السؤال: هل يحقّ للزوجة أن تُطالب بالطلاق إذا ثبت فساد الزوج، حيث إنّه يمارس الاستمناء ويشاهد الأفلام الإباحيّة؟ وهل يحقّ للحاكم أن يطلّقها حتى بدون رضا الزوج بالطلاق، حيث إنّ الزوجة غير راغبة في المعاشرة بعد علمها بالأمر؟
الجواب: هذا الأمر وأمثاله ليس مبرّراً كافياً للطلاق من الناحية الشرعيّة، فمجرّد أنّ الزوج ـ وأيضاً الزوجة ـ ارتكب خطأ أو انحرافاً في مكانٍ ما بينه وبين نفسه، دون أن يعتدي على الزوجة فيظلمها أو يضربها أو يسيء العشرة معها أو نحو ذلك، لا يعني أنّ حقّ الطلاق صار ثابتاً للزوجة أو أنّ الحاكم يقوم بفصلها عنه مثلاً. نعم من حقّ الزوجة رفع الأمر إلى الحاكم (إن لم يكن في البين مشكلة شرعيّة وهي فضح زوجها وإهانته أمام الآخرين) لكنّ الحاكم لا يجد عادةً مثل هذا الأمر مبرّراً للطلاق. أمّا لو بلغ الحدّ بالزوجة مستوى كراهية زوجها والعيش معه فإنّ الفقهاء يذهبون إلى أنّ بإمكانها البذل، لكي يقع الطلاق الخُلعي الذي هو غير ملزم للزوج عند المشهور، ولكنّ ذلك لا يكون لأجل ما فعله الزوج، بل يكون لأجل كراهة الزوجة العيش معه، مع تحقّق سائر شروط الطلاق الخلعي.
إنّني أعتقد بأنّ الأمور لا ينبغي الاستعجال في التعاطي معها بهذه الطريقة، بل لابدّ أوّلاً من دراسة الأسباب التي دفعت الزوج لمثل هذا الخطأ، فلعلّ لديه مشاكل داخليّة في الأسرة قد لا تكون حتى الزوجة منتبهةً لها، أو ربما تكون لديه مشاكل تربوية قديمة ترجع لأيّام طفولته، أو قد تكون لديه مشاكل نفسيّة ينبغي معالجتها، أو قد يكون الفضاء العام السلبي دافعاً له للتورّط في مثل هذه الأمور، فليس الموقف الأوّلي للزوجة ـ رغم احترامي الشديد لجرحها وشعورها بالإهانة ـ هو طلب الطلاق، بل ينبغي أن يكون هو التفكير بالحلّ، ومصارحة الزوج ومعاتبته، فلعلّ للزوج ما دفعه لذلك ولو كنّا نعتبره مخطئاً، وظروف الحياة اليوم ليست سهلةً أبداً بالنسبة للكثير من الرجال. والأمر عينه نقوله للرجال أيضاً فيما لو اقترفت الزوجة خطأ هنا أو هناك، فإنّ الحلّ ليس باستخدام الرجل الشرقي لثقافته الذكوريّة التي تدمّر الأسرة؛ لأنّ زوجته زلّت في وضع هنا أو هناك من مثل ما جاء في السؤال أعلاه، بل الحلّ هو بدراسة الأسباب التي قد يكون هو أحدها أو الرئيس فيها.
ولا أريد بذلك تبرير هذا الفعل أو ذاك بقدر ما أريد أن نسعى في المرحلة الأولى لعدم تدمير أسرة الزواج هذه بمجرّد حصول هذا الجرح أو التألّم من مثل هذا الأمر، بل يفترض بنا دوماً أن نفصل ـ ونحن نواجه القضايا العاطفيّة ـ بين العاطفة والعقل، ونسمح للعقل بأن يفكّر بعيداً عن ضغط عاطفتنا وأحاسيسنا، علّه يصل إلى حلّ أفضل، وربما يرى العقل في تفكيره بأنّ هذا الرجل أو ذاك ليسوا سوى ضحايا الإعلام الهابط والفنّ المتدنّي الذي بات يسيطر على الكثير من إعلامنا، وبات ينحر قيمة الفنّ الراقي وقيمة الصوت الحسن والموسيقى الرائعة الهادفة. ولعلّ الرجل مجنيّ عليه من قبل وزارات السياحة والإعلام في عالمنا العربي والتي لا يهمّها إلا جني المال، وآخر همّها قضايا الأخلاق والأسرة والتربية والتعليم، تماماً كما هي أولويّات الكثير من حكوماتنا في العالم الإسلامي، والتي تظهر في الأمن والدفاع عن كراسي الكبار، فلم يطالب أحد بمحاكمة أولئك الذين ينشرون الرذيلة في مجتمعاتنا ويتسبّبون بما لا يُحصى من حالات الطلاق، وإنّما يقومون فقط وفقط بالنظر لعيوب رجال الدين مثلاً في بعض مواقفهم من قضايا المرأة، وهي عيوب ينبغي الاشتغال عليها أيضاً، ولا يصحّ السكوت عنها بحال.
نعم، فقد يكون هذا الرجل وغيره الكثير الكثير من الرجال ضحايا الكبت الاجتماعي والإرهاب والتوتر والعنف والضغط الاقتصادي والفساد الأخلاقي التجاري المستشري، والذي لا يهمّه سوى جني الأرباح، أمّا الطفولة فلا قدسيّة لها، بل تتعرّض للتدمير في أخلاقيّاتها؛ لأنّنا نريد الترويج لفيلم سينمائي هنا وآخر هناك، ضاربين بسيف الحرية كلّ من يخالفنا الرأي، ظانّين بذلك أنّنا سنصبح مثل الغرب، وسننتظر لنرى هل بذلك سنكون شعوباً متقدّمة فيما تقدّم فيه غيرنا أم لا؟ وإنّ غداً لناظره قريب.