حيث كونها وقفاً للنقد، إلا إذا اشتمل نوعٌ خاصّ منها على محذور من جهة خاصّة ثبت الدليل على المنع منها، كالربا أو غيره.

الدليل الثاني: إنّ الوقف من أمور التبرّعات التي يتسامح فيها؛ نظراً لكون الغرض هو الخير والإحسان وأعمال البرّ، فلا يتوقّع التوقف فيه؛ نظراً لقيامه على الحثّ والتسامح بغية تحقّق الأغراض النبيلة التي فيه. وقد قال القرافي عن الوقف: «هو من أحسن القرب، وينبغي أن تخفّف شروطه»([57]).

لكنّ هذا الدليل غير واضح؛ لاحتمال وجود مفسدة في وقف النقود لأجلها لم تُجِزْه الشريعة، مثل: مفسدة زوال قيمة النقد والتضخّم، فلعلّ الشرع تحفّظ من هذه الزاوية لتلك المفسدة، فيدور الأمر بين احتمال المصلحة واحتمال المفسدة. ولا معنى للتسامح هنا إذا لم يُبْنَ على العمومات والمطلقات الواردة في الأدلة؛ لأنه مجرّد ظنّ واحتمال لا دليل على حجيّته في غير كونه مجرّد مؤيّد للأدلّة الأساسية، فهو تماماً مثل الوصية، حيث لا تصحّ الوصية بكلّ التركة، ولو كان الورثة أغنياء لا يحتاجونها.

الدليل الثالث: إنّ وقف النقود يحقِّق المقاصد الشرعية للوقف والمصالح العامة التي فيه؛ فإنّ الغرض من الوقف تحقيق المصالح الاقتصادية العامّة. وحيث يمكن مساعدة الفقراء والمحتاجين وتنمية الاقتصاد وإقامة المشاريع الخيرية الكبرى من المساجد والمستشفيات والمدارس والمعاهد الدينية والجامعات والمراكز الخدمية وطباعة الكتب المفيدة وكفالة الأيتام ودعم المجاهدين وغير ذلك، إلى جانب توفيره المجال لصغار المالكين للمساهمة في فعل الخير وتقديم الصدقات وتيسير الأمور لمَنْ يريد الإفادة من ثواب هذا العمل الخيري، إضافة إلى توفيره المشكلات التي تواجه وقف العقارات أحياناً من ارتفاع تكاليف تجديدها وصيانتها ومحدودية طرق استثمارها وصعوبة تمويلها وعُسر بيعها في حالات الضرورة..، فإذا كان الوقف يحقّق التكافل الاجتماعي والحفاظ على المال وتوثيق عرى التواصل الرحمي ونشر العلم وتوفير الخدمات للآخرين.. فإنّ وقف النقود يحقّق هذه الأغراض والمقاصد السامية أيضاً، ويترك أثره الطيّب في المصالح العامّة للمسلمين.

فإذا استطعنا فهم هذه المقاصد والغايات والمصالح على أنها هي علّة مشروعية الوقف واستحبابه كان الحكم دائراً مدار العلّة، فتثبت في مجال وقف النقود، وإلا كان ذلك شاهداً مؤيّداً ومنبّهاً وجدانياً متشرّعياً على عدم وجود مشكلة في هذا النوع من الوقوف.

الدليل الرابع: الاستناد إلى ما دلّ على جواز أن يشرط الواقف بيع الوقف. ففي خبر عبد الرحمن بن الحجّاج، الذي يتحدّث عن وقف الإمام علي× لماله في عين ينبع، جاء: «فإن أراد ـ الإمام الحسن ـ أن يبيع نصيباً من المال فيقضي به الدين فليفعل إن شاء، ولا حرج عليه فيه.. وإن كان دار الحسن ـ غير دار الصدقة ـ فبدا له أن يبيعها فليبعها إن شاء، ولا حرج عليه فيه، فإن باع فإنه يقسمها ثلاثة أثلاث...»([58]).

فإنّ جواز الوقف مع شرط الواقف البيع تعبيرٌ آخر عن تعلّق الوقف حقيقةً بوقف المالية، لا العين، فيجري ذلك في النقود، ويكون مرجعاً في بحثنا هنا.

إلا أنّ ظاهر الخبر هو البيع وصرف المال، بمعنى فكّ الوقف وإبطاله، فيصلح في الحكم بجواز التوقيت في الوقف أو ما شابه ذلك، وهذا غير كون الوقف قد تعلّق ابتداءً بالمالية، لا العينية، كما هو واضح.

الدليل الخامس: الاستناد إلى خبر محمد بن مهران، قال: سمعت أبا عبد الله× أوصى أن يُناح عليه سبعة مواسم، فأوقف لكلّ موسم مالاً ينفق فيه([59]).

فإنّ هذا الخبر يدلّ على أنّ الإمام وقف مالاً يُصرف في مجالس ذكره. وهذا من أجلى مظاهر الوقف للصرف والاستهلاك. فإذا كان هذا جائزاً فيمكن جعله أساساً يجيز الوقف للمالية بالأولوية.

لكنّ هذا الخبر ضعيف السند؛ فإنّ محمد بن مهران بن محمد الكرخي مهمل، إضافة إلى احتمال أن كلمة (أوقف) هنا استخدمت في المعنى اللغوي العام، بحيث تقبل إرادة الوصية أيضاً، فكأنه أوصى أن يناح عليه، وخصّ ـ في ضمن ما أوصى ـ أن يجعل مبلغ مالي معيّن ـ وهو أقلّ من ثلث تركته ـ يُصرف في هذا الوجه الخيّر. وبهذا لا يكون لهذا الحديث أيّ ارتباط بقضيّة الوقف.

من هنا يتبيّن أنّ عمومات الإنفاق في سبل الخير والصدقة والإنفاق في سبيل الله والصدقات الجارية وغيرها، وكذلك تحليل هوية الوقف ومفهومه وتفكيك البنية العقلائية الممضاة له..، ذلك كلّه يصلح دليلاً لتصحيح هذه الأوقاف، مؤيّداً ببعض المؤيّدات السابقة.

 

نتيجة البحث

ما يبدو لنا صحيحاً في موضوع الوقف النقدي أنّ وقف النقود من حيث هو وقف للنقود جائز تكليفاً، وصحيح وضعاً وقانوناً؛ لأنّ مفهوم الوقف وارتكازه العقلائي ومفهوم الصدقة الجارية ينطبق عليه بعد تحليل هوية الموقوف في الوقف النقدي، وأنّه المالية والقدرة الشرائية والتبادلية، على خلاف الحال عادةً في الوقف العيني الذي يكون الموقوف فيه ملاحظاً بما له من خصائص ذاتية في العين الجزئية الخارجية، كالعقار.

من هنا يظهر أنّ وقف النقود الورقية المعاصرة يكاد يكون أوضح في الترخيص من وقف النقود المعدنية القديمة، كالدرهم والدينار، من حيث إن النقد الورقي لا يملك خاصّيّة ذاتية في عينه بصرف النظر عن الاعتبار المالي الذي تمنحه الدولة له، على خلاف النقد المعدني الذي يبقى حاوياً لقيمة ذاتية([60]) ـ أي الذهبية والفضية ـ حتى لو ألغي اعتباره النقدي من جانب الدولة، الأمر الذي يعزّز فرضية أنّ الموقوف في النقد الورقي محض الاعتبار المالي، لا العين، حتى يناقش بأنها ممّا يتلف بالاستعمال والاستخدام، فيكون حالها حال المأكولات والمشروبات التي حكموا في الفقه الإسلامي بعدم صحّة وقفها.

وعليه فالعمومات والمطلقات القرآنية والحديثية، إلى جانب كلٍّ من البناءات العقلائية الممضاة، والمقاصد الشرعية، والمصالح النوعية الكامنة في الوقف النقدي، مع عدم وجود نصوص حاسمة في الصدور والدلالة تمنع من ذلك، ذلك كلّه يؤكّد شرعية الوقف النقدي وضعاً وتكليفاً، مع ضرورة التوفّر على إدارة وقفيّة حسنة قادرة على تجنيب الوقف المخاطر الاستثمارية أو الخيرية العالية، وتوفير تقلّبات مالية له تزيد أو تحافظ على قدرته المالية.

إنّ الترخيص في الوقف النقدي لا يواجه الوقف العيني، بل يظلان معاً حاجةً خيرية بِرّية تتوازنان في مصالح المسلمين ومنافعهم، إنْ شاء الله تعالى.


 _______________


(*) نشر هذا البحث في العدد 19 من مجلة الاجتهاد والتجديد في بيروت، عام 2011م، ونشر في كتاب (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر) المجلّد الأوّل، للمؤلّف.

([1]) انظر: الطوسي، المبسوط 3: 286؛ وابن حمزة، الوسيلة: 369؛ والسرائر 3: 152؛ والجامع للشرائع: 369؛ والمهذب البارع 3: 47؛ والنراقي، مستند الشيعة 14: 320؛ وجواهر الكلام 28: 2؛ والإصفهاني، حاشية المكاسب 3: 85؛ وجامع المدارك 4: 2، 11، 25؛ ومصباح الفقاهة 3: 444، 477، 482؛ والمنتظري، دراسات في ولاية الفقيه 4: 215؛ وفقه الصادق 20: 335؛ والخوئي، منهاج الصالحين 2: 231؛ ومحمد الروحاني، منهاج الصالحين 2: 259؛ والسيستاني، منهاج الصالحين 2: 388؛ وفضل الله، فقه الشريعة 2: 455؛ والمجموع 15: 325، 328؛ والمغني 6: 185، 188، 236؛ والشرح الكبير 6: 185؛ 189؛ وكشاف القناع 4: 321؛ والبجنوردي، القواعد الفقهية 4: 232؛ والمرداوي، الإنصاف 7: 3؛ والراوندي، فقه القرآن 2: 290؛ وإصباح الشيعة: 345؛ والفصول الغروية: 298؛ ومنهج الصالحين 3: 315.

([2]) المختصر النافع: 156؛ واللمعة الدمشقية: 88؛ والروضة البهية 3: 163، 176؛ والحدائق الناضرة 22: 126؛ ورياض المسائل 9: 273؛ والعروة الوثقى 6: 279.

([3]) الحلي، شرائع الإسلام 2: 442؛ والعلامة الحلي، تحرير الأحكام 3: 289؛ وقواعد الأحكام 2: 387؛ والشهيد الأوّل، الدروس الشرعيّة 2: 263؛ والمحقق الكركي، جامع المقاصد 9: 58، 59، 66، 67؛ ورسائل المحقق الكركي 1: 197.

([4]) السرخسي، المبسوط 12: 27.

([5]) انظر: ابن نجيم المصري، البحر الرائق 5: 313، 324؛ وحاشية ابن عابدين 2: 348، و4: 597، و5: 3.

([6]) الشافعي، المسند: 308؛ والأم 4: 54؛ والبيهقي، السنن الكبرى 6: 162؛ ومعرفة السنن والآثار 4: 544؛ والأحسائي، عوالي اللآلي 2: 260؛ والنوري، مستدرك الوسائل 14: 47.

([7]) الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 5: 309.

([8]) انظر: ابن سعيد الحلي، الجامع للشرائع: 369؛ والآبي، كشف الرموز 2: 52؛ والشهيد الأوّل، اللمعة الدمشقية: 88؛ وابن فهد، المهذب البارع 3: 47؛ والخوئي، منهاج الصالحين 2: 239؛ ومحمد الروحاني، منهاج الصالحين 2: 268؛ وزين الدين، كلمة التقوى 6: 131؛ وابن حزم، المحلّى 9: 176؛ ومحمد الصدر، منهج الصالحين 3: 327.

([9]) محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 28: 16.

([10]) انظر: جامع المقاصد 9: 58؛ والنووي، المجموع 15: 325؛ وابن قدامة، المغني 6: 235؛ والبهوتي، كشاف القناع 4: 298.

([11]) اليزدي، العروة الوثقى 6: 309؛ ومحمد صادق الروحاني، فقه الصادق 20: 328.

([12]) انظر: العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء 2: 432 (حجرية)؛ وجعفر السبحاني، في وقف الحلي والأثمان، مجلّة فقه أهل البيت، العدد 53: 43 ـ 44؛ وروضة الطالبين 4: 380؛ وابن قدامة، الشرح الكبير 6: 190؛ وكشاف القناع 4: 297.

([13]) المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجّل أحمد بن حنبل 7: 8.

([14]) راجع: النجفي، جواهر الكلام 28: 18؛ وزين الدين، كلمة التقوى 6: 133 ـ 134. وهو مقتضى المادّة 58 من القانون المدني الإيراني، فانظر: ناصر كاتوزيان، حقوق مدني (عقود معيّن) 3: 211، نشر يلدا، إيران، 1990م.

([15]) النووي، المجموع 15: 325.

([16]) الشربيني، مغني المحتاج 2: 377.

([17]) وهبة الزحيلي، الوصايا والأوقاف في الفقه الإسلامي: 188، دار الفكر، دمشق، ط1، 1987م.

([18]) انظر: منذر قحف، الوقف الإسلامي، تطوّره، إدارته، تنميته: 40 ـ 41، دار الفكر المعاصر ودار الفكر، بيروت ودمشق، الطبعة الأولى، 1421هـ.

([19]) صحيح البخاري 3: 197.

([20]) مالك، المدوّنة الكبرى 1: 343.

([21]) لقد تعرّض الكثيرون للحديث عن أشكال الوقف النقدي، ولكن نكتفي من باب المثال لصور وقف النقود بالإرجاع إلى: منذر قحف، الوقف الإسلامي، تطوّره، إدارته، تنميته: 193 ـ 210.

([22]) انظر: القمي، مباني منهاج الصالحين 9: 468.

([23]) انظر: أبو القاسم الخوئي، مستند العروة (الإجارة): 401؛ ومصباح الفقاهة 2: 315.

([24]) اليزدي، العروة الوثقى 6: 281 ـ 282.

([25]) انظر مواقف فقه الجمهور وغيرهم من قضية العقدية وشرط القبول عند: محمد عبيد عبد الله الكبيسي، أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية 1: 164 ـ 183، الجمهورية العراقية، وزارة الأوقاف، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1977م.

([26]) انظر: الشهيد الأوّل، الدروس الشرعيّة 2: 263؛ واليزدي، العروة الوثقى 6: 279.

([27]) انظر: الفراهيدي، العين 5: 56 ـ 57؛ والجوهري، الصحاح 4: 1505 ـ 1506؛ وابن فارس، معجم مقاييس اللغة 3: 339 ـ 340.

([28]) راجع: اليزدي، العروة الوثقى 6: 279.

([29]) الكلينيّ، الكافي 4: 26، 27؛ القاضي النعمان، دعائم الإسلام 2: 320؛ الصدوق، الخصال: 134؛ الصدوق، من لا يحضره الفقيه 2: 55؛ ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول: 380؛ المفيد، الاختصاص: 240؛ الطوسيّ، الأمالي: 458؛ ابن أبي جمهور الأحسائيّ، عوالي اللآلي 1: 376؛ ابن أبي جمهور الأحسائيّ، عوالي اللآلي 1: 453؛ النوريّ، مستدرك الوسائل 12: 343، نقلاً عن كتاب الأخلاق، لأبي القاسم الكوفيّ.راجع: اليزدي، العروة الوثقى 6: 279.

([30]) حسن الجواهري، استثمار موارد الأوقاف (الأحباس)، مجلّة فقه أهل البيت، العدد 27: 63، عام 2002م.

([31]) انظر: حيدر حب الله، نظرية السنّة في الفكر الإمامي الشيعي: 714 ـ 719؛ وحجية السنّة في الفكر الإسلامي: 661 ـ 740.

([32]) انظر: محمد الحسيني الشيرازي، الفقه 60: 31، 32.

([33]) الصدوق، من لا يحضره الفقيه 4: 237؛ والطوسي، تهذيب الأحكام 9: 129 ـ 130.

([34]) انظر: ابن زهرة، غنية النـزوع: 297؛ وابن إدريس، السرائر 2: 479؛ والجامع للشرائع: 369؛ وجامع الخلاف والوفاق: 366؛ والدروس 2: 269؛ والسبزواري، كفاية الأحكام 2: 6؛ وفضل الله، فقه الشريعة 2: 370؛ والكيدري، إصباح الشيعة: 345؛ وهاشم معروف الحسني، الوصاية والأوقاف و..: 215 ـ 216، دار القلم. وهو مقتضى المادّة 58 من القانون المدني الإيراني، فانظر: ناصر كاتوزيان، حقوق مدني (عقود معيّن) 3: 211.

([35]) غنية النـزوع: 297.

([36]) السرائر 2: 479؛ وجامع الخلاف والوفاق: 366.

([37]) العلامة الحلي، مختلف الشيعة 6: 330.

([38]) انظر: العلامة الحلي، قواعد الأحكام 2: 393.

([39]) العروة الوثقى 6: 311.

([40]) الخوئي، منهاج الصالحين 2: 239؛ ومحمد الروحاني، منهاج الصالحين 2: 268 ـ 269؛ وكلمة التقوى 6: 134؛ والسيستاني، منهاج الصالحين 2: 403، ومحمد إسحاق الفياض، منهاج الصالحين 2: 452؛ ومحمد رضا الموسوي الخلخالي، كتاب الوقف في الشريعة الإسلامية: 118، المكتبة الحيدرية. لكن وافقه السيد القمّي ولم يرَ إشكالاً فيه، فانظر: مباني منهاج الصالحين 9: 470، فيما جعل الفيّاض والخلخالي المشكلة في عدم كونها منفعة مقصودة.

([41]) غنية النـزوع: 297؛ والسرائر 2: 479؛ وجامع الخلاف والوفاق: 366؛ ومختلف الشيعة 6: 330؛ وجواهر الكلام 28: 18؛ وإصباح الشيعة: 345؛ وكشاف القناع 4: 298؛ وعبد اللطيف محمد عامر، أحكام الوصايا والأوقاف: 251، مكتبة وهبة، مصر، ط1، 2006م.

([42]) حاشية ردّ المحتار 4: 560؛ وانظر: أحمد محمد عبد العظيم الجمل، دور نظام الوقف الإسلامي في التنمية الاقتصادية المعاصرة: 44؛ دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، مصر، ط1، 2007م.

([43]) محمود الهاشمي الشاهرودي، منهاج الصالحين 2: 343.

([44]) انظر: القمّي، مباني منهاج الصالحين 9: 469.

([45]) عوالي اللآلي 2: 260؛ وسنن النسائي 6: 232؛ والبيهقي، السنن الكبرى 6: 162؛ ومسند الحميدي 2: 289 ـ 290؛ وابن سلمة، شرح معاني الآثار 4: 95.

([46]) صحيح البخاري 3: 185، 196، و7: 235؛ وصحيح مسلم 5: 47؛ وسنن ابن ماجة 2: 801؛ وسنن أبي داوود 1: 658؛ وسنن الترمذي 2: 417؛ وسنن النسائي 6: 230 ـ 231 و..

([47]) سنن ابن ماجة 2: 801؛ وسنن النسائي 6: 232؛ وابن أبي عاصم، كتاب الأوائل: 41؛ وصحيح ابن خزيمة 4: 119؛ وصحيح ابن حبان 11: 262.

([48]) البيهقي، معرفة السنن والآثار 4: 546.

([49]) انظر ـ على سبيل المثال ـ: الزيلعي، نصب الراية 4: 407؛ وابن حجر، الدراية 2: 145؛ وابن سعد، الطبقات الكبرى 2: 243.

([50]) دعائم الإسلام 2: 340 ـ 341؛ وجامع أحاديث الشيعة 1: 374، 411، و19: 99.

([51]) انظر ـ على سبيل المثال ـ: دعائم الإسلام 2: 340؛ وعوالي اللآلي 2: 53، و3: 283؛ وصحيح مسلم 5: 73؛ وسنن أبي داوود 1: 609 و..

([52]) لهذا لا نرى منع وقف النقود انطلاقاً من كونها منقولة.

([53]) محمود أحمد أبو ليل، وقف النقود في الفقه الإسلامي، مجلة الشريعة والقانون، العدد 12: 45 ـ 48، جامعة الإمارات العربية المتحدة، شباط 1999م.

([54]) المصدر نفسه: 49.

([55]) انظر: محمد الحسيني الشيرازي، الفقه 60: 34؛ والهاشمي الشاهرودي، منهاج الصالحين 2: 343؛ ويوسف الصانعي، في جواب عن استفتاء، أدرج في مقال «بررسي تطبيقي تعريفي وقف، وقف نقود وشرايط موقوفه» للدكتور وليّ الله ملكوتي فر، مجلّة ميراث جاويدان (بالفارسية) السنة التاسعة، العدد 1 ـ 2: 144؛ والموسوعة الفقهية (الكويتية) 34: 167؛ والكبيسي، أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية 1: 378 وما بعد؛ ومحمد شفيق العاني، أحكام الأوقاف: 19، مطبعة الثورة، بغداد، ط2، 1960م؛ ومحمد حسن حائري يزدي، وقف در فقه إسلامي: 138. يشار إلى أنّ السيد عبد الأعلى السبزواري ذكر جواز وقف الدراهم والدنانير للأغراض الصحيحة الشرعيّة في كتابه: جامع الأحكام الشرعيّة: 383. ولا ندري هل يقصد بكلامه ما نبحثه أم يقصد مثل التزيّن وجعلهما حليّاً؟

([56]) المصري، البحر الرائق في شرح كنـز الدقائق 5: 338 ـ 339؛ وانظر: ابن عابدين، حاشية ردّ المحتار 4: 560.

([57]) القرافي، الذخيرة 6: 322، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب، لبنان، 1994م.

([58]) الطوسي، تهذيب الأحكام 9: 146 ـ 147.

([59]) الصدوق، من لا يحضره الفقيه 4: 244؛ والطوسي، تهذيب الأحكام 9: 144.

([60]) الذاتية هنا ذاتية نسبية، وإلا فإنّ قيمة الذهب والفضة اعتبارية أيضاً.