السؤال: ما هو حكم حلق اللحية برأيكم؟ وما هو موقف العلماء من حلق اللحية؟ (كرار الرفاعي، العراق).
ولعلّ أقدم فقيه شيعي تعرّض لهذا الموضوع هو ابن سعيد الحلي (690هـ) في كتابه «الجامع للشرائع»، لكنّ عبارته غير ظاهرة في القول بالحرمة، فضلاً عن أن يدّعى الإجماع، والمتأخّرون منذ حوالي القرنين وإن أرسل بعضهم الحرمة إرسال المسلّمات إلا أنّ ذلك لا يدلّ على شيء ما دامت الكتب بين أيدينا غير محتوية على هذا الموضوع فلو كان لبان، هذا فضلاً عن مدركيّة الإجماع الواضحة على تقديره أو على تقدير الشهرة، فلا قيمة لدعوى الإجماع هنا.
بل حتى غير واحد من الفقهاء المتأخّرين بعد اشتهار القول بالحرمة مالوا إلى الكراهة وعدم التحريم، مثل السيد محمد باقر الداماد، والشيخ محمد صالح الجزائري، والسيد مهدي بحر العلوم، والشيخ عباس الرميثي، فيما هو المنسوب إليهم، والسيد محمد حسين فضل الله، والشيخ الصادقي الطهراني، والسيد محمد جواد الغروي الإصفهاني وغيرهم. بل لقد توقّف مثل العلامة المجلسي في تحريم حلق اللحية معتبراً أنّ الأخبار الواردة في هذا الموضوع ثمّة نقاش في سندها أو دلالتها (مرآة العقول 4: 79 ـ 80). بل إنّ كثيراً من الفقهاء المتأخّرين لم يفتوا بالحرمة في رسائلهم العمليّة، وإنّما احتاطوا وجوباً، مما يكشف عن عدم ثبوت التحريم بشكل حاسم عندهم في القضيّة، مثل السيد الخوئي، والسيد محمود الهاشمي، والسيد علي الخامنئي، والشيخ حسين علي المنتظري، والشيخ جواد التبريزي، والشيخ فاضل اللنكراني، والسيد محمد الروحاني، والسيد محمد باقر الصدر، والشيخ الوحيد الخراساني، والسيد علي السيستاني، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي، والشيخ محمد إسحاق الفياض وغيرهم.
نعم، طرح القول بالحرمة في الفقه السنّي في القرون الأولى، ونقل تصريح الشافعي (204هـ) بالتحريم، وهناك من ذهب إلى كراهة الحلق دون تحريمه.
من هنا، يظهر أنّ مسألة حلق اللحية كانت مثارة في الوسط السنّي، أما في الوسط الشيعي الإمامي فقد بدأت بالظهور نهاية القرن السابع الهجري، وتركّزت في ظهورها هذا في القرن الرابع عشر الهجري، وفي حالٍ من هذا النوع يقوى إبطال أيّ استناد إلى الإجماع أو الشهرة شيعياً، بل إسلامياً بملاحظة مدركية الإجماع أو الشهرة.
وقد استدلّوا هنا بعدّة أدلّة من الكتاب والسنّة ولكنّها خضعت لمناقشات، وإذا أردتم التفصيل فيمكنكم مراجعة كتابي (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 3: 143 ـ 192)، حيث ستجدون المشهد الفقهي في القضيّة بالتفصيل.
والذي استنتجته شخصيّاً بعد تلك الدراسة، هو أنّ كلّ الأدلّة التي ذكروها تخضع للنقاش، وأنّ الموقف هو أنّ مسألة طول اللحية وجماليّتها أمرٌ عرفي، تتّبع فيه الأعراف بما تحمله من أذواق، فالمطلوب هو حُسن المنظر وجمال المظهر، فإذا كان شدّة طولها يعدّ قبحاً كان المستحسن جزّها بالمقدار الذي يُظهر الإنسان بالمظهر الطاهر والنظيف والجميل، وإذا كان العكس كان الحكم بالعكس تماماً، وبما أنّنا لم نعثر على موقف شرعيّ حاسم بالعنوان الأولي في موضوع اللحية، لذا تجعل قضية اللحية في وجودها وعدمها وطولها ومقدارها تحت العمومات الواردة في التزيّن والتجمّل، الأمر الذي يجعل الموضوع عرفياً عقلائياً، مما قد يستدعي إطالتها حيناً أو تقصيرها حيناً آخر، أو جزّها وحلقها ثالثة بحسب الزمان والمكان.
وبناءً عليه، لا يحرم حلق أو تخفيف لحية الآخرين مع رضاهم؛ لفرض حلّية الفعل في نفسه، ويجوز أخذ الأجرة على ذلك؛ لفرض كون متعلّق الإجارة سائغاً شرعاً، فتشمله عمومات الإجارة والعقود، كما أنّ حلق اللحية للنفس أو للغير لا يكون فسقاً حتى يحكم بفسق صاحبها، بل يظلّ وضعه على حاله؛ لفرض جواز الحلق، وتجوز الصلاة خلفه، كما أنّ بيع وشراء بل مطلق التعامل بأدوات الحلاقة الخاصّة بحلق اللحية أو معاجينها لا مانع منه شرعاً، وكذا إصلاحها على تقدير خرابها، ولا فرق في كلّ ما ذكرناه بين حالات الحرج والضرر أو استلزام عدم الحلق الاستهزاء أو الإهانة أو عدم استلزام ذلك كلّه. ولا فرق في جواز الحلق بين أنواعه وأدواته بالموس أو آلة أخرى أو النتف أو وضع بعض المستحضرات أو حتى بالأشعة، سواء لزم من ذلك عدم إمكان نباتها بعد ذلك أو عدمه، ما لم يلزم الضرر أو عنوان ثانوي آخر ملزم. والله العالم بأحكامه، وعلى كلّ مكلّف العمل باجتهاده أو تقليده.
جيد