السؤال: هل تقبيل أمّ الزوجة وما علت من جداتها جائز أم لا؟
الجواب: المعروف أنّ الفقه الإسلامي بمذاهبه (وإن كانت هناك بعض الكلمات في مصادر الفقه السنّي توحي إيحاءً بوجود من قال غير ذلك) يذهب إلى أنّ أمّ الزوجة يجوز للزوج النظر إليها وتقبيلها بلا شهوة فيما عدا العورة، وكذلك الحال في الجدّة وما علاها من طرف الزوجة. والإشكاليّة هنا تكمن في أنّ القرآن الكريم حرّم نكاح أمّ الزوجة، وهذا واضح من قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَبَنٰاتُكُمْ وَأَخَوٰاتُكُمْ وَعَمّٰاتُكُمْ وَخٰالٰاتُكُمْ وَبَنٰاتُ الْأَخِ وَبَنٰاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ وَأُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ وَرَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلٰابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلّٰا مٰا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء: 23)، فقوله: (وأمهات نسائكم)، يدلّ على حرمة أمّ الزوجة على زوج ابنتها.
لكنّ تحريم النكاح لا يلازم جواز النظر، فليس كلّ من حرم نكاحها جاز النظر إليها، بلا فرق بين: أ ـ التحريم المؤقّت، مثل أخت الزوجة التي يحرم نكاحها أثناء زوجيّته من زوجته، فإذا طلّق زوجته أو ماتت جاز نكاح أختها. ب ـ والتحريم المؤبّد، مثل الزوجة التي تبين دائماً بتسع طلقات، أو مثل المزنيّ بها وهي متزوّجة على رأي بعض الفقهاء، أو مثل أخت الغلام الملوط به إيقاباً على رأي بعضهم أيضاً، فأمّ الزوجة يحرم الزواج بها بنفس العقد على ابنتها، لكنّ هذا لوحده غير كافٍ في جواز النظر إليها.
وهنا، إذا راجعنا النصّ القرآني الذي يتحدّث عن أحكام الستر والنظر من سورة النور، وجدنا الآية التالية: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبٰائِهِنَّ أَوْ آبٰاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنٰائِهِنَّ أَوْ أَبْنٰاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوٰانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوٰانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوٰاتِهِنَّ أَوْ نِسٰائِهِنَّ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ أَوِ التّٰابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجٰالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلىٰ عَوْرٰاتِ النِّسٰاءِ وَلٰا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مٰا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وتُوبُوا إِلَى اللّٰهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور: 31).
فهذه الآية واضحة في أنّها بصدد التفصيل في المحارم الذين يجوز للمرأة أن تكشف أمامهم أو تُظهر زينتها لهم، ولكنّ الملفت أنّ هناك ثلاثة أشخاص لم تذكرهم الآية رغم ما قد يعتبر إجماعاً إسلاميّاً قاطعاً على دخولهم في الحكم، وهم: العمّ، والخال، والصهر (زوج البنت)، فرغم أنّ الآية تحدّثت عن جواز الإظهار أمام والد الزوج (آباء بعولتهنّ)، لكنّها لم تذكر جواز الإظهار أم زوج البنت، وهو الطرف المعاكس، وهذا ما أثار استغراباً ودفع لبعض التحليل والتوقّف في كلمات بعض العلماء والباحثين:
أ ـ فحاول بعض الفقهاء أن يستند إلى الإجماع القطعي على عدم القول بالفصل بين هؤلاء الثلاثة وبين غيرهم.
ب ـ وذهب بعضهم إلى أنّ هذه المسألة من المسائل النادرة الإجماعيّة التي يُعتمد فيها على الإجماع دون أن يحتمل وجود مدرك للإجماع في النصوص، إذ الغريب أنّ الروايات أيضاً لم تتحدّث عن كون أم الزوجة من المحارم الذين يجوز النظر إليهنّ ويجوز لهنّ الكشف بالنسبة لزوج البنت.
ج ـ واستند آخرون لبعض الروايات الواردة في مسألة تغسيل الميت من قبل غير المماثل، ونوقش في ذلك.
د ـ وحاول بعض الفقهاء والباحثين المعاصرين أن يقول بأنّ الآية الكريمة بيّنت هذا الأمر من خلال بيانها علاقة الزوجة بوالد زوجها؛ فإنّ هذه العلاقة تعبّر عن حالة علاقة رتبة الأبناء المتزوّجين من أحد أولاد الطرف الآخر، سواء كانت الزوجة مع والد زوجها أو الزوج مع والدة زوجته، فبنت الآية على الاختصار والدمج، فهذا مثل بيانها علاقة المرأة بابن أخيها وابن اختها، فهذه العلاقة تختزن بيان العلاقة بين المرأة وخالها وعمّها، لأنّ الآية بصدد بيان نوع العلاقة وهي علاقة الذي في طبقة الأم والأب (إخوة الأم وإخوة الأب أو الأخوات) بمن هو في طبقة الولد (البنت)، فكما تتحدث عن علاقة الخالة بابن أختها، فهذا حديث ضمني عن علاقة البنت بخالها، لوحدة النسبة.
هـ ـ واعتمد كثيرون على السيرة الإسلاميّة العامّة القطعيّة مع الإجماع العميق بين المسلمين، وبهذا سهّل أمام الفقهاء هذا الأمر.
و ـ وذهب آخرون إلى أنّ النصّ القرآني يمكن أيضاً أن يكون هنا قد بُني على تحليل المشار إليهم، ثم جاء نصّ نبوي أضاف عدد المحلّلات، فلا مانع من بناء الآية على بيان بعض الأحكام لا كلّها.
ز ـ وحاول بعضهم أيضاً أن يقول بأنّ آية تحريم المحارم في سورة النساء لو قارنّاها بآية الزينة في سورة النور لوجدنا أنّها تتقارب، ممّا يوحي بأنّ ما حرُم هناك جاز النظر إليه هنا، لاسيما وأنّ الآية في سورة النور لم تقل: وأخت زوجتكم، بل قالت: وأن تجمعوا بين الأختين، مميزةً بين أخت الزوجة في التعبير وبين غيرها، مما يوحي بأنّ أخت الزوجة ليست محرماً بمعنى جواز المكاشفة.
وبصرف النظر عمّا تقدّم، فإنّ الآيات المشار إليها غاية ما تثبت جواز الكشف وجواز النظر، لكنّها لا تثبت جواز اللمس، والفقهاء ينكرون وجود الملازمة بين جواز النظر وجواز اللمس، فيجوز النظر إلى المرأة الأجنبيّة في وجهها وكفّيها، لكن لا يجوز اللمس عندهم، وفي هذه الحال يزداد الأمر أشكلةً من حيث إنّ الآيات لا تتكلّم عن اللمس أو المصافحة أو التقبيل، فكيف يمكن إثبات الجواز في أمّ الزوجة حينئذٍ بعد فقدان النصوص فيها؟! إذن ليس إلا الإجماع الإسلامي مع السيرة الإسلاميّة القويّة بحيث لو كان هناك نصّ قرآني أو نبوي على تحريم النظر أو الكشف أو اللمس في أمّ الزوجة لظهر وبان وانجلى وانتصر له بعض الفقهاء وأثار جدلاً، فلماذا لم يكن هناك عين ولا أثر لمثل ذلك، بل قام العرف الإسلامي منذ قرون وقرون على العكس تماماً؟! فقيام السيرة والإجماع بهذا التقريب للموضوع هو الدليل العمدة على جواز لمس أم الزوجة والنظر إليها بلا شهوة من وجهة نظر بعض الفقهاء.
وهناك محاولة أخرى في مسألة المصافحة واللمس، وهي أنّ الدليل العمدة الدالّ على حرمة المصافحة قد دلّ على أنّه يجوز مصافحة من لا يجوز نكاحها ويحرم مصافحة من يجوز نكاحها، ومن المعلوم أنّ أمّ الزوجة لا يجوز نكاحها، فيكون دليل تحريم المصافحة بنفسه مجيزاً لمصافحة أمّ الزوجة، فإمّا أن نقول بأنّ حرمة المصافحة واللمس لا أساس لها مطلقاً في الشريعة الإسلاميّة، وعليه فيجوز مصافحة أمّ الزوجة بشكل طبيعي حينئذٍ، أو نقول بحرمة المصافحة وننظر في دليل التحريم لنجده يخصّص حرمة المصافحة بمن يجوز الزواج منها، فنضمّه إلى آية سورة النساء المتقدّمة لنثبت جواز مصافحة أمّ الزوجة؛ لأنّها من النساء اللواتي يحرم الزواج بهنّ في الآية، وهذا هو الحلّ الأفضل في باب المصافحة هنا من وجهة نظري، وبعبارة اصطلاحيّة: إنّ مقتضي التحريم قاصر عن الشمول لمن يحرم الزواج منها، فتكون مصافحتها جائزةً، بلا حاجة لدليل مخصِّص.
شيخي هل يجوز لي بعد عقد القران لابنتي ان اكشف لزوجها ام يشترط الدخول بها ليحل لي الكشف
الأخت الكريمة
يجوز الكشف بمجرد العقد
حيدر حب الله
الشيخ حيدر
هل يجوز لأم الزوجة المصافحة و الكشف بعد طلاق ابنتها؟