السؤال: ما مدى صحّة الرواية التالية عن أمير الؤمنين عليه السلام: (المرأة إذا أحبّتك آذتك، وإذا أبغضتك خانتك، وربما قتلتك، فحبّها أذى، وبغضها داء بلا دواء)؟
الجواب: الكلام عن هذا الحديث من ثلاث جهات:
الجهة الأولى: في مصدره، ولم أعثر عليه في أيّ مصدر من مصادر الحديث والتاريخ والتفسير والفقه عند المسلمين قاطبة، إلا كتاباً واحداً وهو (شرح نهج البلاغة 20: 291)، لابن أبي الحديد المتوفّى عام 656هـ، أي بعد شهادة الإمام علي بأكثر من ستة قرون، فكيف غاب هذا الحديث كلّ تلك الفترة، ولم نجده إلا عند ابن أبي الحديد المعتزلي؟ ومن أين حصل عليه؟
الجهة الثانية: في سنده والطريق، وهو بلا سند أساساً كما هي عادة ابن أبي الحديد، حيث يُرسل الأحاديث كثيراً بلا أسانيد، وعليه فمن الصعب جدّاً التثبّت من صدور هذا الحديث بعينه.
الجهة الثالثة: في متنه وفقهه، وهنا نسأل: ما الغرض من وراء هذه اللغة المطلقة التي جاءت في هذا النصّ؟ يوجد ثلاثة احتمالات في تفسير ذلك:
الاحتمال الأوّل: أن يراد منه الإطلاق الحقيقي، بحيث إنّ حال كلّ النساء ذلك، وهذا واضح البطلان والفساد.
الاحتمال الثاني: أن يراد من إطلاقه المبالغة في الكثرة أو بيان الغلبة، وأنّ هذا هو حال أغلب النساء، أو أنّه كثير جدّاً. ولست أدري هل أغلب النساء إذا أحبّت آذت، بحيث لا نشير إلى أنّها إذا أحبّت نفعت؟! وهل أغلب النساء تخون إذا بغضت، مهما فسّرنا الخيانة؟! ولماذا لا نجد مثل هذا في الرجال حديثاً يتكلّم بهذه الطريقة؟ وكأنّ الرجال رُسُل السماء إلى الأرض، فكلّهم منزّهون! (مع العلم أنّ هذه الروايات كلّ رواتها رجالٌ، فليلاحظ هذا الأمر جيّداً، وقد تحدّثت عن ذلك عند بحثي عن مسألة تقليد المرأة، حيث يؤثر في القوّة الوثوقيّة بهذه الأحاديث نتيجة احتمال المصلحة بالنسبة للرواة هنا لكي يكذبوا) مع أنّ الرجال تكثر فيهم المعاصي والمفاسد وتغلب فيهم الشهوة واللهث خلف النساء، فلماذا جاءت هذه الأحاديث لتنسى كلّ هذا الواقع الذكوري، ولا تشير إليه إطلاقاً ـ تقريباً ـ بوصفه ظاهرة سلبية ذكوريّة، بينما أتت في المقابل (وأغلبيّتها الساحقة روايات بلا أسانيد أو ضعيفة الإسناد) لكي تتحدّث عن المرأة بوصفها جنساً خبيثاً من الناحية الأخلاقيّة (وهذا غير روايات نقص العقل فهي موضوع آخر)، فهل التديّن في الرجال أكثر منه في النساء؟! وإذا سقطت النساء في الحسد والغيرة والتباغض بينهنّ، ألم يسقط الرجال في الكثير الكثير من مثل هذا على مستوى مساحة عملهم في العمل والسياسة والمال والسلطة والوجاهة وغير ذلك؟! الموضوع يحتاج لكلام طويل، لكن أكتفي بهذا في التعليق على هذا الحديث بخصوصه، حيث إنّ هذه التساؤلات تربك إمكانية الوثوق بصدور مثل هذه الأحاديث التي تدين المرأة أخلاقيّاً بوصفها امرأة، لاسيما بعد ضعف أسانيد أغلبيّتها الساحقة.
الاحتمال الثالث: أن يراد بيان الاقتضاء، وأنّ الحالة الأوليّة في المرأة هي هذه، حتى لو لم يكن الأمر كذلك في الخارج دائماً ولا غالباً.
وسؤالي الاستفهامي حول الاحتمالات الثلاثة هذه وأمثالها، هل تتوافق مع الواقع؟ وهل تتوافق مع قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21)؟! ألا تقدّم هذه الآية النساءَ مسكناً للرجال وليس مكاناً لخيانة الرجل وأذيّته بوصف ذلك هو الطبع الأوّلي الذي تخرج المرأة والرجل عنه بالسلوك الخاطيء لا بالتكوين أو المقتضى الأولي للأمور؟ ألا تجعل هذه الآية العلاقة بين الطرفين علاقة مودّة ومحبّة منهما لبعضهما، فكيف انقلبت محبّة ومودّة المرأة التي تُحدّثنا عنها الآية ضمناً، إلى خيانة وقتل وأذيّة، كما يريد هذا الحديث أن يقول لو فسّرناه بالدوام أو الغلبة أو الاقتضاء الأوّلي؟! وهل يتوافق هذا مع تكرّر ذكر القرآن بأنّ المرأة خلقها الله من أنفسكم، فهي مثلكم ومنكم؟! وهل يتوافق هذا مع عرض القرآن للمرأة تارةً بوصفها ترتكب الشرّ مثل امرأة العزيز وزوجة نوح وزوجة لوط، وأخرى تفعل الخير والصلاح مثل زوجة فرعون ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها؟! فإذا وضعنا هذا المركّب القرآني (وغيره من الآيات) لا نجد استخلاصاً لصورة سلبية دائميّة أو غالبيّة أو اقتضائية تنحصر في المرأة دون الرجل، ولهذا عندما يتكلّم القرآن عن أغلب الناس وأكثر الناس فهو يتكلّم بصورة يُشرك فيها المرأة مع الرجل، ولا يقدّم لنا المرأة على أنّها تمتاز بحالة خاصّة في الخسران أو الانحراف، بل إذا كان هناك حالة سلبية فهي مشتركة.
هذا، وهناك تعليقات متعدّدة على هذا اللون من الأحاديث نتركها لمناسبة أخرى، وقد تعرّض لها العديد من العلماء المتأخّرين، وأنصح هنا بمراجعة الجهود المتفرّقة لكلّ من: العلامة الطباطبائي، والشيخ جوادي آملي، والشيخ محمد هادي معرفت، والسيد محمد حسين فضل الله، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، والشيخ مهدي مهريزي، والشيخ مرتضى مطهري، والدكتور علي شريعتي، والشيخ إبراهيم الجناتي، والشيخ يوسف الصانعي، والسيد محمد الموسوي البجنوردي، وغيرهم من العلماء والباحثين الكرام الذين فنّدوا هذا اللون من القراءات لموضوع المرأة في الحديث الشريف، ما لم يذهب شخص إلى ممارسة تأويل لهذه الأحاديث. والنتيجة: إنّ هذا الحديث غير معتبر وفقاً لقواعد النقد المتني والسندي ومعايير الصنعة الحديثية، والله العالم.