السؤال:هل لتقصير الثياب ـ كما يفعله السلفيّون اليوم ـ أصل في الشرع؟ فقد سمعت أنّه موجود عندنا نحن الشيعة أيضاً، فهل هذا صحيح؟ (منذر، لبنان).
الجواب: تقصير الثياب ـ للرجل دون المرأة ـ أو ما يعبّر عنه في الفقه الإسلامي بتشمير الثوب، موجود عند السنّة والشيعة، وقد خصّص الحرّ العاملي باباً في كتاب (تفصيل وسائل الشيعة 5: 38 ـ 41) لهذا الموضوع تقريباً، ففي خبر أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ: (غسل الثياب يذهب الهمّ والحزن، وهو طهورٌ للصلاة، وتشمير الثياب طهور لها، وقد قال الله تعالى: وثيابك فطهّر، أي فشمّر). وفي خبر معمر بن خلاد، عن أبي الحسن، قال: (ثلاث من عرفهنّ لم يدعهنّ: جزّ الشعر، وتشمير الثوب، ونكاح الإماء)، وفي خبر عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في قول الله عز وجلّ: وثيابك فطهّر، قال: (فشمّر)، وفي خبر سلمة بياع القلانس، قال: (كنت عند أبي جعفر ـ عليه السلام ـ إذ دخل عليه أبو عبد الله، فقال أبو جعفر: يا بني ألا تطهّر قميصك؟ فذهب فظننا أنّ ثوبه قد أصابه شيء فرجع، فقال: إنهنّ هكذا، فقلنا: جعلنا فداك ما لقميصه؟ قال: كان قميصه طويلاً، فأمرته أن يقصّره؛ إنّ الله عز وجلّ يقول: وثيابك فطهّر)، وفي خبر معلى بن خنيس، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: (إنّ عليّاً ـ عليه السلام ـ كان… والله عز وجلّ يقول: وثيابك فطهّر، قال: وثيابك ارفعها لا تجرّها، فإذا قام قائمنا كان هذا اللباس)، وفي خبر عبد الرحمن بن عثمان، قال: قال أبو الحسن ـ عليه السلام ـ: (إنّ الله عز وجل قال لنبيه ـ صلّى الله عليه وعلى آله ـ: وثيابك فطهّر، وكانت ثيابه طاهرة، وإنما أمره بالتشمير)، وفي حديث الأربعمائة، عن علي ـ عليه السلام ـ قال: (.. تشمير الثياب طهور لها، قال الله تعالى: وثيابك فطهّر، أي فشمّر..). والمقصود من تشمير الثوب أن لا يكون ملاصقاً للأرض بل يرفع قليلاً، ونقطة الخلاف بين الفقهاء تكمن في الحدّ الذي يقصّر الثوب إليه، فكثير من الفقهاء المسلمين ذكروا أنّه إلى نصف الساق، ولكنّ بعض الروايات ـ كخبر عبد الله بن هلال ـ فهم منه أنّه إلى الكعبين، إلى أعلى القدم وأوّل الساق، كما هو المتعارف اليوم.
والذي يبدو لي بنظري المتواضع، أنّ الحكم بتقصير الثوب هو حكمٌ طريقي لا غير، فلا موضوعيّة له، ولا استحباب متعلّق به لوحده؛ وذلك أنّ المفهوم من الأحاديث هو أنّ تقصير الثوب جاء تعبيراً عن تطهيره وعدم تنجيسه، والروايات عديدة في ربط هذا المفهوم بالآية القرآنية الآمرة بتطهير الثياب، وهذا معناه أنّ العرب كانت ترخي الثياب وتطوّلها وتجرّها خلفها ـ كما هو تعبير خبر معلّى بن خنيس المتقدّم ـ فيمسّ الثوبُ الأرضَ، كما هي الحال عند بعض النساء، ويكون ذلك موجباً لاتساخ طرف الثوب الأسفل ونجاسته نتيجة التصاقه الدائم بالأرض، فحصل الأمر بتقصير الثياب كي يكون ذلك أطهر لها، ولهذا لاحظوا كيف أنّ أغلب الروايات السابقة تربط بين تشمير الثوب وبين فكرة الطهارة. وتطبيق فكرة التشمير في مورد الآية الكريمة يفرض علينا أن نأخذ الطهارة بعين الاعتبار، وإلا صارت هذه الأحاديث منافيةً لظاهر القرآن الكريم ومفسّرةً له بما هو مباين للمعنى الظاهر من اللفظ، وهذا التنافي يتضح ارتفاعه عندما نلاحظ أنّ التشمير تعبير عن تحقيق الطهارة في اللباس، وعليه فمن الصعب الجزم بأكثر من ذلك في دلالة الأحاديث، وينتج عنه استحباب ـ إن لم نقل وجوب لولا المانع من الوجوب ـ أن يحافظ الإنسان على طهارة ملابسه.
هذا على المستوى الشيعي، وأمّا على مستوى مصادر الحديث السنّي، فنحن نجد ربط فكرة التقصير وعدم إسبال الثياب وإرخائها لتجرّ على الأرض، بفكرة التكبّر والخيلاء، فمن عادة الملوك والأمراء جرّ ثيابهم خلفهم، ولهذا ورد في خبر الهجيمي عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: (وائتزر إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار؛ فإنّ إسبال الإزار من المخيلة، وإنّ الله تبارك وتعالى لا يحبّ المخيلة) (مسند ابن حنبل 5: 64؛ وسنن أبي داوود 2: 265 ـ 266)، وفي خبر ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: (الإسبال في الإزار والقميص والعمامة، من جرّ منها شيئاً خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة) (سنن النسائي 8: 208؛ وانظر: صحيح مسلم 6: 147)، وغير ذلك من الأحاديث التي تربط بين المفهومين. من هنا ذهب بعض علماء أهل السنّة إلى تقييد التحريم بحالة الخيلاء؛ حملاً للنصوص المطلقة على المقيّدة (انظر: ابن حجر، فتح الباري 10: 224)، علماً أنّ جملة من الروايات في هذا الموضوع خاصّة بالصلاة.