السؤال: تذكر بعض الأخوات أنّ علينا أن نظهر الحزن في شهر صفر، من لبس السواد وعدم الذهاب للمطاعم والرحلات وتجنّب التجمّل وعدم الذهاب لحفلات الزواج؛ لأنّ ثورة الحسين تستحقّ منّا كلّ هذه التضحيات، وأنه وبفضل هذه الطقوس استمرّت الثورة، وأنّ شهر صفر شهر حزن. السؤال: هل هذا صحيح؟ ومن أين أتت هذه الأفكار؟ وما هو تاريخ إقامة هذه الطقوس في شهر صفر؟ (Naqa Juma Al-lawati).
الجواب: إنّ التفاعل مع قضيّة الإمام الحسين عليه السلام أمرٌ حسن في حدّ ذاته وفقاً للنصوص الكثيرة الدالّة على ذلك، ومن الجميل ـ بناءً عليه ـ أن يعيش الإنسان مظاهر الحزن والألم على هذا الإمام العظيم، والتعبير عن هذا الحزن مختلف، فبعض أشكال التعبير وردت فيها بعض النصوص والروايات الخاصّة، مثل الزيارة عن قرب أو بعد، والحزن والبكاء، وذكر مصابهم وتداوله، وإحياء ذكرهم وأمرهم، وغير ذلك، لكنّ بعضها الآخر إنّما هو تعبير بشري عن الحزن ليست فيه نصوص خاصّة ثابتة أو معتمدة، وفقاً للمعايير التي يعتمدها العلماء في التعامل مع الوثائق التاريخية والحديثية، مثل التطبير (ضرب القامات)، ووضع الأقفال على الأبدان، وضرب السلاسل، واللطم العنيف المدمي، وشبه التعرّي الموجود أحياناً، والمشي على النيران، والزحف والمشي مشية الكلاب على أبواب المراقد المطهّرة لأهل البيت و.. فليس لدينا روايات خاصّة بهذه الأمور تثبت من الناحية العلميّة، نعم قد يكون بعضها مشمولاً للنصوص العامّة.
وقد ورد في بعض الروايات ـ وكذلك نصوص العلماء المتقدّمين كالشيخ المفيد ـ أنّ بعض الأئمّة كانت تظهر عليهم وعلى بيوتهم آثار الحزن في الأيّام العشرة الأولى من شهر محرّم، وأنّ هذا معناه أنّه من الطبيعي اعتزالهم لمظاهر الفرح والابتهاج في هذه الأيام، ممّا يعني أنّها أيام حزن بالنسبة إليهم، وأنّ على الموالي لأهل البيت أن يقوم بذلك في هذه الأيام، لكنّنا لا نملك نصوصاً تتحدّث عن شهر صفر، ولا أعرف مستنداً يدلّ على أنّ الشيعة كانوا قبل العصر الصفوي يعرفون شهر صفر بوصفه شهر بكاء وحزن، مثله مثل العشرة الأولى من محرّم، كما ليس لدينا في الأحاديث الصحيحة ما يفيد ذلك، سوى قضيّة زيارة الأربعين في صفر، والتي لم تثبت بدليل خاصّ، كما بينتُ ذلك في جواب عن سؤال سابق، وإنّما هي ثابتة بدليل عام، والدليل العام لا فرق فيه بين صفر وغيره. من هنا وفي حدود تتبّعي المتواضع لم أعثر على نصوص أو أحاديث أو معلومات تاريخية ثابتة تؤكّد اعتبار صفر بنفسه شهرَ حزن، إلا إذا قلنا بأنّ الموالي لأهل البيت يعدّ الدهر كلّه عنده حزن وهذا أمر آخر. نعم هذا لا يمنع الحزن في بعض اللحظات في صفر، كما في حال الزيارة، أو حال شرب الماء أو غير ذلك، ممّا وردت فيه النصوص، إنّما كلامنا في وجود اعتبار ديني لشهر صفر بوصفه شهر حزن وبكاء، وهذا ما لم يثبت. والعلم عند الله.