السؤال: في ظلّ مشاريع احتكار التشيّع من قبل بعض الجماعات المتطرّفة المذهبيّة، يأتيني سؤال: هل التشيّع لونٌ واحد أو ألوان وتيارات متعدّدة؟ وكيف سيفهم الآخر المذهبي تنوّعنا؟ (محمّد).
الجواب: هذا الموضوع تكرّر الحديث منّا فيه كثيراً، فالشيعة ليسوا تياراً واحداً، بل تيارات وأطياف ومدارس واتجاهات تختلف حدّة الاختلافات بينها من شديدة إلى ضعيفة في مجالات مختلفة، وهذه هي طبيعة التنوّع في المذهب الشيعي، وقد قلنا مراراً بأنّه لا يصحّ التعامل مع أبناء مذهب أو تيّار بطريقةٍ واحدة، تبعاً لتصرّفات أو اعتقادات بعضهم، بل لابدّ أن نعي وجود تيارات داخل المذاهب، فلا السلفيّة يمكن اعتبارها تياراً واحداً، فما صدر من متشدّديهم يُنسب إلى غير المتشدّدين منهم، ولا الشيعة كذلك، ولا سبيل أمامنا إلا رفع مستوى الوعي ببعضنا، ومعرفتنا ببعضنا بعضاً، حتى لا نُطلق الكلام على عواهنه في الهواء الطلق.
وقد كان فتح الله الإصفهاني (1339هـ) رحمه الله، وهو من كبار علماء الشيعة، والمشهور بشيخ الشريعة، سُئل قبل أكثر من قرنٍ من الزمان، عن أنّ بعض أهل السنّة يقتلون ويعتدون على بعض الشيعة في بعض مناطق آسيا الوسطى ونحوها، وأنّ حجّتهم في ذلك هو نهج السباب والشتائم واللعن الذي يتخذه بعض الخطباء، وطالب السائل أن تتخذ الحوزة العلميّة ومراجعها موقفاً ممّن يفعل ذلك (سبحان الله! وكأنّ التاريخ يتواصل في تكراره إعادة نفسه)، فأجاب شيخ الشريعة الإصفهاني بجوابٍ من حوالي صفحتين، وقد نُشر السؤال والجواب في حينه في مجلّة درّة النجف، وكان حاصل جوابه أن قام بتقسيم الشيعة إلى أربعة أقسام وهم:
1 ـ الشيعة التفضيليّة، حسب تعبيره، وهم الذين يقدّمون علياً على غيره، ويرونه الأحقّ بالخلافة، ولكنّهم لا يتكلّمون في الآخرين من الخلفاء الثلاثة ولا غيرهم بشيء.
2 ـ الشيعة التبرّائيّة، بحسب تعبيره أيضاً، وهم الذين ـ إضافةً إلى تشيّع التفضيل ـ يقومون بالتبرّي من الخلفاء الثلاثة الأوائل، ويقطعون الصلة بهم، ويرفضونهم تماماً.
3 ـ الشيعة السبيّة، بحسب تعبيره أيضاً، وهم الذين ـ إضافةً إلى التفضيل والتبرّي ـ يمارسون فعل السبّ والشتم والإهانة بحقّ رموز السنّة.
4 ـ غلاة الشيعة، بحسب تعبيره أيضاً، وهم الذين يحملون عقائد يرفعون بها أهل البيت عن حدّ العبوديّة لله تعالى ونحو ذلك.
ومن هنا ندّد شيخ الشريعة الإصفهاني بمن يحكم على هذه التوجّهات الأربعة عند الشيعة حكماً موحّداً، أو يتهم بعضهم بجرم البعض الآخر، أو يسيء التصرّف مع بعضهم بسبب فعل فريقٍ آخر منهم. داعياً إلى التمييز بين الاتجاهات الشيعيّة (انظر نصّ السؤال والجواب باللغة الفارسيّة في كتاب: حوزه نجف وفلسفه تجدّد در ايران، للمؤلّف الدكتور موسى نجفي، الطبعة الثانية، عام 2008م، ص 367 ـ 370، نقلاً عن مجلّة درّة النجف).
إنّ الشيعة تيارات، سواء بالمعنى العام للتشيّع أو بالمعنى الخاصّ الإمامي. وبين الإماميّة اليوم، ولنقولها بصراحة، من هو شيعة تفضيليّة فقط حتى لو كانوا قلّة، وإن كان بعض خصومهم الداخليّين قد يُخرجونهم من التشيّع نتيجة ذلك، ولكنّهم يرون أنفسهم موالين لأهل البيت عليهم السلام، وبين الشيعة الإماميّة اليوم من هم تفضيليّة وتبرائيّة معاً، ولكنّهم لا يصدر منهم أيّ شيء في حقّ الخلفاء وأمّهات المؤمنين ورموز الصحابة غير النقد العلمي الخالص، ويرون ذلك جوهر التشيّع وحقيقته المتعالية عن حقد التاريخ وأزماته، ولكلّ شخص مسيرته ومسلكه، فلا يصحّ التعامل مع الشيعة بلغة واحدة وحكمٍ واحد، والحال كذلك مع غيرهم كما قلنا مراراً، فلا نطيل.