السؤال: كثيراً ما نسمع الاستدلال على شيء ما بأنّ هذا قامت عليه سيرة العلماء، فما معنى هذا الكلام؟ وما هو الدليل على حجيّة سيرة العلماء؟ (رائد أحمد، لبنان).
الجواب: سيرة العلماء في حياتهم الشخصيّة أو العامّة أو في تفكيرهم وطرائق البحث عندهم أو في آرائهم، لا قيمة لها من الناحية العلميّة بإجماع العلماء، إلا في ثلاث حالات وقعت محلاً للبحث:
الحالة الأولى: أن يشتهر بينهم أو يطبقوا على فتوى معيّنة في مجال الاجتهاد الفقهي، فهنا قال بعض العلماء بأنّ إجماعهم حجّة، وقال بعض بأنّ الشهرة الفتوائيّة حجّة، ولكنّ حجية الإجماع وحجيّة الشهرة الفتوائيّة تعرّضتا لانتقادات كثيرة عند متأخّري العلماء، لاسيما منذ عصر الشيخ مرتضى الأنصاري (1281هـ)، وصولاً إلى يومنا هذا. وقد ساهم السيد أبو القاسم الخوئي (1413هـ) في تراجع نظريّتي الإجماع والشهرة الفتوائيّة بشكل كبير جدّاً. كما أنّ حجيّة الإجماع والشهرة تعملان في دائرة الاجتهاد الشرعي، ومن النادر توفّر شروطهما في دائرة الاجتهاد العقائدي أو الفلسفي أو غيره. وهنا قد تكون سيرة العلماء وأعرافهم كاشفة عن موقف فقهي معيّن، فلا تكون القيمة للسيرة والعرف بقدر ما هي لاشتهار موقفهم الفقهي، فمثلاً تقول بأنّ سيرة العلماء في التعامل مع الأخماس والزكوات هي كذا وكذا، الأمر الذي يكشف لنا عن موقف فقهي من وجوب أو تحريم كانوا يتبنّونه. هذا وقد استُخدم تعبير (سيرة العلماء) في الكتب الاستدلالية مشيراً ـ بحسب المآل ـ إلى الشهرة الفتوائية أو السيرة المتشرّعية أو نحوهما، لا إلى العادات والأعراف العمليّة لهم خاصّة، فليلاحظ جيّداً.
الحالة الثانية: أن تكون سيرتهم على العمل بحديث ضعيف السند، ومعنى العمل هنا ليس أنّهم يقومون بالفعل الذي يتحدّث عنه هذا الحديث، فمثلاً قد يأتي حديث ويحثّ على قراءة دعاء معيّن قبل النوم، وتقوم سيرة العلماء على قراءة هذا الدعاء قبل النوم، فمثل هذه السيرة لا قيمة علميّة لها، وإنّما المقصود من السيرة العمليّة أن يفتي العلماء بفتوى معيّنة مثلاً ونتأكّد من اعتمادهم في هذا الرأي على هذا الحديث الضعيف السند، وليس على أيّ دليل آخر مفترض أو محتمل، ففي هذه الحال كثير من العلماء إلى أنّ اعتماد العلماء على هذا الحديث الضعيف في الإفتاء يقوّيه ويصبح هذا الحديث معتبراً، ويسمّون ذلك بقاعدة الجبر السندي، وهي تقوم على شهرة الاستناد للحديث أو العمل به في مقام إبداء الرأي النهائي. وقد تعرّضت هذه النظريّة أيضاً لانتقادات، لاسيما من قبل الشهيد الثاني والسيد الخوئي، لكنّ الكثيرين من العلماء ما يزالون يعملون عليها في اجتهاداتهم الدينية. ويشترط لكي تكون هذه القاعدة نافذة أن لا يكون هذا العالم قد عمل بهذا الحديث من باب قوله بالتسامح في أدلّة السنن، مثلاً لو جاء حديث وتحدّث عن أمر مستحب مثلاً، وأفتى هذا العالم باستحباب هذا الأمر، ولا يحتمل أن يكون هناك دليل آخر اعتمد عليه هذا العالم سوى هذا الحديث، ففي هذه الحال لو رأينا أنّ هذا العالم يقول بحجيّة الأخبار الضعيفة في مجال السنن والمستحبات من باب التسامح، ولهذا عمل بهذا الحديث فإنّ الذي لا يقول بالتسامح في أدلّة السنن لا يستطيع أن يستفيد من فتوى هذا العالم وغيره من أمثاله؛ لأنّ المستند عندما نستطيع تحديده ونكون مختلفين معه فيه، فلا يصبح لعمله أيّ قيمة من الناحية العلميّة، وهذا أمر مهم جدّاً كثيراً ما يقع الخطأ فيه؛ فإنّنا نلاحظ الكثيرين يعتمدون على كلمات العلماء في الأخذ بأحاديث الترغيب والترهيب وأحاديث فضائل الأعمال والسنن، ويظنّون أنّ الشهرة الاستنادية هنا كافية، دون أن ينتبهوا إلى أنّ الكثير من العلماء السابقين إنّما أخذوا بهذا الحديث أو ذاك من باب التسامح، لا من باب تصحيحه حتى يكون أخذهم معتبراً بالنسبة لنا.
الحالة الثالثة: أن تصبح هذه السيرة سيرة المتشرّعة كلّهم لا سيرة العلماء فقط، وهذا ما يسمّى بالسيرة المتشرّعية، وهو يشبه في أصول الفقه المالكي عند أهل السنّة ما يعرف بحجيّة عمل أهل المدينة. ويعني ذلك أن تكون المسألة سيرةً وعادة بين كلّ المتديّنين بحيث تكشف عن رأي المعصوم، وهذا ما يشترط فيه أن يكون معاصراً لزمن المعصوم عليه السلام، وإلا فالسير المتشرّعية الحادثة بعد ذلك لا قيمة لها إطلاقاً، فلو ظهرت سيرة متشرّعية اليوم بين المتديّنين في كيفية اللباس مثلاً، فإنّ هذه السيرة مهما قويت واستحكمت لا قيمة لها، ما لم تتصل تاريخيّاً بعصر النص؛ لتكشف عن صدورها عن المعصوم الذي هو المؤسّس لها، وهناك شروط عديدة في السيرة المتشرّعية، وكذلك في الشهرة الفتوائية والإجماع والشهرة العمليّة، لا مجال لتفصيلها الآن.
وبناءً عليه، فما نجده يتداول كثيراً على ألسنة بعض العلماء والخطباء والوعّاظ والمشايخ الكرام من إقناع الناس بأمرٍ ما (كدعاء أو زيارة أو ذكر أو مستحبّ أو عادة أو عرف أو أسلوب أو نمط عيش أو نحو ذلك) من خلال سيرة العلماء، غالباً ما يفتقد إلى رؤية علميّة، حيث لا يرجع إلى حجيّة الإجماع أو الشهرة الفتوائيّة أو السيرة المتشرّعية؛ فإنّ العلماء أنفسهم في مقام البحث العلمي لا يرضون بذلك، لاسيما وأنّ أكثر هذه الادّعاءات تعجز عن أن تثبت هذه العادات والسير العلمائيّة في العصور السابقة؛ وتجد أغلبها تأتيك من القرن السابع الهجري وما بعد، ممّا لا قيمة له، وإنّما هو اجتهادات أو تسامح في أدلّة السنن أو أعراف وتقاليد غير ملزمة أو مثبتة لحكم شرعي أو موقف ديني أو معتقد كلامي. من هنا لا أجد من الصحيح أن ننصّب أحداً ـ مهما علا شأنه ـ مكان المعصومين، لتصبح سيرته حجّة على الناس، ونستند إليها حيث نعجز عن إثبات ما نريده بالأدلّة الصحيحة المعتمدة، ومنذ القديم قيل: إنّ العلماء يحتجّ لهم لا بهم.
الحالة الأولى: أن يشتهر بينهم أو يطبقوا على فتوى معيّنة في مجال الاجتهاد الفقهي، فهنا قال بعض العلماء بأنّ إجماعهم حجّة، وقال بعض بأنّ الشهرة الفتوائيّة حجّة، ولكنّ حجية الإجماع وحجيّة الشهرة الفتوائيّة تعرّضتا لانتقادات كثيرة عند متأخّري العلماء، لاسيما منذ عصر الشيخ مرتضى الأنصاري (1281هـ)، وصولاً إلى يومنا هذا. وقد ساهم السيد أبو القاسم الخوئي (1413هـ) في تراجع نظريّتي الإجماع والشهرة الفتوائيّة بشكل كبير جدّاً. كما أنّ حجيّة الإجماع والشهرة تعملان في دائرة الاجتهاد الشرعي، ومن النادر توفّر شروطهما في دائرة الاجتهاد العقائدي أو الفلسفي أو غيره. وهنا قد تكون سيرة العلماء وأعرافهم كاشفة عن موقف فقهي معيّن، فلا تكون القيمة للسيرة والعرف بقدر ما هي لاشتهار موقفهم الفقهي، فمثلاً تقول بأنّ سيرة العلماء في التعامل مع الأخماس والزكوات هي كذا وكذا، الأمر الذي يكشف لنا عن موقف فقهي من وجوب أو تحريم كانوا يتبنّونه. هذا وقد استُخدم تعبير (سيرة العلماء) في الكتب الاستدلالية مشيراً ـ بحسب المآل ـ إلى الشهرة الفتوائية أو السيرة المتشرّعية أو نحوهما، لا إلى العادات والأعراف العمليّة لهم خاصّة، فليلاحظ جيّداً.
الحالة الثانية: أن تكون سيرتهم على العمل بحديث ضعيف السند، ومعنى العمل هنا ليس أنّهم يقومون بالفعل الذي يتحدّث عنه هذا الحديث، فمثلاً قد يأتي حديث ويحثّ على قراءة دعاء معيّن قبل النوم، وتقوم سيرة العلماء على قراءة هذا الدعاء قبل النوم، فمثل هذه السيرة لا قيمة علميّة لها، وإنّما المقصود من السيرة العمليّة أن يفتي العلماء بفتوى معيّنة مثلاً ونتأكّد من اعتمادهم في هذا الرأي على هذا الحديث الضعيف السند، وليس على أيّ دليل آخر مفترض أو محتمل، ففي هذه الحال كثير من العلماء إلى أنّ اعتماد العلماء على هذا الحديث الضعيف في الإفتاء يقوّيه ويصبح هذا الحديث معتبراً، ويسمّون ذلك بقاعدة الجبر السندي، وهي تقوم على شهرة الاستناد للحديث أو العمل به في مقام إبداء الرأي النهائي. وقد تعرّضت هذه النظريّة أيضاً لانتقادات، لاسيما من قبل الشهيد الثاني والسيد الخوئي، لكنّ الكثيرين من العلماء ما يزالون يعملون عليها في اجتهاداتهم الدينية. ويشترط لكي تكون هذه القاعدة نافذة أن لا يكون هذا العالم قد عمل بهذا الحديث من باب قوله بالتسامح في أدلّة السنن، مثلاً لو جاء حديث وتحدّث عن أمر مستحب مثلاً، وأفتى هذا العالم باستحباب هذا الأمر، ولا يحتمل أن يكون هناك دليل آخر اعتمد عليه هذا العالم سوى هذا الحديث، ففي هذه الحال لو رأينا أنّ هذا العالم يقول بحجيّة الأخبار الضعيفة في مجال السنن والمستحبات من باب التسامح، ولهذا عمل بهذا الحديث فإنّ الذي لا يقول بالتسامح في أدلّة السنن لا يستطيع أن يستفيد من فتوى هذا العالم وغيره من أمثاله؛ لأنّ المستند عندما نستطيع تحديده ونكون مختلفين معه فيه، فلا يصبح لعمله أيّ قيمة من الناحية العلميّة، وهذا أمر مهم جدّاً كثيراً ما يقع الخطأ فيه؛ فإنّنا نلاحظ الكثيرين يعتمدون على كلمات العلماء في الأخذ بأحاديث الترغيب والترهيب وأحاديث فضائل الأعمال والسنن، ويظنّون أنّ الشهرة الاستنادية هنا كافية، دون أن ينتبهوا إلى أنّ الكثير من العلماء السابقين إنّما أخذوا بهذا الحديث أو ذاك من باب التسامح، لا من باب تصحيحه حتى يكون أخذهم معتبراً بالنسبة لنا.
الحالة الثالثة: أن تصبح هذه السيرة سيرة المتشرّعة كلّهم لا سيرة العلماء فقط، وهذا ما يسمّى بالسيرة المتشرّعية، وهو يشبه في أصول الفقه المالكي عند أهل السنّة ما يعرف بحجيّة عمل أهل المدينة. ويعني ذلك أن تكون المسألة سيرةً وعادة بين كلّ المتديّنين بحيث تكشف عن رأي المعصوم، وهذا ما يشترط فيه أن يكون معاصراً لزمن المعصوم عليه السلام، وإلا فالسير المتشرّعية الحادثة بعد ذلك لا قيمة لها إطلاقاً، فلو ظهرت سيرة متشرّعية اليوم بين المتديّنين في كيفية اللباس مثلاً، فإنّ هذه السيرة مهما قويت واستحكمت لا قيمة لها، ما لم تتصل تاريخيّاً بعصر النص؛ لتكشف عن صدورها عن المعصوم الذي هو المؤسّس لها، وهناك شروط عديدة في السيرة المتشرّعية، وكذلك في الشهرة الفتوائية والإجماع والشهرة العمليّة، لا مجال لتفصيلها الآن.
وبناءً عليه، فما نجده يتداول كثيراً على ألسنة بعض العلماء والخطباء والوعّاظ والمشايخ الكرام من إقناع الناس بأمرٍ ما (كدعاء أو زيارة أو ذكر أو مستحبّ أو عادة أو عرف أو أسلوب أو نمط عيش أو نحو ذلك) من خلال سيرة العلماء، غالباً ما يفتقد إلى رؤية علميّة، حيث لا يرجع إلى حجيّة الإجماع أو الشهرة الفتوائيّة أو السيرة المتشرّعية؛ فإنّ العلماء أنفسهم في مقام البحث العلمي لا يرضون بذلك، لاسيما وأنّ أكثر هذه الادّعاءات تعجز عن أن تثبت هذه العادات والسير العلمائيّة في العصور السابقة؛ وتجد أغلبها تأتيك من القرن السابع الهجري وما بعد، ممّا لا قيمة له، وإنّما هو اجتهادات أو تسامح في أدلّة السنن أو أعراف وتقاليد غير ملزمة أو مثبتة لحكم شرعي أو موقف ديني أو معتقد كلامي. من هنا لا أجد من الصحيح أن ننصّب أحداً ـ مهما علا شأنه ـ مكان المعصومين، لتصبح سيرته حجّة على الناس، ونستند إليها حيث نعجز عن إثبات ما نريده بالأدلّة الصحيحة المعتمدة، ومنذ القديم قيل: إنّ العلماء يحتجّ لهم لا بهم.