السؤال: ما هو رأيكم بتسامح النبي الأكرم مع أبي سفيان الذي قتل أحبّة الرسول؟ ألا يعزّز ثقافة التسامح عند آل بيت الرسالة ضدّ ثقافة السبّ واللعن والبغض والعداوة؟
الجواب: ليس من شكّ في صدور كلمات أو مواقف أو أفعال نبويّة تعزّز ثقافة التسامح والتواصل والعفو، وترفض ثقافة العنف والسبّ والعداوة، لكن في المقابل هناك مواقف شدّة لا يمكن أن يختبئ الإنسان خلف إصبعه فيها، وهناك أفعال ونصوص وكلمات، والخطأ الأكبر في فهم سلوكيّات النبي والأئمّة والصحابة هو فهمها فهماً إطلاقيّاً، بحيث يتمّ تصوير الأمر وكأنّه القاعدة التي لا تقبل الاستثناء. إنّ الفعل النبوي سلوكٌ يتبع الظروف الزمكانيّة، ومن الممكن أن يكون السلوك الرحيم في وضعٍ ما هو السلوك المناسب، فيما يكون سلوكٌ حاسم حازم شديد هو المناسب في مكان آخر، ولهذا تختلف القصص المنقولة عن النبي في مثل هذه الأمور، والخطأ الذي نرتكبه يكمن في تصوّر أنّ هذه السلوكيّات هي ثوابت، فيما لا تكون هي مطلقة، وإنّما تتبع ظرفها، وعليك تحديد الظرف المناسب، كما عليك تحديد مقتضى القاعدة وما هو الاستثناء من بين المواقف والكلمات، وهذا نوع من معنى ما يقوله علماء أصول الفقه الإسلامي من أنّ الأفعال لها دلالات صامتة، فلا يمكن اعتبارها قواعد عمل مطلقة عادةً، وإنّما عليك رصد ملابساتها الزمكانيّة لأخذ القدر المتيقّن من مساحتها.
والبحث في هذا الموضوع طويل، فمثلاً نحن نلاحظ أنّ القرآن الكريم والسنّة الشريفة توحي آياته ونصوصها بأنّ مقتضى القاعدة مع غير المسلم إذا لم يكن معادياً يحارب المسلمين ويعتدي عليهم هو التسامح والبرّ والقسط، بينما مقتضى القاعدة مع الذي يحارب ويعادي ويظلم ويعتدي على المسلمين هو الشدّة والحزم والقاطعيّة، وكلا الأصلين يتحمّل الاستثناء.
إنّ مشكلة محبّي التسامح اليوم أنّهم يختارون النصوص التسامحيّة ويريدون أن لا يروا غيرها في التراث الإسلامي، بينما مشكلة الآخرين أنّهم يلتقطون النصوص أو المواقف الشديدة ليبرزوها على أنّها الإسلام وتاريخه، حتى أنّ بعض الناقدين المعاصرين للإسلام حاول صراحةً التشكيك في صحّة الموقف النبوي التسامحي من قريش عقب فتح مكّة.. والخطوتان غير منصفتين وغير عادلتين في تقديري، بل الصحيح هو جمع النصوص الشديدة والتسامحيّة معاً، ثم رصد الملابسات الزمكانية لها، ثم الخروج باستنتاج نهائي كائناً ما كان، وبهذه الطريقة يتم التعامل مع التراث الإسلامي بموضوعيّة دون تحيّز له أو عليه، وقلّما رأينا من فعل ذلك، فاليوم يبرز الإسلام على أنّه ذو وجه عنفي، ولهذا فنحن نحتاج إلى جمع النصوص التسامحيّة فيه لتعديل الصورة، فالمهم هو تعديل الصورة وعدم تحويل الإسلام إلى شكل واحد تبعاً لحاجاتنا الزمنيّة المعاصرة.
رائع جداااااااا