السؤال: قرأت في إحدى مقالاتكم حول الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة، ورأيت أنّكم تقولون بعدم جوازه، وقد ذكرتم عدّة أدلّة في ذلك، وسؤالي هنا: ألا يمكن إثبات جوازه في عصر الغيبة من خلال أدلّة ولاية الفقيه؟ أو أنّ هناك ما يصرفها عن الجهاد الابتدائي؟ (Mohammad Mahdi Diallo).
الجواب: أولاً: لديّ بحثنان في الجهاد الابتدائي: أوّلهما ما نشر في مجلة الاجتهاد والتجديد على حلقات (الأعداد: 8 ـ 12)، ثم نشر في المجلّد الأوّل من كتابي (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر، ص 59 ـ 200)، وهو يدور حول نقد نظريّة وجوب الجهاد الابتدائي، وثانيهما نُشر في العدد الخامس والعشرين من مجلّة الحياة الطيّبة عام 2012م، وهو يدور حول نظريّة تحريم الجهاد الابتدائي. وكلا هذين البحثين ليس عن الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة، بل عن أصل الجهاد الابتدائي حتى في عصر النبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ نفسه، فإذا ثبت هناك عدم مشروعيّته فهذا يعني عدم مشروعيّته للفقيه أيضاً، فدليل ولاية الفقيه لا يصيّر الحرام حلالاً بالعنوان الأوّلي حتى نتمسّك به لإعطاء المشروعيّة للفقيه هنا، بعد أن لم تكن المشروعية ثابتة حتى لشخص النبي، وولاية الفقيه فرع ولاية النبي فإذا لم تكن للنبيّ ولاية في هذا المجال ـ لأنّه لا ولاية له على الحرام الإلهي ما لم يدخل في دائرة حقّ التشريع الثابت للنبي خاصّة، والمفضي إلى ثبوت حقّ النسخ له، دون الإمام والفقيه ـ فليس للفقيه ولاية هنا.
ثانياً: إنّ ما عالجته في البحثين المشار إليهما هو العنوان الأوّلي، ومن الممكن أن يصير الحرام حلالاً بالعنوان الثانوي شرط توفّر ظروفه وشروطه وسياقه، فإذا تمّ ذلك جاز ـ في حدود الحالة الطارئة التي يفرضها العنوان الثانوي ـ الجهادُ الابتدائي للإمام والفقيه، بل حتى لو لم نقل بولاية الفقيه العامّة يجوز بالعنوان الثانوي لعدول المؤمنين أيضاً، إذا تحقّقت شروط العنوان الثانوي. وهذا تماماً مثل شرب الخمر، فإنّه حرام بالعنوان الأوّلي، ولا يصير حلالاً بهذا العنوان ـ بعد تشريع حرمته من قبل الله تعالى وعدم وجود نسخ ـ بولاية الأئمّة أو الفقيه أو عدول المؤمنين أو الحاكم الشرعي، كما أنّه يصير حلالاً بالعنوان الثانوي لهؤلاء جميعاً بلا حاجة لافتراض أدلّة ولاية الفقيه.
ثالثاً: لو قال شخصٌ بثبوت الجهاد الابتدائي وشرعيّته في أصل الشريعة الإسلاميّة، فقد توصّلتُ في أبحاثي المتواضعة في كتاب الجهاد، إلى أنّ ولاية الجهاد الابتدائي حينئذٍ ستثبت للفقيه أيضاً في عصر الغيبة بناءً على ولايته العامّة، ولا موجب لتخصيص الجهاد الابتدائي بعصر الحضور، وفاقاً للسيد الخوئي، وخلافاً للإمام الخميني ومشهور الفقهاء، بل كلّ أنواع الجهاد من الابتدائي والدفاعي مشروطٌ من وجهة نظري بإذن الحاكم الشرعي (على النظريات الفقهية المختلفة في شرعية الدولة)، ولا يخرج عن ذلك إلا الدفاع الشخصي خاصّة. والعلم عند الله.