السؤال: ما هي برأيكم مبرّرات الهجمة الشرسة على علم الكلام؟ وهل برأيكم أنّ مهمة المتكلّم تتحدّد في إقامة الأدلّة على الاعتقادات الدينية المسلّمة، وعلى نقض الشبهات، أم تتعدّى إلى مرحلة إثبات ما لم يرد فيه دليل شرعي؟ (عمران).
الجواب: لا أعلم ماذا تقصدون بالهجمة الشرسة على علم الكلام، فالجدل الكلامي اليوم قائم على قدم وساق، إلا إذا كنتم تقصدون علم الكلام الجديد، أو علوم الفلسفة والعرفان وما شابه. كما أنّ المتكلّم ملزم بإقامة الدليل على صحّة معتقداته أو بطلان معتقدات غيره، وكذا هو مطالب بالدفاع عن عقائده بعد إثباتها، ومعنيّ بنقد الإشكاليّات التي تتوجّه إليها عندما لا تكون مقنعةً، وقد قلنا سابقاً بأنّ بناء العقائد يكون على الأدلّة، لا أنّ المتكلّم عليه البحث عن الدليل بعد العقيدة التي حصل عليها من التربية والمجتمع والفضاء المحيط، فالعقائد تابعة للأدلّة وليس العكس، ومع الأسف فالصراعات الدينية الجدليّة (وحتى غير الدينيّة) كثيراً ما تجرّ إلى الاستدلال اللاحق على الاعتقاد، بدل التركيز أكثر على الاعتقاد القائم على استدلالٍ مسبق، كما قد نجدها تفرّ من إشكال سجّله الخصم نحو فرضيّة لا دليل عليها سوى أنّ عدم اختيارها قد يفضي إلى صحّة إشكال الخصم، وكلّنا معنيّون ـ نخباً ومثقفين وعلماء دين وناشطين وتربويّين و.. ـ بتصحيح هذا المسار الذي جاء القرآن الكريم لتأكيده في رفضه للتقليد والتبعيّة والتعبّد بقول الآباء.
أمّا إذا كنتم تقصدون البحوث الكلاميّة التي لم ترد فيها نصوص مباشرة، فإذا كانت ذات نتائج مفيدة في البحث الديني العقدي ولها تأثيرات مشهودة في سائر البحوث الكلاميّة، ولم تكن من الترف المضيّع للوقت بحجّة شحذ الذهن، فإنّها تظلّ ضروريّة ومهمّة، حتى لو لم تتناولها النصوص الدينية بحسب ما يتراءى لنا، فالمتكلّم ليست وظيفته البحث في النصوص الدينيّة، بل في الاعتقاد الديني، وقد تتداول المحافل الكلاميّة موضوعاً مهمّاً لم يظهر تعرّض النصّ له، لكنّ البحث الكلامي معنيٌّ بالنقاش فيه وإبداء رأي يتعلّق به، فالقضية تتبع الحاجات الواقعيّة لطبيعة الموضوع ومديات تأثيره الحقيقي في المنظومة العقديّة الدينيّة سلباً أو إيجاباً.
شكرا جزيلا على الإجابة شيخنا