السؤال: تنتشر في مجتمعنا ظاهرة قراءة الدعاء عبر مكبّرات الصوت، حيث الصوت يكون مسموعاً عبر المكبّرات الصوتية الخارجيّة للقريب والبعيد، فهل هذه الظاهرة إيجابيّة، وخاصّة أنّ البعض يقبل بل ويحثّ عليها متذرّعاً بأنّها تخلق أجواءً روحانيّة في المجتمع؟ وما وظيفة الذي يصله صوت هذا الدعاء بحيث لا يكون مستهتراً أو متهاوناً في هذا الأمر، وخصوصاً إذا كانت له القدرة على التغيير؟
الجواب: هناك أكثر من نقطة:
أ ـ إنّ هذه الظاهرة هي ظاهرة صحّية وجيّدة، وأنا أوافق على أنّها تخلق جوّاً طيباً في المجتمع، مثل الأذان وقراءة القرآن والزيارات وغير ذلك، فإنّ ارتفاع المآذن بصوت الأذان ظاهرة اجتماعيّة حسنة، ولها تأثير نفسي وروحي، لا سيما على الأجيال الصاعدة التي تتربّى في ظلّ مناخ اجتماعي يعيش القضيّة الدينية، وهذا ما يلمسه الكثير من الإخوة الذين يعيشون في بلدان غير إسلاميّة بحيث لا يسمعون هذه الأصوات أبداً فعيشون حنيناً لها، حيث تجد بعضهم يعيش ذكرى هذا الجوّ الإيماني الطيّب الذي تربّى عليه في البلدان الإسلاميّة. ولا ينبغي لنا أن نعيش عقدةً فيما نفعل، حيث نرى بعض المؤمنين يشعرون وكأنّهم جسم منبوذ في المجتمع، وأنّ عليهم في كلّ شيء أن يتراجعوا حتى يرضى القلّة من الناس عن أفعالهم!!
ب ـ هذا الذي قلناه أعلاه مشروط بعدم إزعاج الناس أو إلحاق الأذى والضرر بهم، وهذا يختلف من منطقة إلى أخرى، ويختلف باختلاف أدائنا في المساجد والأماكن الدينية بحيث نحبّب الناس بهذا الجوّ الإيماني، ولا نثقل عليهم، وهذا يحتاج إلى سياسة حكيمة في هذا المضمار، أمّا لو كان رفع الأصوات موجباً لأذيّة الناس والضرر بها فهذا أمر مرفوض، وهو ما ترتكبه بعض الجهات المشرفة على المساجد أو الأماكن المقدسّة أو الحسينيات، بحيث ينفّرون الناس من الدين بدل أن يكونوا عنصر جذب لهم، فالدين يحتاج للرفق والليونة لا للشدّة والخشونة والقهر والفرض. وقد سبق لي أن أجبت بالتفصيل عن ظاهرة إزعاج الناس بمكبّرات الصوت في المسيرات والحسينيات والمساجد والأماكن الدينية، وبيّنا هناك سلبيّة هذا الأمر والمواقف الشرعيّة منه فليراجع.
ج ـ علينا أن نعمل على إقناع الناس بأن يتقبلوا هذا الجوّ الصوتي المتوازن والمعقول وغير المفرط وغير المؤذي، فبعض الناس ليست مشكلتهم مع الصوت بقدر ما هي مشكلتهم مع كونه صوتاً دينيّاً، ولهذا تراهم لا يتأذّون من الأغاني ومراكز الحفلات الصاخبة رغم أنّ الأذى فيها قد يكون أكبر في بعض الأحيان، وهنا علينا أن نعمل بلينٍ ورفق لترطيب نفوس الناس وتهيئتها لتقبّل أن نخلق هذا الفضاء الصوتي الإيماني بشكل متوازن وغير مؤذٍ، فإن قبلوا فبها ونعمت، وإن لحقهم الأذى كففنا عن أذية الناس.
د ـ لو ارتفع الصوت إلى الخارج لم يجب على الآخرين ممّن يصلهم الصوت أن يشاركوا معه، ولا يعدّ عدم مشاركتهم استهتاراً إلا في حالات قليلة ونادرة تحتاج لتأمّل وتدقيق، ولكن لو لم يتمكّن الإنسان من المشاركة في المسجد ـ وهي المشاركة الأفضل ـ فإنّ بإمكانه أن يشارك مع الصوت الآتي من المساجد، ويكون ذلك منه فعلاً طيباً، وإلا فليس عليه بأس ولا يكون قد فعل حراماً أو قبيحاً.