السؤال: هل صحّ هذا القول المنسوب لسلمان الفارسي رضي الله عنه: (لو حدّثتكم ما أعلم من فضائل أمير المؤمنين عليّ عليه السلام لقالت طائفة منكم: هو مجنون، وقالت طائفة أخرى: اللهم اغفر لقاتل سلمان)؟ (شهيد).
المصدر الأوّل: الشيخ الكشي، حيث رواها عن محمّد بن مسعود، قال: حدّثنا أبو عبد الله الحسين بن أشكيب، قال: أخبرني الحسن بن خرزاذ القمي، قال: أخبرنا محمّد بن حماد الساسي (الشاشي)، عن صالح بن فرج، عن زيد بن المعدل، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (خطب سلمان فقال: الحمد لله الذي هداني لدينه بعد جحودي له، إذ أنا مذكٍ لنار الكفر، أهل لها نصيباً أو أثبت لها رزقاً، حتى ألقى الله عز وجل في قلبي حبّ تهامة فخرجت جائعاً ظمآن قد طردني قومي وأخرجت من مالي ولا حمولة تحملني ولا متاع يجهزني، ولا مال يقويني، وكان من شأني ما قد كان، حتى أتيت محمداً صلى الله عليه وآله فعرفت من العرفان ما كنت أعلمه، ورأيت من العلامة ما أخبرت بها، فأنقذني به من النار فبنت من الدنيا على المعرفة التي دخلت عليها في الإسلام. ألا أيها الناس اسمعوا من حديثي، ثم اعقلوا عنّي، قد أتيت العلم كبيراً ولو أخبرتكم بكلّ ما أعلم لقالت طائفة: لمجنون وقالت طائفة أخرى: اللهم اغفر لقاتل سلمان. ألا إن لكم منايا تتبعها بلايا، فإنّ عند علي عليه السلام علم المنايا وعلم الوصايا وفصل الخطاب على منهاج هارون بن عمران، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت وصيّتي وخلفيتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى، ولكنّكم أصبتم سنّة الأولى وأخطأتم سبيلكم، والذي نفس سلمان بيده لتركبن طبقاً عن طبق، سنّة بني إسرائيل القذّة بالقذة. أما والله لو ولّيتموها عليّاً لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم، فأبشروا بالبلاء، واقنطوا من الرجاء، ونابذتكم على سواء، وانقطعت العصمة فيما بيني وبينكم من الولاء. أما والله لو أنّي أدفع ضيماً أو أعزّ لله ديناً لوضعت سيفي على عاتقي، ثم لضربت به قدماً قدماً. ألا إني أحدّثكم بما تعلمون وما لا تعلمون، فخذوها من سنة السبعين بما فيها. ألا إنّ لبني أميّة في بني هاشم نطحات. ألا إنّ بني أمية كالناقة الضروس تعضّ بفيها وتخبط بيديها وتضرب برجلها وتمنع درها. ألا إنّه حقّ على الله أن يذلّ باديها وأن يظهر عليها عدوّها مع قذف من السماء وخسف ومسخ وسوء الخلق، حتى أنّ الرجل ليخرج من جانب حجلته إلى صلاة فيمسخه الله قرداً. ألا وفئتان تلتقيان بتهامة كلتاهما كافرتان، ألا وخسف بكلب، وما أنا وكلب، والله لولا ما لأريتكم مصارعهم، ألا وهو البيداء، ثم يجئ ما تعرفون. فإذا رأيتم أيها الناس الفتن كقطع الليل المظلم يهلك فيها الراكب الموضع والخطيب المصقع والرأس المتبوع، فعليكم بآل محمد فإنّهم القادة إلى الجنّة والدعاة إليها إلى يوم القيامة، وعليكم بعليّ فوالله لقد سلمنا عليه بالولاة (بالولاية) مع نبيّنا، فما بال القوم أحسد قد حسد قابيل هابيل، أو كفر فقد ارتدّ قوم موسى عن الأسباط ويوشع وشمعون وابني هارون شبر وشبير والسبعين الذين اتهموا موسى على قتل هارون فأخذتهم الرجفة من بغيهم، ثم بعثهم الله أنبياء مرسلين وغير مرسلين، وأمر هذه الأمّة كأمر بني إسرائيل. فأين يذهب بكم ما أنا وفلان وفلان ويحكم والله ما أدري أتجهلون أم تتجاهلون، أم نسيتم أم تتناسون؟! أنزلوا آل محمد منكم منزلة الرأس من الجسد بل منزلة العينين من الرأس، والله لترجعنّ كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف يشهد الشاهد على الناجي بالهلكة ويشدّ الناجي على الكافر بالنجاة، ألا إنّي أظهرت أمري وآمنت بربي وأسلمت بنبيي واتبعت مولاي ومولي كلّ مسلم. بأبي أنت وأمي قتيل كوفان، يا لهف نفسي لأطفال صغار، وبأبي صاحب الجفنة والخوان نكاح النساء الحسن بن علي، ألا إنّ نبي الله نحله البأس والحياء، ونحل الحسين المهابة والجود، يا ويح من احتقره لضعفه واستضعفه لقلّته وظلم من بين ولده، وكان بلادهم عامر الباقين من آل محمد. أيّها الناس لا تكلّ أظفاركم عن عدوّكم، ولا تستغشوا صديقكم فيستحوذ الشيطان عليكم، والله لتبتلنّ ببلاء لا تغيرونه بأيديكم إلا إشارة بحواجبكم، ثلاثة خذوها بما فيها وارجوا رابعها وموافاها. بأبي دافع الضيم شقاق بطون الحبالى وحمال الصبيان على الرماح ومغلي الرجال في القدور، أما أني سأحدّثكم بالنفس الطيبة الزكية وتضريح دمه بين الركن والمقام المذبوح كذبح الكبش. يا ويح لسبايا نساء من كوفان الواردون الثوية المستغدون عشية وميعاد ما بينكم وبين ذلك فتنة شرقيّة ستسير موجئاً هاتفاً يستغيث من قبل المغرب فلا تغيثوه لا أغاثه الله، وملحمة بين الناس إلى أن يصير ما ذبح على شيبته المقتول بظهر الكوفة وهي كوفان يوشك أن يبنى جسرها وتنبى جنبتها حتى يأتي زمان لا يبقى مؤمن إلا بها أو يحنّ إليها، وقينة مصبوبة نطافي خطامها لا ينهيها أحد، لا يبقي بيت من العرب إلا دخلته. وأحدّثك يا حذيفة أنّ ابنك مقتول، فإنّ عليّاً أمير المؤمنين عليه السلام فمن كان مؤمناً دخل في ولايته فيفتتح على أمر يمشي على مثله، لا يدخل فيها إلا مؤمن ولا يخرج منها إلا كافر (رجال الكشي 1: 75 ـ 92).
هذا الحديث ليس فيه الجملة موضوع الشاهد التي ذكرتموها في سؤالكم، بل هي مطلقة لعلم سلمان، لا بحديثه عن شخص الإمام علي، كما أنّ هذا الحديث ضعيف السند، ولا أقلّ بـ:
1 ـ صالح بن فرج، فهذا الاسم مهمل جدّاً، لم يذكره أحد، ولعلّه ليس لديه إلا هذه الرواية. ويحتمل أن يكون فرج بن صالح ويكون قد حصل قلب في التسمية، وهذا أيضاً مهمل جدّاً، ويحتمل أن يكون صالح بن نوح، وهو أيضاً مهمل لم يرد فيه توثيق (راجع: الخوئي، معجم رجال الحديث 10: 92؛ والنمازي، مستدركات علم رجال الحديث 4: 248).
2 ـ محمد بن حماد الشاشي (الساسي)، فهو مهمل جدّاً لم يذكره علماء الرجال أساساً (راجع: معجم رجال الحديث 17: 43؛ ومستدركات علم رجال الحديث 7: 70).
3 ـ زيد بن المعدل (معدل النميري)، وهو أيضاً مهمل، كما أقرّ بذلك الشيخ النمازي في (مستدركات علم رجال الحديث 3: 486).
4 ـ الحسن بن خرزاذ، وهذا إذا كان الحسن بن خرزاذ القمي كما هو ظاهر النصّ، فقد قال فيه الشيخ النجاشي: (قمّي، كثير الحديث، له كتاب أسماء رسول الله صلى الله عليه وآله، وكتاب المتعة، وقيل: إنه غلا في آخر عمره..) (الفهرست: 44)، ولم يوثقه أحد، وأمّا إذا كان الحسنَ بن خرزاذ الذي هو من أهل (كُش) في آسيا الوسطى، فهو مجهول الحال أيضاً لم ينصّ أحد على توثيقه، ويحتمل أن يكون القمّي والكشي واحداً هنا أيضاً.
وعليه، فهذه الرواية ضعيفة سنداً، لا أقلّ بعدم ثبوت وثاقة أربعة من رواتها، فضلاً عن بعض الملاحظات في متنها، ويكفي اضطراب المتن وغرابته لمن راجع وتأمّل.
المصدر الثاني: محمّد بن سليمان الكوفي (ح 300هـ) في (مناقب الإمام أمير المؤمنين 1: 413 ـ 414)، بسنده التالي: محمّد بن سليمان الكوفي قال: حدّثني أحمد بن السري المصري، قال: حدّثنا أحمد بن حماد، عمّن ذكره ـ شكّ أبو جعفر ـ عن إبراهيم، عن الأسود، عن ابن عباس قال: (لما ولّي أبو بكر إمرة المؤمنين قال: يا سلمان، اصعد المنبر فاخطب الناس قال: إنّي إن صعدت تكلّمت بالحقّ…)، وهذه الخطبة في هذا المصدر تختلف في بعض مقاطعها عن السابق، لكنّ الجملة موضع سؤالكم هي نفسها ما جاء عند الكشي.
وهذا الحديث ضعيف السند، ولا أقلّ من أنّ أحمد بن السري رجل مجهول الحال (انظر: معجم رجال الحديث 2: 131) لم يوثقه أحد، كما أنّ الحديث مرسل، حيث لم يذكر لنا أحمد بن حماد اسم من روى عنه، وعليه فالحديث من حيث الإسناد غير صحيح، كما أنّه من حيث المضمون في الجملة موضوع سؤالكم لا يتحدّث عن الإمام علي، بل هو مختلف عمّا جاء في سؤالكم بحسب الصيغة فهو مطلق، كما هو واضح.
المصدر الثالث: الشيخ الطبرسي (548هـ) في (الاحتجاج 1: 149 ـ 152)، مع اختلافات أيضاً، والجملة موضع سؤالكم جاءت في الاحتجاج كالتالي: (فلو حدّثتكم بكلّ ما أعلم من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، لقالت طائفة منكم: هو مجنون، وقالت طائفة أخرى: اللهم اغفر لقاتل سلمان..). ومن الواضح أنّ الطبرسي لا يذكر لنا لا مصدر هذه الرواية، ولا السند إليها، وهو مصدر الحديث الأقدم بحسب الصيغة التي نقلتموها في سؤالكم.
المصدر الرابع: ابن شهر آشوب (588هـ) في (مناقب آل أبي طالب 2: 90 ـ 91)، حيث لم يذكر الخطبة بل قال: (وفي بعض الأصول قال سلمان: والذي نفسي بيده، لو أخبرتكم بفضل عليّ في التوراة، لقالت طائفة منكم: إنّه لمجنون، ولقالت طائفة أخرى: اللهم اغفر لقاتل سلمان). وابن شهر آشوب لم يذكر لنا ما هي هذه الأصول؟ وما هو السند لها؟ فروايته بلا سند ولا مصدر محدّد، وهو يبعد عن عصر سلمان أكثر من خمسة قرون، حيث ينقلها عن سلمان دون أن يذكر اسم أحد من الأئمّة.
أولاً: لم تصحّ أيّ من هذه الروايات سنداً، بل على مباني مثل السيّد الخوئي هي أيضاً غير صحيحة.
ثالثاً: إنّ مقطع (لو حدّثتكم عن علي لقالت طائفة كذا وقالت أخرى كذا) ورد في المصدر الثالث والرابع فقط، وهما بلا سند ظاهر، وأمّا الحديثين المسندين، ولو كانا ضعيفين أو فيهما إرسال، فلم يرد فيهما هذا التعبير، بل جاء: (قد أتيت العلم كبيراً ولو أخبرتكم بكلّ ما أعلم لقالت طائفة: لمجنون وقالت طائفة أخرى: اللهم اغفر لقاتل سلمان).
رابعاً: إنّ هذه الروايات الاربع مختلفة فيما بينها، لاسيما في موضع الشاهد، فاثنتان مطلقتان كما قلنا، وواحدة تتحدّث عن التوراة، وأخيرة تتحدّث عن الإمام علي بلا ربط بالتوراة، وهذا كلّه ـ مع وحدة الخطبة حسب الظاهر ـ يجعل الحديث مواجهاً لمشاكل من جهات عدّة. وعليه فهذا الحديث ـ لو تركنا مقاربة متنه ـ ضعيف لا يعتمد عليه، والعلم عند الله.