السؤال: هل يمكن تطبيق قاعدة أصالة الحس فيما ينقله أصحاب الكتب الأربعة الذين أثبتوا رواياتها بناءً على احتفاف الروايات على قرائن دلّت على صدورها من المعصوم، فنطرح الروايات التي دخل الاجتهاد في اعتبارها ونأخذ بما عداها مع مراعاة سلامة النصّ في أن يكون مما له قابليّة الصدور عنهم؟ (حسن الخرس، السعودية).
الجواب: إذا تسنّى لي فهم سؤالكم بدقّة، فإنّ أقصى ما تثبته أصالة الحسّ هو أنّ الشيخ الكليني أو الشيخ البخاري قد وصلته هذه الكتب أو الروايات عبر مشايخ سمع منهم أو قرأ عليهم أو أجازوه ونحو ذلك، فهذا أمرٌ ثابت له، ولهذا يكون نقله عن شيوخه حجّةً بالنسبة الينا، إمّا لإفادته العلم بذلك أو الاطمئنان، أو لوثاقة هذا الشيخ بالنسبة إلينا، فيكون خبره الحسّي عن شيخه حجّةً.
أمّا ثبوت الروايات التي رووها لنا بأسانيد ووسائط، فهذا الثبوت ليس حسيّاً بالنسبة إليهم، إذ ما معنى الحسيّة هنا؟
أ ـ فإن قُصد من الحسيّة أنّهم سمعوا ذلك من شيوخهم فهو صحيح، لكنّه لا يثبت انتساب الحديث إلى المعصوم، بل يثبت انتسابه حسّاً لشيخ الكليني أو لشيخ البخاري.
ب ـ وأمّا إذا قصد من الحسية أنّ قول الإمام حسيٌّ بالنسبة إليهم، فعلى هذا التقدير يحتمل الأمر احتمالان:
1 ـ أن يراد وصول هذه الروايات اليهم عن طريق الحسّ ولو غير المباشر، فيكون شيخ الكليني قد أخذ الرواية حسّاً عن شيخه وهكذا وصولاً إلى الإمام، فهذا صحيح، ما لم تقم قرينة أو إشكالية في المقام. لكنّ الحسية هنا لا تساوي ثبوت الحديث مطلقاً من حيث حسيّة ما أتانا به شخص الكليني؛ لأنّ الرواة إذا لم تثبت وثاقتهم مثلاً فلا يوجد ما يؤكّد أنّهم سمعوا من الذين رووا عنهم، فلعلّ الأمر كان جعليّاً، ولهذا نحن بحاجة إلى الحسيّة، ثم إلى كبرى حجيّة خبر الثقة في المقام، ولا تكفي واحدة منهما، فإذا انضمّا ثبتت حسيّة الخبر وحجيّته، لكن لا حسيّته بالنسبة لشخص الكليني، بل حسيّته بالنسبة للمجموع المركّب من الكليني وسائر سلسلة السند، ولهذا نحن نطبّق قاعدة حجية خبر الواحد الثقة على أخبار الوسائط؛ لأنّ الفرض أنّ كلّ راوٍ يخبر حسّاً عن شيخه وصولاً إلى النبيّ أو الإمام، فمجموع الخبر يساوي مجموعة إخبارات حسية، وكل خبر حسي من ثقة فهو حجة؛ لحجيّة خبر الثقة، فيكون المجموع حجّة.
2 ـ أن يراد أنّ نفس الحديث هو حسّي لهم (أي لأصحاب الكتب الأربعة مثلاً) مباشرةً، وهذا واضح البطلان، فإنّهم لم يسمعوا هذا الحديث من المعصوم. وأمّا أنّهم تيقّنوا بالصدور للقرائن مثلاً ـ كموافقته للكتاب أو غير ذلك ـ فهذا لا يصيّر خبرهم حسيّاً بالنسبة إلينا؛ لأنّ اليقين بالشيء لا يساوي حسيّته، وليس كلّ من يخبر عن شيء تيقّن به فهو يخبر عنه بحسّ (كما تحدّثوا عن هذا الأمر في بحث حكم القاضي بعلمه في الفقه الإسلامي)؛ لأنّ اليقين منهم لا يساوق الحجيّة بالنسبة إلينا ولا يساويها، فحصولهم على اليقين بالأخبار نتيجة قرائن لا نعرفها كلّها لا يساوي أنّ إخبارهم عن الإمام حسيٌّ.
وبناءً عليه، فروايات أصحاب المجاميع الحديثية والكتب الجامعة حسيّةٌ (مع الإسناد لا مع الرفع مرسلاً) بمعنى شمول الحسّ فيها لكلّ راوٍ بالنسبة إلى من روى عنه بالمباشرة، ولهذا نطبّق عليها حجيّة خبر الواحد الثقة المشروطة بالإخبار الحسّي عند الأصوليين. أمّا نفس إخبار الكليني لنا بالرواية بقطع النظر عن هذا الوضع فهو غير حسّي، فنقطع بعدم حسيّته، فكيف نجري فيه أصالة الحسّ بناء على ثبوت أصل من هذا النوع عند العقلاء، بحيث يجرونه في موارد الشك في الحسيّة وعدمها.
وعليه، فما تأكّدنا من بطلانه في الروايات وكتب الحديث نحذفه، وأمّا غيره فنطبّق عليه قواعد حجيّة الخبر تبعاً للنظريّة التي يختارها الباحث، وهي تقوم على ثنائي الحسيّة والوثاقة أو الوثوق في الحدّ الأدنى.