• الرئيسية
  • السيرة الذاتية
  • الكتب والمؤلفات
  • المحاضرات والدروس
  • المقالات
  • الحوارات واللقاءات
  • المرئيات
  • الأسئلة والأجوبة
  • لغات اُخرى
  • تطبيق مؤلفات حب الله
  • آراء
الموقع الرسمي لحيدر حب الله
الاجتماعية والأخلاقية التاريخ والسيرة الفقهية والشرعية الفكرية والثقافية الفلسفية والكلامية القرآنية والحديثية
# العنوان تاريخ النشر التعليقات الزائرين
132 وقفة مع سيد محمود القمني في تقديمه الأهرامات على الكعبة 2014-09-25 0 4313

وقفة مع سيد محمود القمني في تقديمه الأهرامات على الكعبة

السؤال: أشكل الدكتور محمود القمني في أحد كتبه حول اعتبار الكعبة مكاناً للتقديس، وعدّ أهرامات مصر من معاجز البشر التي أذهلت العالم، فلم يُحدّثنا التاريخ عن سقوط للأهرامات، بينما هناك وثائق تثبت أنّ الكعبة المشرّفة تعرّضت للهدم أكثر من عشرة مرات. واستفاد القمني من ذلك أنّه يمكن للجهد البشري أن يفوق الأمر الإلهي؟ كيف نتأمّل في هذه النتيجة التي اعتمدها القمني في النقض على غيبيّة المعجزات؟ (عمار).

 

الجواب: الفكرة ـ بحسب صياغتكم أعلاه ـ تعاني من عدّة مشاكل:

أولاً: من قال بأنّ الكعبة لم تقم ولم تُبْنَ بالجهد البشري؟ أين قال القرآن الكريم بأنّ الذي بنى الكعبة بناها بإعجاز؟ وأين صرّح القرآن أو السنّة الموثوقة بأنّ الكعبة هي بناء استثنائي ما فوق طبيعي لا يمكن قهره ولا يخضع للأوضاع الطبيعيّة في نظام الكون؟ بل جميع المسلمين والمؤرّخين والمحدّثين يقرّون بأنّ الكعبة قد عرض عليها الهدم وجاء عليها السيل، كما صرّح القمني نفسه، ولا يجدون في ذلك تناقضاً مع تصوّراتهم المؤكّدة حول الكعبة وبنائها. فلنترك جانباً القيل والقال ولنأتِ إلى النصوص اليقينيّة أو الموثوقة في النصّ الديني، ولندع تحليلات فلان أو فلان أو الأخبار الآحادية في التراث الإسلامي. فلا الكعبة ولا المسجد الحرام ولا غيرهما من المساجد والمشاهد ـ بما هي أحجار وبناء ـ منتجٌ غيبي إعجازي بحسب النصّ القرآني وموثوق السنّة الشريفة، فالقرآن الكريم يصرّح بأنّ من رفع الكعبة والبيت هو إبراهيم وإسماعيل (وإن كان سيد القمني يرى في بعض كتبه أنّ العرب هم الذين بنوا الكعبة)، ومن ثَمّ فلا فرق من هذه الناحية بين الكعبة والأهرامات أو أيّ منجز بشري يستحقّ التقدير ويُبهر العقول. وهذا معناه أنّ أصل المداخلة غير صحيح.

نعم، ما جاء في الثقافة الدينية المؤكّدة هو أنّ الكعبة بُنيت بأمرٍ إلهيّ، أو حظيت باهتمام إلهيّ على مستوى علاقة الناس بها، وعلى مستوى جعلها في موضع تكون به قيامة حياة الناس في تلك الديار، وأنّ الله تعهّد بأنّه سوف يعذّب ـ في الدنيا أو الآخرة ـ من يرد في بيته الحرام بإلحاد بظلم، وأنّه جعل لهذا المكان احترامه الديني والقانوني ففرضه مكان أمنٍ، وسنّ تشريعات تلزم الناس بعدم تحويل هذا المكان المقدّس إلى مكان يفتقد الأمن والأمان، حتى في حقّ الحيوانات عندما لا تكون مؤذيةً ونحو ذلك، فالأمن التشريعي الذي أعطاه الله منذ إبراهيم للكعبة هو الذي منح أهل مكّة الأمن التكويني، ولهذا منّ الله تعالى عليهم في سورة قريش بأن منحهم الأمن والرخاء، مشيراً في هذه السورة إلى وصف نفسه بأنّه (ربّ هذا البيت)، وكأنّ هذا التوصيف يريد أن يوحي بأنّ البيت كان له تأثير في منحهم الأمن والغذاء وهم يعيشون في وادٍ غير ذي زرع؛ لأنّ قوافل قريش كانت تملك حصانةً أمنية عالية في المجتمع العربي، حيث كانت العرب تعتبرهم أهل الحرم، فيكونون وقوافلهم في مأمن من غاراتهم حرمةً للحرم واحتراماً له، فليس هناك يد غيبيّة فرضت أمناً تكوينياً على الحرم المكّي، بحيث لا يمكن دخول السيل ليهدم الكعبة أو لا يمكن أن يعتدي شخص على آخر تكويناً أو غير ذلك، فالواقع يكذّب هذا كلّه.

وهذا كلّه لا يعني أنّ الكعبة قد بُنيت إعجازيّاً أو أنّ الله بناها فيما الأهرامات بناها الإنسان. فكما أنّ المساجد في المدن والقرى والأرياف والبلدان هي بيوت الله، وهي من صنع البشر، وفرضت لها الشريعة حرمتها الخاصّة، ووضعت لها سلسلة قوانين خاصّة ترجع إلى حرمتها واحترامها الراجعين إلى بناء المقدّس في الروح الإنسانيّة، كذلك الحال في الكعبة الشريفة.

أضف إلى ذلك أنّ لدى البعض تحفّظاً كبيراً على فكرة أنّ الكعبة هي مركز الأرض، وأنّها تُسامت البيت المعمور في السماء الرابعة أو السابعة ممّا جاء في بعض الروايات الآحادية في التراث الحديثي عند المسلمين، على اختلاف بين بعض الروايات في موضع البيت المعمور، حيث تمّت مناقشة هذا الأمر من قبل بعض العلماء النقّاد من أمثال الشيخ صالحي نجف آبادي، ويمكن مراجعته؛ حيث دوّن نقداً على النصوص الحديثيّة الشيعية والسنّية وعلى مقولات المفسّرين في هذا الإطار، والوقت لا يسع للإطالة (انظر: مقالة الوحي القرآني، نقد نظريات النزول الدفعي، نعمة الله صالحي نجف آبادي، ترجمة: قاسم الكعبي، ضمن كتاب: الوحي والظاهرة القرآنيّة، من سلسلة كتاب نصوص معاصرة، إعداد وتقديم: حيدر حبّ الله، نشر مؤسّسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2012م).

وحتى لو قبلنا بهذه الروايات، فهي لا تعني أحجار الكعبة، إذ هناك من يتحدّث عن أنّ المراد هو نقطة وهميّة أو عمود وهمي (على الطريقة الفيزيائيّة في التعبير) اسمه الكعبة هو الذي له هذه التأثيرات، لا أنّ المراد هو مجموعة الأحجار القابلة لأن تُهدم نتيجة سيلٍ هنا أو هناك، فالأحجار هي أشبه بالمعلم لهذا العمود الوهمي النازل في الأرض والمرتفع إلى عنان السماء، وهذا يشبه ما يقوله الفقهاء في بحث القبلة، حيث القبلة ليست البناء نفسه، كيف وقد تغيّر البناء عدّة مرات عبر التاريخ ليزيد وينقص طولاً وعرضاً، بل هو هذا العمود الافتراضي، ولهذا أنت عندما تصلّي في الطابق المائة من البناء تتجه نحو الكعبة ولو كنت في الحقيقة متجهاً نحو نقطة تقع أعلى الكعبة.

ثانياً: لنفرض أنّ بناء الكعبة جاء بعمليّة إعجازيّة، وأنّ بعض النصوص الحديثيّة تشير إلى هذا بصرف النظر عن حجم الوثوق بها، لكنّ كون البناء قد تمّ بتدخّل إلهيّ إعجازي لا يعني أنّ البناء بعد تمامه يخضع دوماً للبعد الإعجازي في استمراريّة وجوده، هذا شيء لا تحكي عنه النصوص القرآنية ولا متواتر السنّة النبويّة، وغاية ما بأيدينا أنّ الكعبة قد يحصل تدخّل إلهيّ في مواقع خاصّة وحالات استثنائية لحمايتها وليس بشكل دائم، ولا يرجع ذلك إلى الأحجار التي بُنيت منها الكعبة، فلم تنزل من العالم العلوي، وإنّما لرمزيّتها الدينية والقدسية في الإسلام، والتدخّل الاستثنائي قد يحصل في مواضع أخَر غير الكعبة أيضاً.

ثالثاً: لنفرض أنّ الكعبة تهدّمت ألف مرّة، ومع ذلك أمر الله الناس بالحجّ إليها، كيف عرفنا أنّ الأمر الإلهي بالصلاة والحجّ للكعبة مرتبط منطقيّاً بنوعيّة حجارتها أو بنائها أو متانتها أو غير ذلك؟! إنّ القمني من أدرى الناس بالرمزيّات، فالكعبة عندما يتمّ توجيه الناس إليها بوصفها قبلةً للمسلمين ومكاناً للحجاج والمعتمرين لا يراد منها البعد المادي الصرف بالضرورة، بل هي رمزيات لتوحيد المسلمين أو لإقامة فريضة تطهيريّة لهم في هذا الفضاء المليء بالذاكرة التاريخية الدينية النابضة والحيوية من إبراهيم وربما قبله بما يعنيه من توحيد لله الذي لا شريك له. الموضوع ليس موضوع بناء وأحجار وقوّة مادية بقدر ما هو ترميز تقوم الديانات باستخدامه لإعادة تنظيم الأمور القدسيّة بهدف وضع نوع من المحاكاة الماديّة أو التنظيم المادي للأفعال القلبيّة، فأنت تريد أن تجمع الناس للتطهّر والتوبة في موسم رهيب ويلزمك مكان لذلك، ومن الطبيعي أن تقوم بترميز مكان معيّن سبق أن كانت له علاقة زمكانية بالتراث الديني لكي تربطه بهذا الهدف الذي وضعته بما يثوّر الذاكرة أو الوجدان، هذا شيء طبيعي جدّاً، وعليك أن تختار المكان الأنسب.. فلماذا تمّ تفسير الربط الديني بين الصلاة والحجّ والقبلة وغيرها وبين الكعبة بالعنصر المادي، ولم يتمّ ربطه بالعنصر الرمزي والتنظيمي الذي يعبُر المادّة إلى حيث القضيّة الروحيّة؟!

مثلاً الإسلام يحثّ على بناء المساجد ويرى لها حرمةً، ويربط بها الصلوات والعبادات الكثيرة، لكنّ هذا لا يعني ربطاً تكوينياً مادّياً صرفاً بين الأحجار أو المكان وبين العبادات المفروضة، إنّه ربط رمزي تنظيمي يقوم على ضرورة اجتماعيّة لجمع الناس في مكان يُعطى رمزيته وقدسيّته؛ تمهيداً لجعله مكاناً طاهراً ترتبط عناصر قدسيّته وطهارته بطهارة الأفعال التي يراد إيقاعها فيه، فالمقدّس ضروري في حياة البشر وهذه مظاهره الرئيسة في الديانات. أين المشكلة في الموضوع وما علاقته بقوّة البناء؟! فقد يُبنى مسجد بجانب أضخم ناطحات السحاب في العالم ولا يكون بناؤه مساوياً لعُشر معشار قوّة بنائها، لكنّه يملك مع ذلك تلك الرمزيّة والقدسية التي تحتاجها لضمّ الجماعة إلى بعضها في رحلة روحيّة صلاتية.. بما لا تملكه أضخم الأبراج الناطحة للسحاب في العالم.. لا أجد مشكلةً أبداً في هذا الأمر، فلماذا ذهبنا ناحية الجانب المادي ونسينا هذا الجانب الطبيعي للغاية؟! ألا تتخذ الشعوب والبلدان مواضع خاصّة رمزية تعبّر عن تاريخها ورموزها وقضاياها؟!

لا أريد أن أنفي العلاقة العضوية ذات الطابع الغيبي، لكنّني أريد أن أنفي علاقة عضوية ذات طابع مادّي بين البناء وما يجري فيه، فهذا شيء لم يثبت أو على الأقل لسنا ملزمين به دينيّاً وعلميّاً.

إرسال

you should login to send comment link

جديد الأسئلة والأجوبة
  • تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات بين الكمّ والنوعيّة والجودة
  • مع حوادث قتل المحارم اليوم كيف نفسّر النصوص المفتخرة بقتل المسلمين الأوائل لأقربائهم؟!
  • استفهامات في مسألة عدم كون تقليد الأعلم مسألة تقليديّة
  • كيف يمكن أداء المتابعة في الصلوات الجهرية حفاظاً على حرمة الجماعات؟
  • هل يمكن للفتاة العقد على خطيبها دون إذن أهلها خوفاً من الحرام؟
  • كيف يتعامل من ينكر حجيّة الظنّ في الدين مع ظهورات الكتاب والسنّة؟!
  • هل دعاء رفع المصاحف على الرؤوس في ليلة القدر صحيحٌ وثابت أو لا؟
الأرشيف
أرسل السؤال
الاشتراك في الموقع

كافة الحقوق محفوظة لصاحب الموقع ولا يجوز الاستفادة من المحتويات إلا مع ذكر المصدر
جميع عدد الزيارات : 36835993       عدد زيارات اليوم : 16282