السؤال: هل يجوز إجهاض الولد الذي تحمل به أمّه عن زنى؟ وإذا جاء إلى الدنيا، هل يكون إبناً أمّ لا يكون له أب ولا أمّ ولا أخت ولا أسرة ولا غير ذلك؟ وما ذنبه؟ (س. لبنان).
الجواب: الولد الذي تحمل به أمّه عن زنى حكم إجهاضه هو حكم أيّ ولدٍ آخر، وأمّا مسألة اعتباره ابناً لأبويه، ومن ثم ترتيب آثار البنوّة عليه، فهذه مسألة كان يرى فيها الفقهاء رأياً تغيّر اليوم، فقد كانوا يعتقدون أنّ الزنا لا تترتّب عليه آثار البنوّة الشرعيّة، ولا يلحق ابن الزنا بوالديه من الناحية الفقهية والقانونيّة؛ لأنّ الحديث الشريف كان يقول: (الولد للفراش وللعاهر الحجر)، وهذا يعني أنّ الزنا لا تترتب عليه أيّة نتائج قانونيّة كتلك التي تترتب على الزواج والفراش الشرعي، ولكنّ الفقهاء المتأخّرين ـ ومن أعمدتهم السيد الخوئي ـ ذهبوا إلى أنّ ولد الزنا هو ولد عادي يلحق بوالديه وأسرته كسائر أولادهما؛ لأنّ البنوّة والأبوّة والأمومة عبارة عن ظواهر تكوينية لا علاقة لها بالموقف الشرعي، فنحن لا نحتاج لنصّ شرعي يثبت بنوّة ولد الزنا لوالديه ولا أبوّة الزاني لابنه من الزنا، ويكفينا أن لا يسلب الشارع المقدّس عنه هذا الوضع حتى نرتّب عليه هذه النتائج، ولم يأت في الشريعة الإسلاميّة أيّ إلغاء لأيّ قانون أسري أو حقوقي في حقّ ولد الزنا، إلا في مسألة الإرث، فله كامل الحقوق على أسرته ووالديه، ومثله مثل الولد العادي بالنسبة إليهم، سوى أنّه لا يرث منهم بعد وفاتهم، فلو مات والده لا يستحقّ شيئاً من تركته، وقد اتفق الجميع على أنّ ولد الزنا لا يرث من أبيه ومن أقارب أبيه، وبالعكس أي لا يرثه أبوه ولا من يتقرّب إلى أبيه، وذهب كثيرون إلى أنّه لا ترثه أمّه ولا أقاربها، وبالعكس فلا يرث هو أمَّه ولا أقاربَها، ولكنّ بعض الفقهاء استشكل في عدم إرث ولد الزنا لأمّه وأقاربها وبالعكس، وتحفّظ على هذا الحكم، واعتبر أنّ النصوص دلّت على خصوص الأب وأقاربه، بل وردت نصوص بالتوريث لطرف الأم، ولهذا أفتى بذلك بعض الفقهاء المعاصرين مثل الشيخ محمد إسحاق الفيّاض. وطبعاً هذا الحكم كلّه خاصّ بولد الزنا مع والديه وأقاربهم، أمّا علاقة الإرث بينه وبين زوجته وأولاده فتبقى على حالها، فلو تزوّج ولد الزنا من فتاة ثم صار لديه أولاد، فإنّ زوجته ترثه لو توفّي، وكذا أولاده، وبالعكس بمعنى أنّه يرثهم لو توفّوا قبله. وعلى أيّة حال فالمعروف بينهم أنّه حيث لا علاقة توارث بين ولد الزنا ووالديه فإنّ إرثه ـ عندما لا يكون له وارث غيرهم ـ يذهب إلى الحاكم الشرعي.
ولا بأس هنا برفع التباسٍ، ربما يقال بأنّه موجود في كلمات السيد الخوئي الذي نسبنا إليه القول بإلحاق ولد الزنا بوالديه فيما عدا الإرث، حيث جاء في كتابه منهاج الصالحين في الجزء الثاني، المسألة رقم: 1370، من كتاب النكاح، فصل أحكام الاولاد، النصّ التالي: (لا يجوز للزاني إلحاق ولد الزنا به، و إن تزوّج بأمّه بعد الزنا، و كذا لو زنى بأمة فأحبلها ثم اشتراها)، فقد يتساءل: هل المقصود من المسألة إلحاق ولد الزنا (من غيره) مثلاً؟ ولكن ما معنى وإن تزوّج بأمّه بعد الزنا؟ هل يعني تزوّج بأمّه بعد أن زنى بها ثم أنجبت من تلك العمليّة؟ أم يعني تزوّجها بعد أن زنى بها بنفسه، ثم أنجبت الولد من مائه؟ ثم ينبغي أن يلاحظ ما فرّع عليه من حكم الولد الناتج من مائه بالزنا من أمة، وإن اشتراها بعد ذلك… فإنّ هذا النصّ يوجب افتراض أنّ السيد الخوئي يمنع عن إلحاق الولد بالزاني، وقد سألني فيه بعض الأصدقاء الأفاضل فيما مضى من الزمان فأحببت ذكره هنا لتلافي هذه الإشكاليّة.
والجواب عن هذا هو أنّ السيد الخوئي يلحق ولد الزنا بالزاني، ويمكن مراجعة موقفه هذا في كتبه (موسوعة الإمام الخوئي (ج3) شرح العروة الوثقى، كتاب الطهارة، ص64؛ والمصدر نفسه (ج24)، شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة، ص 143 ـ 144؛ وأحكام الرضاع في فقه الشيعة، ص77؛ وصراط النجاة 1: 336)، وأمّا هذا النصّ الوارد في منهاج الصالحين فهو مرتبط بحرمة إلحاق الولد بالزاني عندما تكون المرأة المزنيّ بها متزوّجة، بل يُلحق بالأب الذي هو زوج المرأة المزني بها؛ لأنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر، وهذه المسألة في المنهاج مرتبطة بما قبلها، ويقصد بها أنها متزوّجة فزنا بها، فالحكم هو إلحاق الولد بالزوج، حتى لو تزوّج الزاني بها بعد ذلك. وعبارة الفتوى قد تكون قلقة، ولهذا نجد في بعض الرسائل العملية الأخرى بيانها بطريقة أوضح.