السؤال: هل يُسمح للمُقلِّد أن يُعملَ عقله ويناقش أمراً تطرحه المرجعيّة العظمى، ويقبل ويرفض أم أنّه مأمور أن ينفّذ فقط، وإلا أصبح كالرادّ على الإمام، فهم نوّابه بطريقة أو بأخرى؟ سؤال بريء (خليفة، السعوديّة).
الجواب: بناءً على النظرية السائدة في التقليد، فإنّ لسؤالكم ثلاثة مستويات:
المستوى الأوّل: أن تقصدوا مجرّد إعمال العقل والتفكير النقدي فيما طرحه هذا الفقيه أو ذاك أو هذا المرجع أو ذاك، بحيث لا تعيش في داخل ذاتك قناعةً بصحّة النتيجة التي توصّل هذا المرجع إليها في شأنٍ فقهي أو غير فقهي، لكنّك عمليّاً تلتزم بفتواه. وهذا أمر لا إشكال فيه؛ لأنّه لا يجب على الإنسان أن يعيش القناعة الذاتية بالفتوى التي يرجع لغيره فيها، ولا دليل من عقلٍ أو نصّ يلزمه بذلك، ولا يكون مخلّاً بمفهوم التقليد الواجب عليه تجاه المرجع الديني.
المستوى الثاني: أن تقصدوا الإفصاح عن هذا النقد والإعلان عنه ولو عبر وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة مثلاً، أو في الصحف أو الكتب أو المجلات أو مواقع الشبكة العنكبوتية أو غير ذلك، وهنا إذا كنتم تملكون قناعة بما ترونه بحيث كانت هذه القناعة ناتجة عن خبرة ذاتية بالموضوع، كأن تكونوا من أهل السياسة ولكم خبرتكم الطويلة في العمل السياسي، وتكتبون نقداً على التجربة السياسية للمرجع الفلاني مثلاً، أو تكونون من أهل الفضل في الحوزات العلميّة بحيث تكون لديكم المؤهّلات البحثية لتناول موضوع فقهي لو كانت نقطة النقد هي مسألة فقهية، أو كنتم من المختصّين بالدراسات الإنسانية وتريدون معالجة موضوع ترون خطأ الاجتهادات فيه من زاوية معيّنة، ففي هذه الحال لا يوجد ما يمنع من هذا النقد، فليس نقد المرجع حرام شرعاً، لكن شرط أن يشتمل على البعد المهني والخبروي الذي يسمح لك بذلك، بحيث لا يصدق عليه أنّه من القول بغير علم، وأن يكون أخلاقيّاً وهادئاً لا يتعدّى الحدود الشرعيّة والدينية، بل يكون محكوماً لمنطق الحرص والنصيحة. نعم من الممكن أن يصبح هذا حراماً بالعنوان الثانوي وهذا أمر آخر يجري في حقّ غير المرجع أيضاً.
المستوى الثالث: أن تقصدوا التمرّد على فتوى الشخص الذي تقلّدونه بحيث لا تلتزمون بها عمليّاً، رغم عدم كونكم من المجتهدين وعدم توجّهكم إلى سبيل الاحتياط، ففي هذه الحال يقع الردّ عليه، فإنّ الرادّ على الإمام هو ذاك المتذمّر الذي يرفض قوله ولا يعمل به، لا الذي يدخل في نقاش معه وحوار، كيف وقد كان صحابة النبي وأصحاب الأئمّة يحاورونهم ويناقشونهم ـ بصرف النظر عن موضوعة العصمة ـ فالردّ بمعنى أن ترجع الشيء لصاحبه، فإذا طلب منك أمراً فتقوم أنت بإرجاع أمره له، وكأنّه لم يصلك، وهو تعبير مجازي عن الرفض والترك وعدم الأخذ، وهذا الذي نقوله كما يصدق على المرجع الديني، كذلك يصدق على الحاكم الإسلامي الشرعي.