السؤال: هل يؤمن الإسلام بحريّة الفكر فيحقّ للإنسان أن يعتنق ما يشاء من الأفكار شرط الاقتناع بها؟ فإذا كان يؤمن فلماذا يقتل المرتدّ الفطري ويحارب المشركين؟ وإذا كان لا يؤمن فلماذا كلّ هذا الكلام العريض حول تحضّر الإسلام وإيمانه بحقّ المعتقد؟
الجواب: خلافاً لما يقوله الكثيرون من الكلام المنمّق حول الموضوع، فإنّ الفقيه ـ وهم الأكثر ـ الذي يفتي بوجوب الجهاد الابتدائي بالعنوان الأوّلي مرّة كلّ سنّة أو أكثر، ثم يحكم بتخيير غير أهل الكتاب بين القتل أو الإسلام، ويفتي بقتل المرتدّ، عليه أن يكون صريحاً واضحاً مع نفسه، وجريئاً في طرح فكرته، وهي أنّه لا توجد حريّة اعتقاد في الإسلام بالشكل الموجود اليوم في شرعة حقوق الإنسان في العالم. أمّا لماذا؟ وما هي المبرّرات؟ وهل هذه نقطة ضعف أم لا؟ فهذا يحتاج أن يقوم الفقيه أو المفسّر بخلق نظريّة خاصّة به تفسّر ذلك عقلانيّاً. وهناك محاولات كثيرة بهذا الصدد يتفاوت الناس في الاقتناع بها بوصفها تخريجات عقلانيّة للموضوع. نعم، مجرّد أنّ النظرية الحقوقيّة للإسلام تخالف ما صار مسلّماً اليوم في الغرب فهذا بنفسه ليس مشكلة، فلا ينبغي في ساحة الفكر أن نعيش التهويل الإعلامي، لا التهويل الإعلامي الذي يمارسه علماء الدين أحياناً، ولا التهويل الإعلامي الذي يمارسه الآخرون من المثقفين والمتغرّبين أحياناً أخرى، بل لابدّ من التفكير الهادئ في الموضوع.
بالنسبة لي، فقد بحثتُ ـ في دراستين مستقلّتين موسّعتين ـ موضوعَ الجهاد الابتدائي، وتوصّلت إلى عدم شرعيّة هذا الجهاد مطلقاً، لا في عصر المعصوم ولا في غيره، وأنّ الجهاد المشرّع في الإسلام ليس سوى الجهاد الدفاعي فقط (انظر: دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 1: 59 ـ 200). أمّا قضيّة المرتدّ فهي من المسائل العالقة عندي والتي تحتاج لمزيد تأمّل وتفكير، وقد قُدِّمَت فيها الكثير من القراءات الحديثة، لكنّ أغلبها غير مقنع من الزاوية الاجتهاديّة، فتحتاج لمزيد بحثٍ ومراجعة، شرط أن لا يكون البحث الاجتهادي واقعاً تحت سطوة التهويل الإعلامي والخوف من المدارس الفكريّة الأخرى.