السؤال: هل يمكن الوثوق بكتاب (صحيح الكافي) للأستاذ البهبودي. كذلك كتبه الحديثية الأخرى؟ ولكم كلّ الأجر (علي الساحلي).
الجواب: من الصعب الحديث بنحو مطلق عن وثوق بكتاب حديثي في كلّ ما احتواه، بل من وجهة نظري الشخصيّة ـ وأوافق في ذلك العلامةَ الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله ـ ليس من الجيّد وضع كتاب حديثي وتقديمه على أنّه كتاب موثوق به ولا جدل فيه؛ لأنّ ذلك سوف يكرّس الكتاب بطريقة غير علميّة، وسيحول دون فتح باب النقد العلمي للعلماء اللاحقين وللأجيال الآتية من نقّاد الحديث الشريف، لكن لو تأمّلنا (صحيح الكافي) أو ما سمّي أيضاً بـ (منتخب الكافي) للدكتور البهبودي حفظه الله تعالى، لأمكن القول بأنّ نسبة المشاكل الحديثية ـ سنداً ومصدراً ودلالة ومتناً ـ فيه أقلّ بكثير من نسبتها في أغلب الكتب الحديثية الأخرى، بمعنى أنّ ما جاء في كتابه قد خضع لأقصى درجات التشدّد السندي والمتني في الغالب، ومن الطبيعي أنّ شخصاً مسكوناً بهاجس النقد عندما يمرّ عليه خبر دون أن يعلّق عليه فإنّ عناصر القوّة في هذا الخبر ستكون بالنسبة إلينا كبيرة، حيث سنقول بأنّ هذا الخبر قد نجا من نقد فلان الوسواسي في نقده إذا صحّ التعبير ولاق، ولكنّ هذا لا يعني أن نختم بالشمع الأحمر على الأحاديث التي لم يقم البهبودي باختيارها؛ لأنّ القضيّة تخضع للاجتهادات، ففي مسألة النقد المتني مثلاً هناك موضوع الغلو، الذي يشكّل مفهوماً هلاميّاً لزجاً يختلف الكثيرون فيه، فقد لا يوافق بعضهم على الفهم الذي قدّمه البهبودي للغلو، وأطاح وفقاً له بالكثير من الروايات، ومن ثم فلا نستطيع أن نعتبر ما سوى روايات صحيح الكافي ضعيفاً بالمطلق، تماماً كما لا نستطيع أن نعتبر روايات صحيح الكافي معتبرة بالمطلق.
إنني أوافق الدكتور البهبودي في ضرورة أن يوضع كتاب حديثي يكون معتمداً في الوسط العام ومرجعاً أيضاً للخطباء والمنبريين وقرّاء العزاء وأمثالهم، ويكون حاوياً على القضايا التي يقلّ الجدل فيها ويغلب توافق الأكثريّة عليها، لكن لا بوصف هذا الكتاب مرجعاً حصريّاً يملك سلطةً نصيّة تتعالى عن النقد، ولا بوصفه مانعاً عن الانفتاح على كتب حديثية أخرى لو تمكّنا من العثور فيها على نصوص معتبرة، بل بوصفه معيناً على الحدّ من حالة الفوضى القائمة اليوم بالخصوص في تناول الأحاديث، فقد بات أيّ شخص يأتيك بأيّ حديث من أيّ كتاب، ثم يقوم بالبناء عليه وتشكيل ثقافة مجتمعيّة فيه. ومن الضروري للعلماء والمفكّرين والمرجعيات الدينية أن تفكّر في وضع حدّ لهذه الفوضى العارمة، وأحد أشكال ذلك هو اعتماد كتب يقلّ الضعف السندي والمتني فيها، بدل اعتماد كتب يغلب فيها الضعف السندي والمتني، دون أن ندخل في تسميات.