السؤال: في مقال لأحد المؤمنين، انتشر في أحد برامج التواصل (الواتس أب) عن يوم التاسع من ربيع الأوّل، وما يحدث فيه عند بعض المؤمنين من ممارسات مخالفة للأخلاق، بحجّة فرحة الزهراء عليها السلام ـ ولا أعلم حقيقةً ما نوع الفرح الذي يشارك فيه عوام الناس الزهراء عليها السلام ـ وردت فيه عبارة للكاتب عن أنّنا أمّة تنتمي لأمير المؤمنين عليه السلام بهذا النصّ: «كيف لا، وهذه الطائفة تنتسب إلى الإمام العظيم والحاكم العادل وفيلسوف عصره علي بن أبي طالب عليه السلام». النقطة المطروحة هي أنّه في أحد ردود القرّاء على هذا المقال، هوجم الكاتب لأنّه وصف أمير المؤمنين بالفيلسوف، وأنه لا يليق أن يُنعت أمير المؤمنين بالفيلسوف؛ بحجّة أنّ هذا الوصف وأمثاله رفضه القرآن، ولم يرد عن الرسول في وصف الأئمة عليهم السلام. السؤال: هل أخطأ الكاتب بوصف أمير المؤمنين عليه السلام بالفيلسوف العظيم؟ (السيد علي جواد).
1 ـ لم أفهم ما هي الآية التي رفضت وصف الأنبياء والأئمّة بالفلاسفة حتى يحتجّ بها، فلعلّ الناقد يريد شيئاً آخر لم أبلغه بعلمي أو بنظري القاصر، إذ أين رفض القرآن هذه الأوصاف؟
2 ـ إنّ عدم توصيف الإمام عليّ عليه السلام بوصفٍ في لسان الكتاب والسنّة لا يعني عدم لياقة توصيفه به أو حرمة ذلك، فنحن الآن نقول بأنّ الحسين رائد الأحرار ومعلّم الإنسانيّة ومُلهم الثوار، مع أنّ هذا الوصف بهذه التعابير ربما لم يرد في الكتاب ولا في السنّة، فعدم الورود في الكتاب ولا في السنّة ليس دليلاً على رفض هذا التوصيف أو ذاك، بل لابد من إثبات أنّ هذا التوصيف أو ذاك ورد النهي عنه أو مرجوحيّته في الكتاب والسنّة بحقّ مثل هؤلاء الكبار صلوات الله عليهم، وإلا فلا يقول أحدٌ من الفقهاء بأنّ أوصاف الأنبياء والأئمة توقيفيّة.
3 ـ لعلّ مقصود الناقد أنّ تعبير الفيلسوف ينسبق عادةً إلى أولئك الذين بحثوا عقليّاً في الأمور الوجودية والمعرفيّة، وأنّهم أخطأوا وأصابوا، فيما الأنبياء والأئمة شخصيّات أرقى من وصف الفيلسوف، فهم يعرفون الحقّ بالاتصال بالله تعالى، وأين هذا من مثل حال الفلاسفة؟! كما أنّ نفوسهم أكمل من نفوس الفلاسفة على المستوى الروحي والأخلاقي، كيف وبعض الفلاسفة ملاحدة أو مشركون، فلعلّه أراد أن يشير إلى أنّ التوصيف بالفيلسوف أقلّ من مستوى أهل البيت عليهم السلام، فعلومهم ونفوسهم أرقى من علوم الفلاسفة ونفوسهم وآفاقهم. كما ولعلّ للناقد موقفاً سلبيّاً مسبقاً من الفلسفة، كما هو رأي بعض العلماء، لهذا اعتبر أنّ توصيف الإمام علي عليه السلام بها هو توصيفٌ سلبي.
4 ـ إنّ الكاتب لعلّه أيضاً لم يقصد الإهانة، بل نطمئنّ لعدم قصده لها، وإنّما أتى بتعبير الفيلسوف بوصفه تعبيراً مادحاً في الثقافة المعاصرة، فالفيلسوف هو الباحث والمحبّ للحكمة، وهو الطالب للحقّ، وهو الذي يحكّم العقل ويرجع للمنطق، ويحتكم للحجّة والدليل، وهذه أوصاف تصدق في أهل البيت عليهم السلام بأرقى أشكالها، وهي أوصاف مدح وليست أوصاف ذمّ.
وبهذا أعتقد أنّ الجهة التي استفزّت الناقد الكريم تختلف عن الجهة التي دفعت الكاتب الموقّر لهذا التعبير، وعلينا أن نُحسن الظنّ ببعضنا، ونحمل بعضنا على الأحسن، ونلتمس لبعضنا العذر، فلا توصيف الكاتب بالأمر السيّء، ولا نقد الناقد، ما دام كلّ واحدٍ منهما قد اتخذ موقعاً مختلفاً في قراءة الأمور، والمسألة تابعة للمضمون الذي يفهمه جمهور المتلقّين للمقال عن هذه الكلمة فهماً عرفيّاً وثقافيّاً، وما يعطيه السياق من مدحٍ أو ذمّ.