السؤال: القرآن الكريم لم يصرّح بحرمة تقبيل الأجنبية من النساء ولا بحرمة لمسها، فعلى أيّ أساس هما من المحرّمات؟ وإذا كانت السنّة الشريفة هي من أنبأت بأنهما حرام، فهناك أحاديث تقول بأنّ المزاح محرّم مع الفتاة، من قبيل: محادثة المرأة من الأمور التي تميت القلب، وما عن الرسول (ص): من صافح امرأةً حراماً جاء يوم القيامة مغلولاً ثم يؤمر به إلى النار، ومن فاكه امرأة لا يملكها حبسه الله بكلّ كلمة في الدنيا ألف عام. فهذه أحاديث تحرّم اللمس والمفاكهة، وترى في الحديث أنه مميت للقلب، وإذا لزم أن يكون هناك حديث فليس أكثر من خمس كلمات مما لا بدّ منه، فكيف ميّز الفقهاء المسلمون بين الحديث مع المرأة فأجازوه وبين اللمس والقبلة فحرّموهما؟! وما هو مبرّرهم في ذلك؟ (الشمالي، بريطانيا).
الجواب: رغم عدم وجود نصّ صريح في القرآن الكريم يتصل بقضيّة اللمس، فإنّ بعض الفقهاء تحدّث عن الملازمة العرفية بالأولوية بين حرمة النظر وحرمة اللمس، بمعنى أنّه كلّ ما حكم فيه بحرمة النظر حكم فيه بحرمة اللمس والمسّ، فتكون النصوص القرآنية دالةً على تحريم المس واللمس بالاستعانة بهذه الملازمة العرفيّة، وقالوا بأنّ هذه الملازمة إنما تقع في طرف الحرمة دون الجواز، بمعنى أنه لو جاز النظر إلى المرأة في مورد ما ـ كالوجه والكفين ـ فلا يعني ذلك جواز مسّها أو مصافحتها (انظر: جواهر الكلام 29: 100؛ ومباني العروة الوثقى، كتاب النكاح 1: 104؛ ومستند الشيعة 16: 59؛ والموسوعة الفقهيّة (الكويتية) 36: 360). إلا أنّه من وجهة نظري ليس هذا الاستدلال صحيحاً على إطلاقه، وقد بحثت هذا الموضوع بالتفصيل في دروسي المتواضعة، على تفصيل لا داعي للإطالة به هنا.
ومن هنا، فالمستند الرئيس في تحريم اللمس وأمثاله هو نصوص الحديث الشريف، وهي مجموعات من النصوص استدلّ بها الفقهاء وناقشوا في الكثير منها، لكنّ بعض الروايات الصحيحة من حيث السند تدلّ على التحريم عندهم، وقد كانت هي العمدة في دليلهم، فالمسألة هي مسألة الحديث الصحيح من غيره، فوجود أحاديث في مصادر الحديث لا يعني أنها صارت حجّةً علينا، بل الكثير جداً من الأحاديث عند المسلمين غير صحيح السند، ولا يُعتمد عليه في حكم شرعي أو فتوى دينية أو بناء نظام عقدي أو تاريخي، وبعض الأحاديث التي تحرّم اللمس صحيحةٌ عند الفقهاء، أما الأحاديث التي تحرّم التكلّم مع المرأة، فهي ضعيفة السند وتواجهها أحاديث عكسيّة وأدلة تقع على النقيض منها. وأمّا مسألة مفاكهة المرأة، فهناك من يحرّمها مطلقاً، وهناك من يقول بأنّها لو أوقعت في الحرام أو كان هناك خوف من إيقاعها فيه ولو لاحقاً فتكون محرّمة، ولو بفحوى قوله تعالى: (فيطمع الذي في قلبه مرض)، وإلا فليست بحرام، لضعف سند الأحاديث التي يفهم منها التحريم وعدم دلالة بعض الأحاديث على أكثر من الكراهة.