السؤال: هل تجوز الوصيّة إلى المرأة بأن تجعل وصيّاً بعد موت الموصي؟ (علي، لبنان).
الجواب: المعروف في الفقه الإمامي جواز الوصيّة إلى المرأة، بأن تكون لها الوصاية على الأطفال مثلاً بعد موت الموصي وتكون لها الولاية على تنفيذ وصيّة الموصي؛ وذلك استناداً إلى عمومات ومطلقات باب المعاملات عامّة والوصايا خاصّة، مؤيّداً بما رواه علي بن يقطين حيث قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى إلى امرأةٍ وشرك في الوصيّة معها صبيّاً، فقال: (يجوز ذلك، وتمضي المرأة الوصيّة، ولا تنتظر بلوغ الصبي، فإذا بلغ الصبي فليس له أن لا يرضى إلا ما كان من تبديل أو تغيير، فإنّ له أن يردّه إلى ما أوصى به الميت) (كتاب من لا يحضره الفقيه 4: 209؛ والاستبصار 4: 140؛ وتهذيب الأحكام 9: 184 ـ 185).
وقد ذهب بعض فقهاء الإماميّة إلى كراهة الوصيّة إلى المرأة، بل منع الوصيّة لها بعضُ فقهاء أهل السنّة أيضاً، واستندوا في ذلك:
أ ـ تارةً إلى أنّ الوصاية نحو ولاية، والمرأة مسلوبة الولاية بما فيها الولاية القضائيّة.
ب ـ وأخرى تمسّكاً بخبر السكوني، عن الإمام الصادق، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، أنّه قال: (المرأة لا يُوصى إليها؛ لأنّ اللّه تعالى يقول: وَلٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُم) (الاستبصار فيما اختلف من الأخبار 4: 140).
ولكنّ هذين الوجهين ضعيفان:
أمّا الأوّل، فلعدم ثبوت منع مطلق من تولّي المرأة أيّ شيء على الإطلاق، بل الثابت ـ على أبعد تقدير ـ هو عدم تولّيها الولاية العامّة وولاية القضاء وولاية الأسرة مع وجود الزوج وأمثال ذلك، أمّا لو أوصى من له الولاية لها بتولّي أمور أبنائه بعد وفاته مثلاً فلا يوجد دليل يمنع عن ذلك، والقياس ليس بحجّة ما لم يفد يقيناً.
وأمّا الثاني، فالخبر ـ لو كان دالاً على الوصيّة العهديّة ـ ضعيف السند بالنوفلي، وفاقاً لجماعة من العلماء، كما أنّ متنه غريب إذ لو صحّ المتن للزم إثبات السفاهة على المرأة، ومن ثم الحكم بالحجر عليها حتى في أموالها، مع أنّ هذا لا يلتزم به أحد وبطلانه من الواضحات المرتكزة بالسيرة القطعيّة وبمتناثر النصوص الحديثية والقرآنية، فكيف يطبّق الإمام عنوان السفهاء على المرأة والوارد في الآية ثمّ يجيز الشرع لها التصرّف في أموالها؟! يضاف إلى ذلك بطلان كون المرأة سفيهة خارجاً؛ فإنّ هذا الأمر باطل بالوجدان، فكثير من النساء لا ينطبق عليهنّ عنوان السفيه في كثير من المعاملات الماليّة، والسفاهة عنوان واقعي وليس تعبّديّاً، ومن ثم فينبغي التوقّف في أمر هذه الرواية، لاسيما وأنّ ظاهرها لم يعمل به أغلب الفقهاء، بل حملوها على التقيّة ونحو ذلك. ولهذا لم يُفت بمضمونها الكثير منهم. فهذه الرواية مثل رواية العياشي الأخرى ـ وهي ضعيفة السند أيضاً ـ تجعل شارب الخمر والمرأة من السفهاء، مع أنّ الكثير من خبراء الاقتصاد والتجارة اليوم في العالم هم من شاربي الخمر.
وأمّا ما ذهب إليه بعض الفقهاء من الحكم بكراهة الوصيّة للمرأة، استناداً إلى رواية السكوني، فهو باطل؛ لأنّ رواية السكوني ضعيفة السند والمتن كما قلنا، ومن لا يلتزم بقاعدة التسامح كيف له الإفتاء بالكراهة هنا؟! ولعلّه لأنّ السيد السيستاني لا يرى وثاقة النوفلي ولا يعتقد بقاعدة التسامح أيضاً، لم يذهب ـ خلافاً لغير واحد من المراجع المعاصرين والمتأخّرين ـ إلى كراهة الوصيّة للمرأة حسبما جاء في رسالته العمليّة (منهاج الصالحين 2: 433). وغاية ما في أمر هذه الرواية أن تُعتبر مؤشّراً على عدم وعي بعض النساء ـ لاسيما في تلك الأزمنة ـ بالأمور المالية والإدارة المنزليّة، ممّا يدعو الموصي للتنبّه لهذا الموضوع عندما يضع وصيّته، وهذا لا فرق فيه بين الرجل والمرأة من حيث المبدأ، فعلى كلّ موصٍ أن يدرس شخصيّة الوصي الذي يريد تنصيبه في هذه المهمّة، ومدى المؤهّلات التي يتمتع بها لتنفيذ الوصيّة على أحسن ما يرام، فكم من رجلٍ لا يُحسن الإدارة المنزليّة والرعاية المالية للقصّر واليتامى، وكم من امرأة كانت لها المكنة في هذا المجال بشكل بارع.
والنتيجة: إنّ المرأة يمكنها أن تكون وصيّةً مطلقاً إذا استجمعت سائر شروط الأوصياء المعروفة في الفقه الإسلامي كالبلوغ والعقل ونحو ذلك.