السؤال: نقل السيد تقي الحكيم في كتابه الأصول العامّة للفقه المقارن إشكالاً خلاصته أنّ الاستدلال بالسنّة على السنّة الشريفة يلزم منه الدور! ما تعليقكم على هذا الإشكال؟ (السيد محمد عبد الرحيم الموسوي، الكويت).
الجواب: لقد تعرّضت لهذا الموضوع في كتابي المتواضع (حجيّة السنّة في الفكر الإسلامي: 128)، وقلت بأنّه يبدو للوهلة الأولى ـ كما نصّ على ذلك السيد محمد تقي الحكيم في الأصول العامّة للفقه المقارن: 121 ـ 122) ـ أنّ التمسّك بنصوص السنّة لإثبات حجية السنّة نفسها مستلزمٌ للدور، وهو كذلك، فإننا لم نحرز بعدُ حجية السنّة حتى نجعل نصوصها حجةً في إفادتها حجيّة نفسها، ولهذا لا معنى للاستدلال بالسنّة عليها، ولا يكون في هذا الكلام أيّ تهافت أو تناقض، بل هو منطقيّ ومنسجم.
إلا أنّني ذكرت هناك سبيلاً آخر لإثبات حجية السنّة عبر نصوص السنّة نفسها بمعنى من المعاني، وذلك انطلاقاً من آيات القرآن الكريم، فقد توصّلت في بحثي القرآني هناك حول الأسس القرآنية لحجيّة سنّة النبي، إلى أنّ القرآن ـ بصرف النظر عن نظرية العصمة ـ لم يعطِ الحجيّة لسنّة النبي إلاّ في حالتين: إحداهما ما ينسبه النبي إلى الله، فهذا يجب الأخذ به، سواء كان بالنصّ أم بالمعنى، وثانيهما ما اشتمل على صيغ أمرٍ ونهي، كيما يندرج في مجال الطاعة. وقلت هناك بأنّه لم يدلّ نصّ الكتاب على غير ذلك فيما فهمناه، وعليه فقد دلّت الآيات على حجيّة قول الرسول فيما ينسبه إلى الله تعالى، وهذه الحجية لو تأمّلناها هي حجيّة للنقل النبوي عن الله ولو في غير مجال نقل القرآن الكريم لنا، وحجية النقل لا تساوق حجيّة السنّة كلّها؛ لأنّ دليل حجية النقل يلاحظ حيثية الصدق في النقل والدقّة فيه، بينما دليل حجيّة السنّة يلاحظ ما صدر منه على نحو الموضوعيّة كما يمكنه أن يلاحظ معاً ما صدر على نحو الطريقية، لاسيما بناء على حقّ التشريع النبوي، فلو أخبرنا الرسول بأنّ الله جعل مطلق قوله وفعله وتقريره حجةً، أمكننا أن نستفيد من ذلك مطلباً إضافياً، وهو توسعة حجيّة السنّة من خصوص ما ينسبه الرسول إلى الله تعالى (ما هو بحيثية النقل) إلى مطلق قوله أو فعله أو تقريره، إذا توفّرنا على نصّ من السنّة دالّ على الموضوع، ينسب فيه الرسول نفسه هذا الأمر إلى الله تعالى، ليكون هذا النص السنّي حجّةً بدليل الكتاب. وبهذه الطريقة يصحّ الاستدلال على حجيّة السنّة بالسنّة، لكن في المساحات الإضافيّة كما بينّا لا في أصل الحجيّة. إلا انّ المشكلة أنّني لم أتوصّل في محلّه إلى وجود نصّ في السنّة يمكن الوثوق بصدوره يعطينا أيّ مساحة إضافيّة لحجيّة السنّة غير ما قدّمه لنا الكتاب العزيز، فليس في الاستدلال بالسنّة على حجيّة السنّة مطلب إضافي.