السؤال: إذا كان نقد المتن حقّاً للمتخصّص فقط في العلوم الدينيّة، فماذا نفعل إن كان هناك أحاديث موضوعها ليس دينيّاً بالمعنى الأخصّ كروايات تتحدّث عن الطبّ أو الفلك، فهنا وبعد تحديد المعنى اللغوي للرواية ـ وبعضها واضح المعنى ـ من يحقّ له نقد متنها؟ هل المتخصّص في الدين أو المتخصّص في العلم؟ إن قلنا إنّ ذلك من حقّ رجل الدين أفلا يكون تدخّلاً في غير اختصاصه، وإن كان من حقّ رجل العلم فهل يعني هذا أنّ لعلماء الطبيعة الحقّ في رفض الروايات التي يعارضها العلم الحديث دون الرجوع إلى علماء الدين؟ (عماد الرفاعي، العراق).
الجواب: نقد المتن عملية ذات طرفين: أحدهما متن الحديث نفسه، وثانيهما المستند النقدي لهذا المتن، فعندما أعرض الحديث على القرآن فهناك متن الحديث، وهناك مستند النقد ألا وهو القرآن الكريم، فلابدّ لي كي أمارس نقد المتن من فهم الحديث وملابساته ولغته وسياقاته وعلاقاته بالأحاديث المشابهة له من جهة، وكذلك لابدّ لي من فهم القرآن الكريم لمعرفة هل يعطيني مضموناً مناقضاً لما قدّمه لي الحديث أم لا؟ ومن هنا فنقد المتن الحديثي وفقاً لمرجعيّة القرآن معناه لزوم أن يكون الشخص فاهماً ومتخصّصاً في القرآن والسنّة، ما لم يكن نصّ السنّة ونصّ الكتاب واضحين جدّاً ولا يحتاجان أساساً لدراسة موسّعة للملابسات والعناصر الحافّة.
أمّا عندما يكون نقد المتن قائماً على حقائق التاريخ، فإنّ أمامي المتن الحديثي نفسه من جهة، ومعطيات التاريخ الحاسمة من جهة أخرى، ومن ثم فلابدّ لي من الإلمام بكلا الجانبين، فلو كنت متخصّصاً في الحديث فقط، فلا يحقّ لي مناقشة المتن قبل الاطلاع الواعي على التاريخ.
وهذا كلّه معناه، أنّه عندما نمارس نقد المتن انطلاقاً من مرجعيّة العلم الحديث، فلابدّ للناقد من وعي طرفي العلاقة (متن الحديث، والمعطيات العلميّة الحاسمة)، فلو كان محدّثاً ولكنّه ليس خبيراً بالعلوم الحديثة المتصلة بمتن هذا الحديث، فلا يحقّ له ممارسة النقد، بل لابدّ له من مراجعة العلم الحديث مراجعة (واعية)، ثم إجراء المقارنة بين المتن والعلم.
ووفقاً لما تقدّم، يتضح الجواب عن سؤالكم، فليس نقد متن الحديث شأنٌ يقوم به عالم الدين فقط، بل لا يحقّ له القيام به قبل الرجوع إلى العلم رجوعاً واعياً، لا مجرد تناقلات وكلمات شفهية ومجلات غير محكّمة تدّعي حقيقةً علميّة هنا وتلك الأخرى هناك، كما هي الثقافة الرائجة في العالم العربي في هذه الأمور. كما أنّ عالم الطبيعيّات لا يحقّ له نقد المتن قبل أن يفهم الحديث وملابساته والاحتمالات اللغويّة والتفسيرية فيه، فإذا استطاع وعي الطرفين فيحقّ له أيضاً نقد الحديث، ولم تنزل آية أو رواية بأنّ نقد متن الحديث خاصّ برجال الدين، لكنّ المنطق يقول بأنّه كما لا يحقّ لرجل الدين تثبيت الحديث أو نقده على أساس العلم دون وعي بالمعطيات العلميّة، كذلك لا يحقّ للعالم الطبيعي نقد الحديث أو تثبيته دون وعي بالحديث نفسه. نعم لو كان الحديث واضحاً جليّاً لا يحتاج لمراجعات أو تأمّلات فيمكن ممارسة النقد عليه، ومثل هذه القضايا ليست من الشؤون الفقهيّة بالضرورة، فلا يجري فيها التقليد، غاية الأمر أنّنا نتشدّد في ضرورة وعي الحديث وعدم الاستعجال في اتخاذ مواقف منه قبل استنفاد الوسع في دراسة عناصر صدوره وملابسات متنه ومحتملاته التفسيرية. هذا كلّه مضافاً لما أشرنا إليه مراراً، من أنّ نقد متن الحديث على أساس العلم لا يكفي فيه أنّ العلم لم يثبت عنده مضمون هذا الحديث، بل لابدّ فيه من أن يكون العلم قد ثبت لديه بطلان مضمون هذا الحديث بشكل قاطع، فعدم الثبوت لا يساوي ثبوت العدم، وكثيراً ما نرى استعجالاً في نقد متن الحديث على أساس أنّ العلم لم يثبت عنده هذا الأمر أو أنّ هذا الأمر لا ينسجم مع مزاج أهل العلم الحديث، وهذا كلّه ليس بحجّة منطقيّة ولا شرعيّة إطلاقاً، وقد رأينا بعضهم (كتاب الحديث والقرآن لابن قرناس مثالاً) يجعل مرجعيّته في نقد متن الحديث في بعض الأحيان هي الاستغراب فقط وعدم كون مضمون الحديث مما يتماشى مع مزاجي الشخصي الذي تربّيت عليه في الجامعة أو الحوزة أو في هذا المناخ أو ذاك، دون تقديم أيّ دليل علمي أو منطقي حاسم أو مقبول موضوعيّاً.