السؤال: سمعت من أحد الخطباء أنّ الله عز وجل أنزل الصلوات الخمس في القرآن الكريم، وكانت عبارة عن عشرة ركعات، لكنّ الرسول محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلّم أضاف سبع ركعات.. هل هذا الكلام صحيح؟ وهل من دليل على صحّته في مصادر أهل السنّة؟ (سميّة، لبنان).
الجواب: أولاً: يوجد في مصادر الحديث عند الشيعة بعض الأحاديث ـ ومنها الصحيحة السند ـ التي تدلّ على أنّ الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلّم قد شرّع بعض الأمور، وأنّ الله أجازه على ما شرّع وأمضى له تشريعاته، وفي موضوع الصلاة بالخصوص هناك رواية معتبرة السند على المشهور، وهي خبر الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لبعض أصحاب قيس الماصر: إنّ الله عز وجلّ أدّب نبيّه فأحسن أدبه، فلمّا أكمل له الأدب قال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، ثم فوّض إليه أمر الدين والأمّة ليسوس عباده، فقال عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)، وإنّ رسول الله كان مسدّداً موفقاً مؤيّداً بروح القدس، لا يزلّ ولا يخطئ في شيء ممّا يسوس به الخلق، فتأدّب بآداب الله. ثم إنّ الله عز وجل فرض صلاة ركعتين، ركعتين، عشر ركعات، فأضاف رسول الله إلى الركعتين ركعتين، وإلى المغرب ركعة، فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهنّ إلا في سفر، وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمةً في السفر والحضر، فأجاز الله عز وجل له ذلك، فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة، ثم سنّ رسول الله النوافل أربعاً وثلاثين ركعة مثلَي الفريضة، فأجاز الله عز وجل له ذلك، والفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة مكان الوتر. وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان، وسنّ رسول الله صوم شعبان وثلاث أيّام في كلّ شهر مثلَي الفريضة، فأجاز الله عز وجل له ذلك. وحرّم الله عز وجل الخمر بعينها، وحرّم رسول الله المسكر من كلّ شراب، فأجاز الله له ذلك كلّه. وعاف رسول الله أشياء وكرهها ولم ينه عنها نهي حرام إنما نهى عنها نهي إعافة وكراهة، ثم رخص فيها، فصار الأخذ برخصه واجباً على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه، ولم يرخّص لهم رسول الله فيما نهاهم عنه نهي حرام ولا فيما أمر به أمر فرض لازم، فكثير المسكر من الأشربة نهاهم عنه نهي حرام لم يرخّص فيه لأحد، ولم يرخّص رسول الله لأحد تقصير الركعتين اللتين ضمّهما إلى ما فرض الله عز وجل، بل ألزمهم ذلك إلزاماً واجباً، لم يرخّص لأحد في شيء من ذلك إلا للمسافر، وليس لأحد أن يرخص [شيئاً] ما لم يرخّصه رسول الله، فوافق أمر رسول الله أمر الله عز وجل ونهيه نهي الله عز وجل، ووجب على العباد التسليم له كالتسليم لله تبارك وتعالى» (الكليني، الكافي 1: 266 ـ 267؛ والحرّ العاملي، تفصيل وسائل الشيعة 4: 45؛ والمجلسي، بحار الأنوار 17: 4 ـ 5؛ والبروجردي، جامع أحاديث الشيعة 4: 87 ـ 88؛ والحويزي، تفسير نور الثقلين 5: 281 ـ 282؛ والشيخ حسن، منتقى الجمان 1: 376؛ والبحراني، غاية المرام 5: 131).
ثانياً: لم أعثر عند أهل السنّة على حديث في موضوع الصلاة بالخصوص، لكنّهم يقبلون ذلك من حيث المبدأ، كيف وقد ذكروا أنّ بعض التشريعات ـ كالأذان ـ قد اُلْهِمَهُ بعضُ الصحابة، ثم نزل به الوحي ممضياً له (انظر: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 1: 127 ـ 129).
ثالثاً: يوجد حديث يعارض هذا الحديث أعلاه، ويدلّ على أنّ تشريع الركعات كان إلهيّاً، مثل خبر علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: (… إنّ الله (تعالى) إنما فرض على الناس في اليوم والليلة سبع عشرة ركعة، من أتى بها لم يسأله الله (عز وجل) عمّا سواها، وإنما أضاف رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ إليها مثلَيها؛ ليتمّ بالنوافل ما يقع فيها من النقصان، وإنّ الله (عز وجلّ) لا يعذّب على كثرة الصلاة والصوم، ولكنّه يعذب على خلاف السنّة) (الطوسي، الأمالي: 649 ـ 650؛ وانظر مثل هذه الروايات في: الاحتجاج 1: 329؛ وفقه الرضا: 99)، فهذا الحديث يحصر ما أضافه النبيّ في النوافل، وينسب سبع عشرة ركعة التي للفريضة إلى الله تعالى. وهذه الأحاديث المعارضة ضعيفة السند هنا لاسيما بالإرسال، فهذا الحديث فيه محمد بن أحمد بن محمّد المكتب الذي لم تثبت وثاقته.
رابعاً: المقصود من هذه الأحاديث كلّها في الصلاة وغيرها (وهي تزيد عن عشرة روايات)، أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، قد بلغ من الكمال والرقيّ بروحه وعقله ما مكّنه من رؤية المصالح والمفاسد التي ينبغي سنّ القوانين وفقها، فانكشفت له مصلحة سبع ركعات إضافيّة، فأمضى الله ذلك له. وهذا معناه أنّ الله كان سيشرّع هذا التشريع، ولكنّ طريقة التشريع للنبي تارةً تكون من خلال الوحي إليه، وأخرى من خلال تنامي روحه وعقله بحيث يستطيع أن يستشرف التشريعات التي سوف يشرّعها الله، فيقوم بسنّها فيمضي الله له ذلك. والحديث واضح في أنّ القضية ترجع في نهاية الأمر إلى إمضاء الله تعالى لتشريع النبي، ولا تقف عند تشريع النبي دون إمضاء الله له. كما أنّ تشريع النبي ليس مسألة اقتراح مزاجي؛ لأنّ الله لا يشرّع الأحكام دون مصالح ومفاسد ترجع للعباد، أو لأجل مجاملة النبي مجاملةً شكليّة. ولكي أقرّب الفكرة بمثال افتراضي، يمكن أن نأخذ النظام القانوني الحالي في الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، فإنّ كلّ التشريعات والقوانين ترجع بالنهاية في شرعيّتها إلى مرشد الثورة. ومرشد الثورة تارةً يقوم بنفسه بإصدار قانون أو مرسوم أو قرار مباشر مثلاً، وأخرى يترك الأمر لمجلس الشورى الإسلامي أو لغيره ليسنّ القانون، وفي الحالة الثانية يجيز مرشد الثورة هذا القانون عندما لا يتدخّل في منعه، فالقانون مرّةً يصوغه رئيس البلاد، وأخرى يصوغه غيره ويمضيه هو، وتكون الطريقة الثانية بمثابة إعطاء مكانة رمزية وواقعيّة للجهات التي سنّت القانون.
خامساً: لقد ذهب بعض علماء الإماميّة إلى أنّ أهل البيت ـ عليهم السلام ـ يثبت لهم أيضاً حقّ التشريع، ولو بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، وقد استندوا في ذلك إلى مجموعة من الروايات المعروف أكثرها بروايات تفويض الدين، والتي أورد بعضَها الشيخُ الكليني (329هـ) في كتاب الكافي. وقد بحثتُ في هذا الموضوع كلّه ـ أي تشريع النبي وتشريع الأئمّة ـ في كتابي المتواضع (حجيّة السنّة في الفكر الإسلامي، قراءة وتقويم: 517 ـ 569)، وتوصّلتُ إلى أنّ حقّ التشريع بالمعنى الذي ذكرتُه قبل قليل يثبت للنبيّ فقط، ولا يثبت للصحابة ولا لأهل البيت ولا لغيرهم بعد وفاة الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وسلّم. وهناك عدد جيّد من الأحاديث أيضاً يدعم هذا الرأي. وقد كان ذهب إلى هذا الرأي الذي ذهبتُ إليه بعضُ العلماء مثل: السيد محمّد باقر الصدر، والمحقق الإصفهاني الرازي، والشيخ يوسف الصانعي، والشيخ محمد جواد مغنية، والسيد المرتضى، والشيخ حسن الجواهري، والسيد محمّد رضا الكلبايكاني وغيرهم.
سادساً: جاء في السؤال أعلاه أنّ الله شرّع في القرآن الكريم خمس صلوات، وهذا موضوع محلّ جدل، ففي أيّ آية كريمة شرّعت الصلوات الخمس التي نعرفها اليوم؟ هذا الموضوع حاول أن يطرحه بعض من يُعرف بــ (القرآنيّون)، ولكنّ إثباته ليس يسيراً. نعم الصلاة مشرّعة في القرآن من حيث المبدأ، كما شرّعت بعض أوقاتها في قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (الإسراء: 78)، لكنّ إثبات تشريع قرآني بخمس صلوات يوميّة ليس سهلاً، وإنّما جاء إثباته بالسنّة الشريفة المتواترة العمليّة والقوليّة.
أحسنت شيخنا الجليل..