السؤال: يقول بعضهم في كلامه حول تقسيم الدين بحسب المثقفين الجُدد، وخلق فرصة أخرى للتغيير ما نصّه: (أمّا بالنسبة لي، فقد قلت وميّزت بين الدين كنصوص والدين كإيمان، وقلت بأنّ الأصل هو الإيمان، وحتى القرآن والسنّة ليسا الأصل؛ لأنّ كليهما فهم بشري، فلا يوجد في الأساس نصّ بدون تفسير، وكلّ تفسير هو بشري؛ لأنّه في النهاية يعتمد على فهم المفسّر، فلو قلنا بأنّ القرآن فكرٌ، يصبح غير مقدّس، وإذا قلنا: إنّ القرآن كلام أو كلمات، فالكلمات غير مقدّسة، وإذا قلنا: إنّ القرآن حروف فالحروف غير مقدّسة، وبهذه الطريقة فإننا نتحرّر من المقدّس، ونخلق فرصةً ومجالاً أوسع لإجراء التغيير، حفاظاً على روح الدين، وروح الإسلام، وروح الإيمان. ذلك الهامش من الحريّة والمجال سيسمح لنا أن نقول عن آيات معيّنة إنها لا تشملنا، وإنها كانت تشمل ذلك الوقت، فالقرآن كلام محمد لكن بروح إلهيّة، وقولنا بفصل الدين عن الإيمان يمكّننا من الوصول إلى جوهر الدين، فالإيمان كجوهرة في القلب، والدين تعبير ثقافي عن الإيمان، الدين عقائد وأحكام وأخلاق، ولا يمكن الوصول إلى الجوهرة إلا بكسر الصدف، أو كسر الدين للوصول إلى الجوهرة، وإحياء الدين هو إحياء الوجدان، لا نريد شعائر خاوية، نريد الاهتمام بالدين لأنه ضروري للحياة، وهذا يتمّ من خلال إزالة القشور للوصول إلى الدرّة. إنّ القول بوجود فاصلة بين الواقع وفهمنا للواقع تنتج عنه حقيقة مهمّة، وهي أنّ جميع الحقائق نسبيّة، حيث لا يمكن القول: إنّ فهمي للواقع حقيقة مطلقة؛ لأنّ الواقع منفصل عن الذهن، فما هو موجود لدينا إنّما هو تفسير للواقع، والتفاسير مختلفة باختلاف البشر وفهومهم المتعدّدة. لذلك يصبح والحالة هذه إنّ جميع الفهوم صحيحة، فلكلّ إنسان حقيقته التي تتلائم وتتوائم مع فهمه للواقع الخارجي متأثراً بالعوامل الذاتية له مثل الثقافة والمحيط الذي يعيش فيه، فالأمّي ليس مثل المثقف، عليه تصبح لدينا حقائق متعدّدة، مما سيفتح الباب للتعدّدية، التي تشمل التعدّدية الدينية، مثل المسيحية واليهودية والبوذية وجميعها على حقّ). ما هو رأيكم شيخنا حول هذا الكلام. ودمتم في رعاية الله تعالى (أسامة، العراق).
الجواب: هذه الطروحات الموجودة في هذا النصّ هي عموماً خلاصة لبعض طروحات رجال الإصلاح الديني في العصر الحاضر (سروش ـ ملكيان ـ شبستري..) والتي لطالما كرّروها وركّزوا عليها، وهي تحتوي بعض المفاهيم الصحيحة، وبعض الاستنتاجات غير الدقيقة.
1 ـ إنّ فهم الإنسان للدين ـ كفهمه لكثير من الأشياء الأخرى ـ قد يطابق الدين والواقع، وقد لا يطابقهما، وهذا شيء صحيح، لكن هل يعني هذا الجزم بالتغاير بين الدين وفهمه، كما توحيه بعض هذه المقولات التي تنطلق من إمكان التغاير إلى واقعيّة التغاير، ومن حصول التغاير في الجملة (الجزئي) إلى إعلان التغاير بالجملة (الكلّي)؟ مثلاً إنّ نظريّة فرويد في علم النفس التحليلي هي فكرة موجودة في العقل الإنساني، وهي قد تطابق الواقع وقد لا تطابقه، وهذا صحيح؛ لكن هل يمكن بهذا المقدار من المعطيات أن أقول: إذاً فعلم النفس التحليلي الفرويدي شيء يختلف عن الواقع؟ هل هذا صحيح؟ وهل كلامي بهذه الطريقة منطقي أو أنّني وقعت في قفزة ولو جزئيّة؟
لاحظوا معي أنّ الفكرة تريد أن تقول لرجال الدين بأنّ فهمكم للدين قد لا يكون متماهياً مع الدين نفسه، فعليكم أن لا تقدّموا فهمكم على أنّه الفهم النهائي وأنّه الدين بنفسه وتمامه لا غير، وعلى أنّه التفسير الحصري الوحيد.. هذا كلام صحيح، ويبقي الباب مفتوحاً أمام الاجتهادات على سعتها ورحابتها، لكنّ هذا الكلام لا يمكن من خلاله أن أقول لهم في جملةٍ ثانية: إنّ فهمكم للدين غير الدين.. إذاً فأنتم لستم الدين. إنّ الجملة الثانية هذه تختلف عن الجملة الأولى، والجملة الأولى لا تنتجها، ففي الجملة الأولى أثبُت إمكان التغاير، لكنّني في الجملة الثانية أثبت واقعيّة التغاير. ولنا أن نعبّر بتعبير آخر: في الجملة الأولى أثبتُ التغاير النسبي (الجزئي)، وفي الجملة الثانية أنا أثبتُ التغاير التام الكلّي.
غيّروا التعابير لنكتشف سويّاً أنّ هناك خطأ ما قد حصل: افرضوا أنّ مكان كلمة (الدين) توجد كلمة (الحقيقة)، الآن نحن نقول للبشر: إنّ فهمكم للحقيقة قد يطابقها وقد لا يطابقها، فلا تدّعوا احتكار الحقيقة.. لكنّ هذه الجملة لا تعني: إنّ فهم البشر للحقيقة ليس هو الحقيقة دائماً وأبداً؛ لأنّ الفكرة الأولى لا تولِد من رحمها الفكرةَ الثانية إلا بمعنى أنطولوجي يتفق عليه الأكثر، وهو إنّ الحقيقة واقع عيني خارجي بينما فهمي للحقيقة واقع ذهني في أفق عقل الإنسان، وهذا صحيح إلا على بعض النظريّات الفلسفيّة التي ترى التماهي حتى بالمعنى الوجودي، ومجال شرحه غير مناسب هنا.
والنتيجة: إنّ فتح باب إمكان اللاتطابق بين المعرفة والواقع، لا يساوي وقوع اللاتطابق على طول الخطّ، بل يحتوي ذلك قفزةً غير مبرّرة، أو طفرةً غير مبرهنة.
2 ـ إنّ الفكرة أعلاه قد يتمّ تفسيرها بأنّ فهم كلّ شخص منّا هو فهم محدود للحقيقة إمكاناً، فهو يرى جزءاً من الحقيقة وقد لا يرى الجزء الآخر، الأمر الذي يُنتج درجةً من النسبيّة المعرفيّة، وهذه النتيجة لا ضير فيها إمكاناً، بمعنى أنّ المفروض أنّ كلّ شخص وصل إلى حقيقةٍ ما أن يقرّ غالباً أو على الدوام بإمكان أنّ هناك أطرافاً للموضوع لم ينتبه إليها، وأضلاعاً لهذه الحقيقة لم يرها، ولكنّ هذه الفكرة لا تعني أنّه أخطأ في رؤيته لما رآه من أطراف هذه الحقيقة، فهناك فرق بين أن لا ترى الحقيقة كاملةً وبين أن لا تراها أبداً، وكأنّ بعض الناقدين ينطلق من محدوديّة إمكانات العقل الإنساني في رؤية الحقائق ليقول بأنّ رؤية الإنسان للحقيقة غير نهائيّة، فقد يخفى عليه جانب ما، حسناً هذا شيء جميل، لكنّه يعني أنّ على الإنسان أن لا يدّعي فهم الحقيقة من جميع زواياها فهماً مطلقاً، وهذا غير أن نسلبه الحقّ في ادّعاء أنّ المقدار الذي رآه من الحقيقة هو حقيقيٌّ بالفعل من وجهة نظره. تماماً كما هي حالة صاحب النصّ أعلاه في اقتناعه بحقّانية فكرته هذه، حتى لو كانت من وجهة نظره غير نهائية، ولا تستوعب المشهد كلّه.
3 ـ قد يريد القائل في النص أعلاه أنّ هذا المشهد المعرفي يفرض على الإنسان أن يتنازل عن بعض ألوان اليقين الجازم في كثير من حالات المعرفة، وربما أكثرها؛ لأنّ واقع التحوّل المعرفي الإنساني يفرض عليه هذا التواضع، وهذا شيء أوافق عليه تماماً في أكثر حالات المعرفة، نعم فواقع تجربة العقل الإنساني تؤكّد لنا أنّ الإنسان تخفى عليه جوانب من الحقيقة، وقد تختلط أمامه الحقيقة ببعض الباطل، فيخرج بنتائج تجمع بين الحقّ والباطل، وهذا ما يترك أثره على نوعيّة يقينه بالأشياء، فبدل ذلك اليقين الدوغمائي الجزمي الذي يرى وكأنّ الحقيقة صارت في يده قطعاً جزماً يقيناً بلا نقاش ولا خلاف و.. يصبح لديه يقين موضوعي يحتمل معه أنّه مخطئ ولو بدرجة الواحد من الألف، دون أن يعني يقينه هذا أنّه على شكّ، وهذا شيء سبق أن دافعنا عنه في أكثر من مناسبة، وتعرّضت له أيضاً في كتابَيَّ: (التعددية الدينية) و (مسألة المنهج في الفكر الديني).
4 ـ من الطبيعي أنّ فهم الإنسان للدين يختلف عن الدين نفسه إمكاناً، فقد يتطابق فهمي للدين مع الدين وقد يختلف، وهذا أمرٌ طبيعي، لكنّ السؤال هو ما هو العمل في هذه الحال؟ وأساساً هل تختصّ هذه الحال بالدين؟ إنّ هذه الحال ـ وفقاً للأصول المعرفيّة نفسها ـ لا تختصّ بالدين، بل تشمل مختلف العلوم الطبيعية والإنسانيّة أيضاً، بما فيها الدراسات الفلسفية الوجوديّة والمعرفيّة، التي تستوعب هذه الفكرة نفسها..
لكن ما هي النتائج؟ وبعبارة أخرى: مجرّد أنّ فهم الدين قد يتطابق وقد يختلف مع الدين لا يعني أنّ الدين صار بلا معنى؟ تماماً كالعلوم الطبيّة والكيميائية والفيزيائية والاجتماعية والنفسية التي تخضع لهذا المنطق الفلسفي نفسه، ما هي النتيجة التي يفترض أن نخرج بها عمليّاً من وراء هذا الاستنتاج الفلسفي؟ هل هي التحرّر من الدين؛ لأنّ فهمنا له يختلف عنه إمكاناً أو دائماً، ومن ثمّ يُفترض أيضاً التحرّر من جميع العلوم؛ لأنّ فهمنا لواقعيّاتها وما تحكي عنه يختلف إمكاناً أو دائماً عن واقعيّاتها نفسها! فلماذا في العلوم الإنسانية والطبيعية كنّا منسجمين بين فكرتنا والعمل على وفقها، بينما عندما يصل الأمر إلى الدين تصبح هذه الفكرة الفلسفية سبباً في التخلّي عن الدين لصالح الإيمان (بصرف النظر عن الخلاف في تفسير الفرق بين الدين والإيمان)؟ هذا أمرٌ يحتاج إلى تفسير فلسفي واضح غير المقولات العامّة في النصّ أعلاه..
إنّني هنا لا أبحث في صحّة فكرة الفصل بين الدين وفهمه، بل أبحث في النتائج التي تنجم ـ عمليّاً ومنطقيّاً ـ عن هذا الفصل، فما طرحه النصّ أعلاه يوحي بأنّ النتيجة في المجال الديني هي التحرّر من الدين، وهذا يعني فلسفيّاً أنّه يُفترض أيضاً التحرّر من علوم النفس والاجتماع والآثار والحفريات والطبّ والتاريخ والجغرافيا وغيرها؛ لأنّ البنية الفلسفيّة للموضوع واحدة، فهي لا ترجع للدين، وإنّما ترجع لإمكانات العقل البشري في فهم الأشياء، وهذا لا فرق فيه بين الدين وغيره. فلماذا لا نتعامل بنفس الطريقة مع سائر العلوم والحقائق؟
إنّني أعتقد بأنّ نتائج الفكرة أعلاه واضحة وبسيطة ومحدّدة، وهي أنّ البحث الديني مثله مثل سائر الأبحاث، يمكن أن يقع في الخطأ ويمكن أن يصيب الحقيقة، وأنّه لا يوجد تفسير نهائي للدين، بل يظلّ الأمر مفتوحاً على جهود جديدة للعقل الإنساني ليفهم الدين من خلالها ويطوّر فهمه لما سبق، وقد تكون نتيجة التطوير تعديلاً في الفهم السابق أو حذفاً أو إضافةً أو تغييراً لمواقع الأفكار أو نحو ذلك، وهذا ما يفرض ـ بعد الأخذ بعين الاعتبار محدوديّة الإمكانات العقليّة من الناحية العمليّة ـ إعادة تكوين مفهوم اليقين في المجال الديني، والتوقّف عن احتكار الحقيقة، والاستعداد الدائم للمراجعة النقديّة؛ لأنّ هذا الاستعداد هو نتيجٌ طبيعي لهذا البُعد المعرفي.. لكنّ كلّ ما سبق لا يعني استحالة المعرفة الدينيّة كما توحيه كلمات بعضهم، ولا يعني عبثيّة المعرفة الدينيّة، ولا يعني سدّ باب العلم والعلمي في المعرفة الدينيّة، ولا يعني إثبات التغاير بين فهمنا للدين والدين نفسه ولو ببعض جوانبه، فإذا قلت لك بأنّني قد أخطأ في كلامي، فهذا لا يعني أنّني أقرّ لك بانّني أخطأت في كلامي بالفعل.. هذه هي ملاحظتي على القفزات التي تقع فيها هذه الأفكار التي تنطلق من أمور صحيحة في بعض الأحيان. ومن ثمّ فنقد المعرفة الدينيّة لا يصحّ بهذا المقدار من الجهود الفلسفيّة، نعم استحالة الفهم التاريخي واستحالة علم التاريخ هي نظريّة تؤثر تماماً على المعرفة الدينيّة النصيّة.
5 ـ إنّ انطلاق النصّ أعلاه من الأفكار المتقدّمة إلى فكرة أنّ الدين لا يشملنا اليوم، ولو ببعض جوانبه، هو من نوع الطفرات الخطابيّة في تقديري، فما علاقة هذا الموضوع بتلك الفكرة أساساً، إنّ الفكرة المتقدّمة تنتمي إلى المجال المعرفي، بينما الفكرة الثانية تنتمي إلى المجال الوجودي، وقد خلط النصّ أعلاه بين المجالين، فقد أكون غير مؤمن بالنسبيّة بكلّ معانيها، ومع ذلك أعتقد بأنّ نصف ما في النصوص الدينية لا يشملني الآن، وأنّه نزل لأجل ثقافة ذلك الزمان، ولمعالجة وقائع ذلك الزمان، فأيّ علاقة بين القضيّتين حتى يربط النصّ أعلاه بينهما؟ وقد أكون مؤمناً بنسبيّة الفهم لكنّني أرى النصّ يحكي عن اللاتناهي الزمكاني في خطابه. أرجو التأمّل جيداً.
6 ـ إنّ خروج النصّ أعلاه ممّا تقدّم باستنتاج يرى تصحيح جميع التفاسير الدينيّة، هو نقض حقيقي لأصل الفكرة التي قام عليها هذا النصّ، دون أن ينتبه صاحبه للتناقض الذي وقع فيه، فهو يقول بأنّ فهم الواقع غير الواقع، ثم في النهاية يقول لنا بأنّ كلّ التفاسير للدين صحيحة، فما معنى أنّها صحيحة؟
أ ـ إذا كان المعنى أنّها تتماهى مع واقع الدين، فهذا يعني تطابق الواقع مع فهمه، وهو نقض لقانون تغاير الواقع مع فهمه (طبعاً غير المعنى الأنطولوجي لهذه الكلمة، كما قلنا قبل قليل)، فضلاً عن أنّ معناه وقوع التناقض في الخارج في بعض الأحيان عندما تكون الفهوم متناقضة.
ب ـ وإذا كان المقصود من كونها صحيحة، هو أنّها تعبّر عن التجربة الثقافية للمفسّرين، فهذا كلام منطقي، لكنّه لا يعبَّر عنه بكلمة (صحيحة)، لاسيما وأنّ الدين ليس تشريعات فقط، حتى نصف التشريعات المختلفة جميعاً بالصحّة نتيجة اختلاف الظروف.
ج ـ وإذا قصد أنّ هذه التفاسير معذورة أو تحوي جميعاً قدراً من الصحّة، لا أنّها كلّها صحيحة تماماً، فهذا ممكن من حيث المبدأ، لكنّه موضوع آخر مختلف تماماً عمّا نحن فيه، فهو خلط بين التعدّدية بمعنى العذر، والتعدّدية المعرفيّة الإيبستمولوجيّة التي يقدّمها لنا النصّ نفسه في أغلب فقراته، كما أنّه خلط من ناحية أخرى بين التعدّدية بمعنى توزّع الصواب على الأفكار توزّعاً نسبيّاً، والتعدّدية بمعنى صواب تمام الأفكار، فالنصّ وضعنا في التباس مفهومي واضح.
7 ـ إنّ قول النصّ أعلاه: (فلو قلنا بأنّ القرآن فكرٌ، يصبح غير مقدّس، وإذا قلنا: إنّ القرآن كلام أو كلمات، فالكلمات غير مقدّسة، وإذا قلنا: إنّ القرآن حروف فالحروف غير مقدّسة، وبهذه الطريقة فإننا نتحرّر من المقدّس)، هذا الكلام ربما يكون فيه تبسيط للأمور، فالمقدّس في القرآن ليس صفحاته ولا أوراقه، ولا فهمنا له بما هو فهم، وليس حروفه وليس كلماته، إنّما المقدّس في الحقيقة ـ من وجهة نظر أهل الأديان ـ هو الله، وأنّ هذا الكلام تعبير عن إرادة الله المقدّسة، فلو أنّك فصلت القرآن عن الله، لم يعد يحظى بقدسيّة في الدين، ولو أنّك أوصلت خطاب الله للناس بلا قرآن، لكان الخطاب مقدّساً أيضاً، فتصوير المشهد بأنّ المقدّس هو الأوراق أو الحروف هو تصوير تبسيطي، فهذه الأوراق ليست إلا طرقاً ووسائل للمقدّس الحقيقي الذي يرجع في واقعه وروحه إلى الله، الذي يعبّر عن قدس الأقداس، وأنّه السبّوح القدّوس. فالعلاقة المقدّسة تقع خلف الأحرف في الحقيقة، إلا إذا كان النصّ أعلاه لا يؤمن بالله بوصفه مقدّساً، أو لا يؤمن أساساً بانتساب القرآن إلى الله، فهذا أمر آخر. وإلا فليسمح لي النصّ أعلاه أن أبسّط الأمور على طريقته على المقلب الآخر وأقول: لماذا يُدان من يقتل البشر، إنّ اللحم ليس مقدّساً والعظم ليس أمراً مقدّساً، فالحيوانات عندها لحم وعظم، والدم ليس مقدّساً، فأين المشكلة في الموضوع؟! إنّ القضية تكمن خلف هذه العظام والدماء، في العلاقة المقدّسة بينها وبين الروح، وهذا بالضبط ما نراه في القرآن، نعم إذا كان الشخص هو في الحقيقة لا يؤمن بالقرآن فهذا أمر آخر. ولا أدري لماذا يقدّس الإنسان إذاً وتقدّس حريّته؟! وليس هو سوى مجموعة من لحم وعظم ودم وأعصاب.. إنّني بهذه الطريقة يمكنني تسخيف مئات الأفكار عند الجميع!
والخلاصة: قد أتفق مع هذا النصّ في بعض الغايات التي يريدها، لكنّني أختلف معه في المنهج، وفي طريقة الانتقال من فكرة إلى فكرة أخرى، وفي كيفية تنظيم المقدّمات، وفي طريقة الاستنتاج غير السليمة، وفي توسعة دائرة النتائج.
رائع جدا. جزا كم الله خير الجزاء شيخنا الجليل!
رائع وليس اروع منه شيخنا ودائما انك من الرائعين .. وفقك الله لخير اﻻسلام والمسلمين
في اخر فقرة تقريبا قلت ولا ادري لماذا يقدس اﻻنسان اذا وتقدس حريته ؟! وليس هو سوى مجموعه من لحم وعظم ودم واعصاب..انني بهذه الطريقه يمكنني تسخيف مئات اﻻفكار عند الجميع! اقول نعم شيخنا تستطيع ذلك ﻻن الغرب يتواضعون على ذلك من خلال التصويت واﻻغلبيات وتستطيع من استخدام نفس اﻻليات من تحويل اﻻفكار الرائعه الى سخيفه وهكذا فلا توجد لديهم مقدسات مفروضه من اﻻعلى ﻻيمكن زحزتها او تغييرها
الاستاذ العزيز أبا يوسف
السلام عليكم
اذا تواضعنا على تقديس الانسان عبر الانتخاب او على عدم تقديسه عبر الانتخاب ففي النهاية جعلناه مرجعا مطلقا حتى في نفي نفسه، وليس التقديس الا هذا
وأصالة الانسان ليس منشؤها في الغرب هو التواضع بل رؤية فلسفية عميقة حتى لو لم يقبلها البشر، وإنما تصبح نافذة بقبول البشر لها
تحياتي