السؤال: هل من الممكنفي زماننا الحالي، أن يصل شخصٌ إلى ما وصل إليه سلمان المحمّدي من مقام عند أهل البيت صلوات الله عليهم؟
الجواب: هذا النوع من الأسئلة يجاب عنه بطريقتين أو ضمن مرجعيّتين:
1 ـ مرجعيّة النصوص الدينية الخاصّة، وهنا نبحث في النصوص الدينية في القرآن والسنّة الثابتة، عن نصٍّ يدلّ ـ مثلاً ـ على أنّ الناس إلى يوم القيامة لن يبلغوا ما بلغه سلمان أو أصحاب الحسين أو محمد بن مسلم أو فلان الصحابي أو فلان الآخر، وفي هذه الحالة نحن نأخذ بالنصّ الديني الذي حكى لنا هذه الحقيقة ونحكم على أساسه. بل قد لا يكون الأمر مقارنةً بين فلان والأجيال اللاحقة، بل هو مقارنة بين الأجيال نفسها، فمثل الحديث المرويّ عن النبيّ من أنّ قرنه خير القرون، ثم ما يليه وهكذا، هو أيضاً حديث يفرض ذهنيّةً خاصّة في فهم مسيرة الأجيال؛ لأنّه يعطينا إيحاءً بأنّ الجيل الإسلامي الأوّل هو ـ من حيث هو جيل، لا كلّ فرد فرد فيه ـ أفضل من الأجيال اللاحقة إلى يوم القيامة، ولهذا اشتهر تعبير القرون المفضّلة في بعض الأوساط الإسلاميّة.
إلا أنّ وجود نصوص دينية ثابتة وحجّة في هذا المضمار أمرٌ قليل جدّاً، وفي كثير من الأحيان تواجه هذه النصوص تعارضاً فيما بينها، حيث نجد مرويات تجعل المتأخّرين أفضل من المتقدّمين. والمهم دراستها وتحليلها مصدراً وسنداً ومتناً للوصول إلى قناعة بها وفهم دقيق لها.
2 ـ مرجعيّة الثقافة العامّة والمناخ والفضاء التقديسي العام، ولعلّ هذه هي المرجعيّة التي تؤول إليها الكثير من قناعات عامّة الناس في هذه الأمور، فلأنّ فلاناً مدحه النبيّ، إذاً فهو خيرٌ من كلّ المؤمنين إلى يوم القيامة! لماذا؟ من قال لك بأنّ النبي لو كان اليوم موجوداً لن يمدح شخصاً حاضراً بأشدّ ممّا مدح به ذاك؟ هل لك في ذلك كتابٌ أو أثارة من علم تقدّمها لنا؟! كما أنّ كون شخص قد عاصر النبيّ أو عاصر الإمام لا يجعله أحسن حالاً من سائر الخلق حتى لو كان هو في نفسه رجلاً صالحاً، ما لم يقم نصّ معتبر علميّاً ودينيّاً على ذلك. إنّ الناس تعيش دوماً الصورة السورياليّة ما فوق الواقعيّة عن الماضين المقدّسين، فتخلق ـ دون دليل علمي غالباً ـ فهماً عنهم يجعلهم أفضل من المؤمنين الذين يعاصرونهم، وكأنّهم دوماً نسخة أخرى متعالية للتديّن! مع أنّ شهيداً هنا أو أمّ شهيد هناك أو أخ شهيد في مكان ثالث أو عالماً هنا أو مضحّياً هناك أو تقيّاً هنا أو ورعاً هناك قد يكونون أفضل بألف مرّة من شهيدٍ سقط في القرون الأولى، أو أمّ شهيدٍ نبيلة فاضلة ضحّت في تلك القرون، أو عالم معطاء بذل عمره فيما مضى من سالف الأزمان، أو غير ذلك..
طبعاً، عندما نقول ذلك لا يعني أنّنا نُثبت أفضليّة بعض الحاضرين على الماضين، فنحن أيضاً قد لا نملك دليلاً على هذا الأمر، لا من نصّ ديني ولا من معرفة بالغيب تُطلعنا على مقامات الناس عند الله، فلا يصحّ أيضاً أن نطلق الكلام بلا بيّنةٍ ولا علم، لكن ما يهمّنا هو أن لا نقول شيئاً بغير علمٍ ولا هدى ولا كتاب منير، ولا أن نكفّر أو نضلّل أو نحارب من قال بأفضليّة شخص اليوم على آخر في الماضي ما دمنا لا نملك دليلاً على العكس. والعاطفة هنا والمشاعر والفضاء التقديسي العام ليست حججاً نتعذّر بها أمام الله يوم القيامة لا سيما عندما نحوّل هذه الأفضليّات إلى مفاهيم دينيّة، ونُلحِقها بمنظومة الاعتقادات والتصوّرات الدينيّة.
وعليه، فإذا لم نملك نصّاً دينيّاً معتبراً، فلا مانع أن يصل الآخرون إلى ما وصل إليه سلمان المحمّدي، فسلمان بشرٌ تكاملت نفسه وتسامت روحه وبلغ ما بلغ من الفضيلة والأخلاق والإيمان، ولم يغلق الله الباب أمام البشر ليتساموا وترتقي أرواحهم في سلّم الكمال والفضائل والهدى.
هذا، وأشير أخيراً إلى أنّ أصل البحث في الأفضليّات ليس بالأمر اللازم إذا لم تكن هناك نصوص دينية معتبرة، ولا هو من ضمن الأولويّات العليا التي يُعنى بها المؤمن اليوم، فحريّ بنا الاشتغال أكثر بقضايا تطوير مجتمعاتنا ونفوسنا وأرواحنا بدل الذهاب خلف هل زيد أفضل من عمر أم خالد أفضل من بكر.. فعليّ أن أفكّر كيف يمكن تحويل ذاتي وأسرتي ومحيطي إلى محيطٍ منظّم نظيف متحلٍّ بالأخلاق الحميدة يحترم الآخر ويعين الناس، ويعتني بالوقت، ويقدّس العلم والعمل، ويكون زيناً للدين لا شيناً عليه إن شاء الله تعالى.