• الرئيسية
  • السيرة الذاتية
  • الكتب والمؤلفات
  • المحاضرات والدروس
  • المقالات
  • الحوارات واللقاءات
  • المرئيات
  • الأسئلة والأجوبة
  • لغات اُخرى
  • تطبيق مؤلفات حب الله
  • آراء
الموقع الرسمي لحيدر حب الله
الاجتماعية والأخلاقية التاريخ والسيرة الفقهية والشرعية الفكرية والثقافية الفلسفية والكلامية القرآنية والحديثية
# العنوان تاريخ النشر التعليقات الزائرين
173 هل دعاء صنمي قريش ثابت ومعتبر؟ 2014-12-11 5 39770

هل دعاء صنمي قريش ثابت ومعتبر؟

السؤال: ما هو رأي سماحتكم في دعاء صنمي قريش؟

الجواب: ورد هذا الدعاء في كتاب (المحتضر) للشيخ الحسن بن سليمان الحلّي المتوفّى في القرن التاسع الهجري، فقد قال: (وقد روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قنت في صلاته بقوله: اللّهمّ العن صنمي قريش.. الخ) (المحتضر: 71)، وقال في موضع آخر: (وممّا يدلّ على ما قلناه من أنّهما كانا منافقَين غير مؤمنَين، ما سُمع من قنوت مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وهو هذا: اللّهمّ [صلّ على محمد وآل محمد و] العن صنمي قريش، وجبتيهما، وطاغوتيهما، وإفكيهما وابنتيهما، اللَّذَينِ خالفا أمرك..) (المحتضر: 111 ـ 113).
ويعرف مصدر الدعاء اليوم بأنّه يعود للشيخ إبراهيم الكفعمي المتوفى عام (905هـ)، حيث قال: (ثم ادع بهذا الدعاء المرويّ عن علي عليه السلام: اللهم صلّ على محمد وآل محمد، والعن صنمي قريش وجبتيها وطاغوتيها وإفكيها وابنيهما [وابنتيهما] اللذين خالفا أمرك، وأنكرا وحيك، وجحدا إنعامك، وعصيا رسولك، وقلبا دينك، وحرّفا كتابك، وأحبّا أعداءك، وجحدا آلاءك، وعطّلا أحكامك، وأبطلا فرائضك، وألحدا في آياتك، وعاديا أولياءك، وواليا أعداءك، وخرّبا بلادك، وأفسدا عبادك. اللهم العنهما وأتباعهما وأولياءهما وأشياعهما ومحبّيهما؛ فقد أخربا بيت النبوة، وردما بابه، ونقضا سقفه، وألحقا سماءه بأرضه، وعاليه بسافله، وظاهره بباطنه، واستأصلا أهله، وأبادا أنصاره، وقتلا أطفاله، وأخليا منبره من وصيّه، ووارث علمه، وجحدا إمامته، وأشركا بربّهما، فعظم ذنبهما، وخلّدهما في سقر، وما أدراك ما سقر، لا تبقي ولا تذر. اللهم العنهم بعدد كلّ منكر أتوه، وحقّ أخفوه، ومنبر علوه، ومؤمن أرجوه، ومنافق ولّوه، ووليّ آذوه، وطريدٍ آووه، وصادق طردوه، وكافر نصروه، وإمام قهروه، وفرض غيّروه، وأثر أنكروه، وشرّ آثروه، ودم أراقوه، وخير بدّلوه، وكفر نصبوه، وإرث غصبوه، وفيء اقتطعوه، وسحت أكلوه، وخمس استحلّوه، وباطل أسّسوه، وجور بسطوه، ونفاق أسرّوه، وغدر أضمروه، وظلّ نشروه، ووعد أخلفوه، وأمان خانوه، وعهد نقضوه، وحلال حرّموه، وحرام أحلّوه، وبطن فتقوه، وجنين أسقطوه، وضلع دقّوه، وصكّ مزّقوه، وشمل بدّدوه، وعزيز أذلّوه، وذليل أعزّوه، وحقّ منعوه، وكذب دلّسوه، وحكم قلبوه. اللهم العنهم بكلّ آية حرّفوها، وفريضةٍ تركوها، وسنّة غيّروها، ورسوم منعوها، وأحكام عطّلوها، وبيعةٍ نكسوها، ودعوى أبطلوها، وبيّنة أنكروها، وحيلة أحدثوها، وخيانة أوردوها، وعقبة ارتقوها، ودباب دحرجوها، وأزياف لزموها، وشهادات كتموها، ووصيّة ضيّعوها. اللهم العنهما في مكنون السرّ وظاهر العلانية لعناً كثيراً أبداً دائماً دائباً سرمداً، لا انقطاع لأمده، ولا نفاد لعدده، لعناً يغدو أوّله ولا يروح آخره، لهم ولأعوانهم وأنصارهم ومحبّيهم ومواليهم والمسلّمين لهم، والمائلين إليهم، والناهضين باحتجاجهم، والمقتدين بكلامهم، والمصدّقين بأحكامهم. ثم قل أربع مرات: اللهم عذّبهم عذاباً يستغيث منه أهل النار. آمين ربّ العالمين) (المصباح: 552 ـ 553).
وقد نقل المحدّث النوري (1329هـ) والعلامة المجلسي (1111هـ) عن الكفعمي في البلد الأمين، عن عبد الله بن عباس، عن عليّ عليه السلام، أنّه كان يقنت به ـ أي بدعاء صنمي قريش ـ وقال: إنّ الداعي به، كالرامي مع النبيّ صلّى الله عليه وآله في بدر وأحد، بألف ألف سهم (مستدرك الوسائل 4: 405؛ وبحار الأنوار 82: 260).
وقال العلامة المجلسي (1111هـ): (ودعا صنمي قريش مشهور بين الشيعة، ورواه الكفعمي عن ابن عباس، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقنت به صلاته، وسيأتي في كتاب الصلاة إن شاء الله، وهو مشتمل على جميع بدعهما، ووقع فيه الاهتمام والمبالغة في لعنهما بما لا مزيد عليه) (بحار الأنوار 30: 394). وقال المجلسيّ أيضاً ـ بعد بيانه بعض الشرح لفقرات الدعاء ـ: (ثم إنّا بسطنا الكلام في مطاعنهما في كتاب الفتن، وإنّما ذكرنا هنا ما أورده الكفعمي؛ ليتذكّر من يتلو الدعاء بعض مثالبهما لعنة الله عليهما وعلى من يتولاهما) (بحار الأنوار 82: 268).
وقال الشيخ الأنصاري (1281هـ) في مباحثه في الصلاة: (.. مضافاً إلى ورود بعض الأدعية المشتملة على هذه الكلمة، كدعاء صنمي قريش الذي كان يقنت به أمير المؤمنين عليه السلام..) (كتاب الصلاة 1: 415 ـ 416).
ويقول السيد عبد الحسين اللاري (1342هـ): (.. بل كان عليّ عليه السلام يقنت بلعن صنمي قريش في كلّ غدا) (التعليقة على المكاسب 1: 232).
وقال السيد المرعشي النجفي (1411هـ): بعد ذكره لبعض أسماء شروح هذا الدعاء: (وبالجملة صدور هذا الدعاء مما يطمئنّ به، لنقل الأعاظم إيّاها في كتبهم واعتمادهم عليها) (شرح إحقاق الحقّ 1: 337).
ويعلّق السيد صادق الشيرازي المعاصر على بحث القنوت من كتاب شرائع الإسلام للمحقّق الحلّي بالقول: (وأفضلها ـ كما صرّح كثير ـ هو كلمات الفرج (لا إله الله الحليم الكريم)، وقد مرّ ذكره في كتاب الطهارة عند رقم (187)، ولعلّ الأفضل من الجميع دعاء صنمي قريش) (شرائع الإسلام 1: 71، التعليقة رقم 230، للسيد صادق الشيرازي). وقد تصوّر بعضهم أنّ هذا الكلام هو للمحقّق الحلّي مع أنّه غير صحيح، بل هو للسيد صادق الشيرازي، وإلا فالمحقّق الحلّي لم نعثر له في أيّ من كتبه المتوفّرة على شيء يتصل بدعاء صنمي قريش.
وقد نقل السيد ابن طاووس دعاءً يلتقي مع بعض فقرات هذا الدعاء، ويختلف عنه في كثير من الفقرات الأخرى بل أكثرها (انظر: مهج الدعوات: 257 ـ 258)، وذكره عنه الكفعمي في (المصباح: 553 ـ 555) بعد ذكره لدعاء صنمي قريش.
وقد صنّف بعض علماء الشيعة (ما يزيد عن عشرة علماء) كتباً ورسائل في شرح هذا الدعاء، ذكر أغلبهم الشيخ آغا بزرك الطهراني فقال: (شرح دعاء صنمي قريش، للشيخ أبي السعادات أسعد بن عبد القاهر، أستاذ المحقّق الخواجة نصير الطوسي وغيره واسمه: رشح الولاء في شرح الدعاء..
شرح دعاء صنمي قريش، للمولى علي العراقي، ألّفه سنة 878ه‍. ذكره في الرياض، وقال: إنّه فارسي، رأيته باسترآباد، وألّفه هو في قصبة جاجرم.
شرح دعاء صنمي قريش، فارسي، للفاضل عيسى خان الأردبيلي.
شرح دعاء صنمي قريش، فارسي، ليوسف بن حسين بن محمّد النصير الطوسي الأندرودي، أوّله: الحمد لله ربّ العالمين.. الخ، رأيته عند العلامة أبي المجد الشيخ آغا رضا الإصفهاني.
شرح دعاء صنمي قريش، اسمه: ذخر العالمين، كما مرّ في محلّه..
شرح دعاء صنمي قريش، فارسي، في غاية البسط، يقرب من مجمع البحرين، يوجد عند المحدّث الميرزا عبد الرزاق الهمداني، كما حدّثني به.
شرح دعاء صنمي قريش، اسمه: نسيم العيش..
شرح دعاء صنمي قريش، أبسط عبارةً من (رشح الولاء)، وهو موافق معه في المطالب، لم يذكر فيه اسم التأليف ولا اسم مؤلّفه، كان عند المولى مهدي القزويني صاحب (ذخر العالمين) حين تأليفه له في سنة 1119ه‍. كما ذكره في أولّه، ولعله بعينه (ضياء الخافقين) الآتي في حرف الضاد.
شرح دعاء صنمي قريش، لشيخنا الميرزا محمد علي المدرّس الچهاردهي النجفي، كان بخطّه عند حفيده مرتضى المدرسي..) (الذريعة 13: 256 ـ 257).
هذا، وقد انتقدت بعض الشخصيّات المعاصرة هذا الدعاء انطلاقاً من اعتبارات مختلفة لكلّ منها، وهناك ردود على هذه الشخصيات أيضاً يمكنكم مراجعتها.
ولكي ندرس هذا الدعاء نتوقّف عند نقاط:
1 ـ يبدو أنّه لم تكن بداية ظهور هذا الدعاء في العصر الصفوي، بل كان موجوداً قبله، وأقدم شرحٍ له هو شرح الشيخ أبي السعادات أسعد بن عبد القاهر الإصفهاني، أستاذ المحقّق الخواجة نصير الطوسي وغيره، واسمه: رشح الولاء في شرح الدعاء. فما يقال من أنّ هذا الدعاء إنّما عُرف في العصر الصفوي غير صحيح، بل يعود ـ في أبعد مدى منظور ـ إلى بدايات القرن السابع الهجري، بل رواية الكفعمي والحسن بن سليمان الحلّي وشرح الأندرودي وعلي العراقي له تؤكّد ذلك؛ لأنّهم جميعاً توفّوا قبيل ظهور الدولة الصفويّة. فما يتردّد على بعض الألسن من أنّ هذا الدعاء من إفرازات العصر الصفوي، وأنّ الشيعة لا تعرفه قبل ذلك غير صحيح أو غير مؤكّد على أقلّ تقدير. نعم الشيء المؤكّد هو أنّ الاهتمام به ارتفع نسبيّاً بين الشيعة منذ العصر الصفوي، فتعدّدت شروحه وتعدّد ذكره في بعض الكتب هنا وهناك، في حين ندر أن نجده في الكتب القديمة المتوفّرة بين أيدينا.
2 ـ إنّ أقدم مصدر متوفّر لنا اليوم لنصّ هذا الدعاء هو كلام الشيخ الكفعمي وكلام الحسن بن سليمان الحلّي، وكلاهما في القرن التاسع الهجري، ولا يوجد أيّ سند إطلاقاً لهذا الدعاء، ولا ذكر أيّ مصدر تمّ أخذ الدعاء منه وصولاً إلى ابن عباس عن علي عليه السلام، فلا نعرف كيف وصل هذا الدعاء إلى الكفعمي والحلّي والإصفهاني، وتفصلهم عن زمن صدوره حوالي 600 سنة (الإصفهاني) أو 800 سنة (الحلّي والكفعمي) في الحدّ الأدنى. إنّ فاصل ستة قرون أو ثمانية قرون تحتاج للكثير من الجهد لردم هوّتها على مستوى الإثبات التاريخي والحديثي، والكلام العاطفي أو التسامحي أو الجدلي لا ينفع هنا، بل الأمر بحاجة إلى معطيات ووثائق وقرائن علميّة.
3 ـ ذكر الملا محمد مهدي النراقي (1209هـ) ما ترجمته المضمونية عن اللغة الفارسيّة: أنّ هذا الدعاء بلغ مستوى اليقين بانتسابه إلى أمير المؤمنين، وأنّ عدول مشايخ الشيعة قاموا برواية هذا الدعاء بطرق معتبرة عن علي عليه السلام (شهاب ثاقب: 29)، وقد تقدّم آنفاً ما نقلناه عن العلامة المجلسي من أنّ هذا الدعاء مشهورٌ بين الشيعة (بحار الأنوار 30: 394)، وفي هذه الحال من الممكن للإنسان أن يقوّي صدور هذا الدعاء.
لكنّ هذه المحاولة التي تتداول اليوم أيضاً غير واضحة؛ فالشيخ النراقي لم يذكر لنا هذه الطرق المعتبرة التي تحدّث عنها، ولا نعرف أين هي هذه الطرق؟ وفي أيّ كتابٍ من كتب الشيعة وردت؟ وكلّ ما وصلنا حول هذا الدعاء ـ بما في ذلك كلام المجلسي عنه وكلام المحدّث النوري، وهما المتتبّعان الكبيران في عالم الرواية الشيعيّة ـ لم يبيّن لنا أيّ طريق، فلو كان هناك طريق أو طرق (أو مصادر قديمة) لهذا الدعاء، لبيّنها كلّها أو بعضها المجلسيُّ والنوري (والفيض الكاشاني والحرّ العاملي، وهما لم يذكرا الدعاء أساساً) وأمثالهم من رجال الموسوعات الحديثية الشيعيّة الضخمة بالغة الاستقصاء، بدل أن ينقل المجلسي والنوري لنا الدعاء عن الكفعمي برواية مرسلة تبعد عن عصر النصّ العلوي أكثر من ثمانمائة عام، فما دمنا لم نتعرّف على هذه الطرق والمصادر الأولى، ولا على هذه الكتب، فلا نتمكّن من التأكّد من صحّتها، بل تبقى هذه دعوى تحتاج لإثبات، فلماذا لم ينقل المجلسي هذا الدعاء عن مصدر قديم لو وصله مصدرٌ قديم فعلاً واكتفى بنقله عن مصدر متأخّر جداً بالنسبة إلى عصره وهو الشيخ الكفعمي؟! إنّ هذه شواهد على أنّ أحداً من كبار العلماء في العصر الصفوي لم يصله هذا الدعاء من مصدر قديم أساساً، وفقاً لما توفّر لنا من كتب هذا العصر.
ودعوى أنّ كلّ ما في كتاب مصباح الكفعمي صحيح؛ لأنّه نقله عن كتب معتمدة، غير صحيحة رجاليّاً، وقد فنّدها الباحث الرجالي الشيخ مسلم الداوري في كتابه (أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق: 217 ـ 220)، فليراجع، والمعروف بين علماء الرجال والحديث الشيعة عدم ثبوت هذه الدعوى، فالكفعمي من المتأخّرين جداً من حيث الزمان، وإفاداته التوثيقيّة أو التصحيحيّة في مقدّمة كتبه غير ملزمة لسائر العلماء، لاسيما بعد انكشاف مصادره للمحقّقين والتي أخذ منها مرويّاته، ومنها مصادر فقهيّة متأخّرة، وليست حديثية أصلاً، وكثير منها مراسيل، وهذا ما أضعف ـ عندهم ـ من إفادة كلامه التوثيق العام أو التصحيح المعتبر والحجّة بالنسبة لنا، فهذا مثل أن يكتب شخصٌ اليوم كتاباً ويقول فيه بأنّ هذه الروايات التي في كتبي صحيحة معتبرة عندي، فإنّ تصحيحه اجتهاديّ لا يُلزم سائر المجتهدين، كما هو واضح. ويمكن مراجعة كلام الباحثين في علم الرجال حول هذا الموضوع.
ولعلّ للشيخ النراقي (الذي توفّي قبل حوالي المائتي عام فقط) والمعروف بمنهجه الأخلاقي، لعلّ له قناعات خاصّة في إثبات الحديث لا تتوافق مع النقد الحديثي والتاريخي والرجالي أساساً، أو لعلّه اعتمد على قناعته الراسخة بصحّة المضمون فدفعه ذلك لليقين بالصدور، حيث لم يبيّن لنا مناشئ يقينه حتى نحاكمها علميّاً، ويقينه حجةٌ له وعليه، ولا يمكن أن يُلزم سائر الباحثين كما هو واضح، تماماً مثل يقين السيد المرعشي النجفي المعاصر لزماننا والذي يحتمل أنّه انطلق من يقينه بصحّة مضمون هذا الدعاء. والمفترض بالباحث أن يحقّق لا أن يقلّد هؤلاء العلماء المتأخّرين، مع الاعتراف بجلالتهم ومقامهم رضوان الله عليهم، وهذا هو منهج العلماء والفقهاء المتأخّرين فيما بينهم، فهم يحترمون يقين بعضهم، لكنّها لا يرونه حجةً في حدّ نفسه ما لم يعرفوا مناشئه عند الطرف الآخر، ويقتنعوا بها.
كما أنّ شهرة هذا الدعاء بين الشيعة ـ كما يقول العلامة المجلسي ـ لا تعني شهرته بين القدماء، إذ لعلّه ناظرٌ إلى زمنه وما هو قريب منه، وإلا فلماذا لا نجد هذا الدعاء في كتب المتقدّمين من علماء الشيعة حتى القرن السابع الهجري؟! بل حتى بعد القرن السابع الهجري قلّما وجدناه إلى زمن الكفعمي، وأين الدليل على شهرته بين الشيعة وهو لا عين له ولا أثر في كتبهم القديمة المتوفّرة؟! كما أنّ الشهرة بين الشيعة هنا لا تُثبت الحديث من الناحية التاريخيّة؛ لأنّ هذا دعاء، والدعاء من السنن، وما أكثر السنن التي اشتهرت وقويت العادة الجارية فيها ولم تثبت بطريق معتبر ولو من خلال تعاضد الأسانيد، بل ناقشها الفقهاء والعلماء أنفسهم فيما بعد، وإنّما اشتهرت بقاعدة التسامح في أدلّة السنن التي أخذ بها المشهور، فاشتهار الدعاء ـ لو ثبت تاريخيّاً ـ يمكن أن ينشأ من تسامحهم في أدلّة السنن، وليس من الضروري أن ينشأ من ثبوته التاريخي والحديثي عندهم بطريقة معتبرة، فمن لا يقول بقاعدة التسامح ـ مثل السيد الخوئي والمحدّث البحراني والسيد محسن الحكيم والشيخ جواد التبريزي والشيخ الوحيد الخراساني والسيد علي السيستاني والشيخ إسحاق الفياض والسيد محمد باقر الصدر والسيد محمود الهاشمي والشيخ ناصر مكارم الشيرازي والسيد الخميني والسيد محمد الروحاني والسيد العاملي صاحب المدارك ـ لا يكون ملزماً بهذه الشهرة الناشة عن قاعدة لا يؤمن هو بها.
ومن هنا، فالقول بأنّ سيرة العلماء المتأخّرين قامت على هذا الدعاء ـ وهو قول يحتاج بنفسه إلى دليل وإثبات ـ لا يصيّر هذا الدعاء صحيحاً وثابتاً؛ إذ لعلّهم بنوا في ذلك على التسامح في أدلّة السنن مع قناعتهم بمضمون الدعاء وعدم مخالفته للقرآن وأصول المذهب من وجهة نظرهم. وبحثنا هنا في الإثبات التاريخي لصدور هذا الدعاء من أمير المؤمنين، وإلا فمن يقول بقاعدة التسامح أو يقلّد من يقول بها يمكنه الدعاء بهذا الدعاء استحباباً نتيجة هذه الرواية بلا أيّ إشكال، ما لم يعتقد الفقيه بأنّ هذا الدعاء معلوم الكذب على لسان أمير المؤمنين؛ فإنّ قاعدة التسامح عندهم لا تجري عادةً في معلوم الكذب. وبهذا ايضاً يمكن تفسير وجود ما يزيد عن العشرة من شروح هذا الدعاء، فإنّ العالم الذي لا يرى مشكلةً في متن هذا الدعاء، ويبني ـ كما هو المشهور ـ على قاعدة التسامح، لا ضير بالنسبة إليه في أن يشرح هذا الدعاء؛ فلا يكون شرحه دليلاً على ثبوته التاريخي عنده بالضرورة (أي ثبوت أنّ الأمير قد دعا به بالفعل أو كان من عادته الدعاء به)، بل المسألة تحتمل وجهين، وقد يكون ثبوته التاريخي حاصلاً عنده، لكنّ هذا الثبوت نشأ من حيث قناعته بصحّة المضمون لا من حيث تناقل هذا الدعاء جيلاً بعد جيل بوسائل النقل التاريخي المتعارفة، أو بالعثور على مصادر قديمة له بالضرورة، فليلاحظ جيداً.
وأمّا ما قاله بعض المعاصرين من أنّه دعاءٌ مجرّب، فهذا لا تعليق عندي عليه، فمن ثبت عنده بهذه الطريقة صحّة الأدعية، فهو حجّة له وعليه.
4 ـ قد يقال بأنّ مضمون هذا الدعاء حقّ، وأنّ الشيعة تؤمن به، ممّا يقوّي الصدور.
والجواب: إنّنا لا نتكلّم في الوقائع التاريخيّة التي احتواها الدعاء، فهذا يحتاج لمراجعات كثيرة في كلّ فقرة، وقد يوافق الباحث على هذه الفقرة وقد يخالف في تلك، إنّما الكلام في أنّ هذا المضمون هل صاغه أهل البيت على طريقة دعاءٍ ولعن، لاسيما في الصلوات؟ وهل أسّسوا لمنهج الدعاء بمثل هذا النصّ أم لا في الصلوات ونحوها أو خارجها؟ وهذا شيء لا تكفي فيه مسألة إثبات الوقائع التاريخيّة، بل هي أمر إضافي يتصل بمنهج تربوي في ممارسة هذا النمط من الأدعية أو في إثبات حكم شرعي باستحباب مثل هذا الدعاء في القنوت مثلاً. ولمزيد توضيح نحن نعرف أنّ فرعون فعل كذا وكذا بنصّ القرآن الكريم، فهل إذا جاءتنا رواية تقول بأنّ النبيّ دعا على فرعون بقوله في القنوت: اللهم العن فرعون الذي عذّب بني إسرائيل لعناً عظيماً، وكانت الرواية ضعيفة السند جدّاً، يمكننا أن نصحّح صدور اللعن من النبي في القنوت لمجرّد أنّ فرعون قد ثبت أنّه ظلم بني إسرائيل فعلاً؟! إنّ ما نحن فيه من هذا النوع، فليس البحث في صحّة ما تخبر عنه الرواية هنا من وقائع فقط، بل في صحّة صدور هذا النصّ ـ بوصفه دعاءً ـ عن الإمام علي عليه السلام، هذا ما نريد أن نبحث في المعطيات العلميّة التي تفيد إثباته التاريخي، وليس الوقائع التاريخيّة ولا أصل مسألة اللعن بقول مطلق، فهذان بحثان مختلفان تماماً عمّا نحن بصدده هنا، فأرجو التمييز للتدقيق فيما نبحث فيه هنا حول صحّة صدور هذا الدعاء، واستحبابه بعنوانه في الصلاة، لا صحّة المضمون.
هذا، ورغم أنّني لم أجد عالماً شيعيّاً بارزاً خصّص دراسةً لنقد هذا الدعاء، بل قد يكون من النادر العثور على تصريحات ناقدة له من كبار العلماء الشيعة، إلا أنّ بعض الفضلاء والباحثين تحفّظوا فيما يخصّ متنَ هذا الدعاء، فقالوا بركاكة تعابيره البلاغيّة بما لا ينسجم مع مستوى البيان العلوي في نهج البلاغة وأمثاله. وقالوا بأنّ فيه ما يخالف الثابت، مثل كلامه عن أنّهما حرّفا القرآن الكريم (وحرّفا كتابك.. اللهم العنهم بكلّ آية حرّفوها..) ، الأمر الذي يخالف صيانة القرآن من التحريف والثابتة بالأدلّة القطعيّة. ولكنّ هذا الإشكال لا يعسر على المدافع عن هذا الدعاء أن يردّه، ولو بحمل التحريف على التحريف المعنوي، كما فعلوا ذلك في الكثير من روايات التحريف المعروفة. وبحثه يمكن مراجعته في المطوّلات من البحوث القرآنيّة، فلا نطيل هنا. كما أنّ تعبير (واستأصلا أهله، وأبادا أنصاره، وقتلا أطفاله)، اعتبره بعضهم غير منسجم مع تاريخ أبي بكر وعمر، بل هو منسجم أكثر مع العصر الأموي الذي ارتكب مجزرة كربلاء، ومن ثمّ يبعد صدوره عن الإمام عليّ عليه السلام. ولكلّ شخص قراءته لمتن الدعاء وتقويمه له، فبعضهم يعتبره قليلاً في حقّ الرجلين، وبعضهما يعتبره صورةً في غاية المبالغة عن ما فعلاه، ونحن لا نخوض في هذا الأمر حاليّاً.
5 ـ إنّ ما يخفّف من إمكان الوثوق بصدور هذا الدعاء ـ وهذا عبارة عن قرينة تستحقّ التوقّف عندها ـ هو عدم وجود عين ولا أثر ولا حتى إشارة لهذا الدعاء في كتب الشيعة بمذاهبها في القرون الستة الهجريّة الأولى إطلاقاً وفقاً لما وصلنا منها، رغم جهود ضخمة بُذلت للوصول إلى معلومات قديمة من طرف مناصري هذا الدعاء، فلم يذكر في الكتب الأربعة ولا في كتب الصدوق ولا المفيد ولا المرتضى ولا الطوسي ولا الطبري الشيعي ولا غيرهم، بل حتى الطوسي لم يذكره في كتاب المصباح المخصّص للمندوبات والأدعية والسنن، رغم أنّ في هذه الكتب الكثير من الطعن في الخلفاء الثلاثة الأوائل. كما لم يذكره المشهدي في مزاره إطلاقاً، بل لعلّه من الغريب أنّ السيد ابن طاووس رغم أنّ أستاذه (وأستاذ نصير الدين الطوسي) الشيخ أسعد بن عبد القاهر الإصفهاني هو شارح هذا الدعاء كما تقدّم، وقد أخذ عنه ابن طاووس وتلمّذ على يديه، ورغم أنّ السيد ابن طاووس كتب كثيراً في الأدعية والمستحبّات، وربما لم يترك شاردة ولا واردة إلا أشار إليها في هذا المجال، ورغم روايته خبر الرضا عليه السلام الذي يشترك مع هذا الدعاء في بعض فقراته، مع ذلك كلّه لم يذكر هذا الدعاء إطلاقاً، ولم يُنقل عنه قول فيه أبداً، ممّا يضع علامات استفهام كبيرة، فلو كان أستاذه صاحب شرح على هذا الدعاء، لماذا لم ينقل أصل الدعاء في كتبه التي حوت موسوعة من الأدعية والمندوبات والصلوات والأذكار وما يقال في القنوت وغير ذلك؟! والسيد ابن طاووس كان على علم بهذا الشرح الذي كتبه اُستاذه، وكان الشرح بين يديه، واستفاد منه في غير موضع، وهو يذكره بقوله: (الباب الرابع والثمانون بعد المائة: فيما نذكره من تسمية مولانا علي عليه السلام إمام المتقين، وفيه إشارة إلى ضلال من خالفه بعد النبي صلى الله عليه وآله. رويناه من كتاب (رشح الولاء في شرح الدعاء) تأليف الحافظ أسعد بن عبد القاهر الإصفهاني) (اليقين: 118، 473)، ورغم أنّه لا يسمّي الدعاء الذي شرحه الإصفهاني باسم دعاء صنمي قريش، خلافاً للتسمية السائدة لكتاب الإصفهاني وهي (رشح الولاء في شرح دعاء صنمي قريش)، ورغم أنّه ينقل عنه بعض الروايات التي وردت في الشرح، لكنّنا لم نجده ينقل عنه نفس الدعاء (دعاء صنمي قريش) في أيّ من كتبه، رغم ما عُرف عن ابن طاووس من التسامح في أدلّة السنن ونقل الأدعية والروايات والمندوبات.
6 ـ إنّه قد تناقل بعضهم تأييد الإمامين: الخوئي والخميني، لهذا الدعاء، وأنّهما صرّحا بذلك، وأنّ السيد الخميني كان يدعو به كلّ صباح، وبعد التتبّع الكثير لم أجد شيئاً من هذا في كتبهما أو فيما نقل مدوّناً عنهما، والعلم عند الله، بل يكاد يكون من النادر أن نجد تصريحاً من المراجع والفقهاء في القرن الأخير بصحّة هذا الدعاء، وهذا لا يمنع من أن يكونوا قائلين بصحّته لكنّهم لا يصرّحون، وربما كانوا لا يرون صحّته، أو يتوقّفون في أمره، أو هم ساكتون عنه غير مبالين به. ومن هنا لا يمكننا التكهّن بلا بينة ولا دليل لا للسلب ولا للإيجاب.
وربما لهذا كلّه، لم يذكر الشيخ عباس القمّي ولا السيد محسن الأمين العاملي هذا الدعاء، لا في مفاتيح الجنان، ولا في مفتاح الجنّات، والله العالم.
وعليه، فمن لا يرى مشكلة في متن هذا الدعاء من حيث نفس المضمون، بعيداً عن الشعارات السياسيّة وعناوين الوحدة الإسلاميّة وأمثالها، ويقول بقاعدة التسامح في أدلّة السنن بالطريقة التي بنى عليها جماعة من العلماء، فيمكنه قراءة هذا الدعاء وفقاً لاجتهاده أو تقليده، أمّا من لا يرى هو أو مرجعه هذه القاعدة أو يراها ولكن لديه قناعة علميّة بكذب هذا الدعاء مثلاً ووضعه على لسان أمير المؤمنين ـ وإثبات وضع الحديث يحتاج أيضاً إلى دليل، كما يحتاج إثبات صدوره ـ فلا دليل على استحباب هذا الدعاء عنده، أمّا الإثبات التاريخي لهذا الدعاء بطريقة حديثية أو تاريخيّة، ولو من غير طريق مصطلح الصحيح الحديثي، فهو ـ بنظري القاصر ـ غير واضح أبداً، والعلم عند الله.

5 تعليق

  1. يقول احمد الفاطمي:
    2014-12-21 23:56:27 الساعة 2014-12-21 23:56:27

    اللهم صل على محمد وال محمد : الله الله الله
    انا منبهر من دقة ورصانة هذا الإستدلال العلمي الرصين.
    وفقك الله سماحة الشيخ ، ويا حبذا لو أصدرت كتابا او كتيبا تتناول فيه هذا الدعاء تاريخيا ، وفقهيا ، ومعنويا،وغيرها.
    اسالك الدعاء

  2. يقول اسعد الجابري:
    2016-02-12 12:15:03 الساعة 2016-02-12 12:15:03

    سماحة العلامة الشيخ حب الله حفظه الله
    بالنسبة الى جوابكم عن سؤال بخصوص دعاء صنمي قلتم ان اقدم نص هو للكفعمي 905 هجرية بينما ذكرتم ان لاصحة لما ذكر بأن الحديث ظهر في ايام حكم الصفويين باعتبار ان ابن ابي السعادات قد شرحه قبل ايام الصفويين
    والسؤال هو :
    هل ان هذا الشرح ثابت عن أستاذ نصير الدين الطوسي و ابن طاووس ام لا ؟؟

  3. يقول هدى:
    2017-06-03 09:26:53 الساعة 2017-06-03 09:26:53

    السلام عليكم،

    شكراً جزيلاً شأيها الشيخ. أحسنت في تناول هذا الموضوع. أشكر لك دقتك و حياديتك و إشمالك لمصادر كثيرة.

    أفدتني، أفادك الله و زادك علماً.

    اللهم صَلِّ على محمد و آله.

  4. يقول عماد:
    2018-02-13 22:44:07 الساعة 2018-02-13 22:44:07

    دعاء صنمي قريش
    أولا : أول من قال به هو الكفعمي من وفيات القرن العاشر 905 هجري؛ فكيف يروي عن ابن عباس في القرن الاول، فبينهما 800 سنة؟!
    من أين جاء به ولم يذكر أن أحدا قبله ذكره في كتاب ؟!
    وكل من رواه أخذه عنه ومنهم المجلسي، فلا عبرة!
    ثانيا: لا سند له فهو لا أصل له وليس ضعيفا حتى نتساهل به في باب السنن.
    ثالثا: متنه متناقض إذ أن من يدعو به كمن يرمي مع رسول الله ألف ألف سهم في معركة بدر وأحد وحنين، وبنفس الوقت يطعن بجند هذه المعارك التي نصرت نبي الاسلام وآل بيته .
    رابعا: دعوى المجلسي شهرته هو لمن في عصر الكفعمي فقط اما قبله فلا أثر له الا دعوى البعض أن له أثرا لبعض أجزائه في كتاب (المحتضر) للشيخ الحسن بن سليمان الحلّي المتوفّى في القرن التاسع الهجري.
    خامسا: فيه تفصيل ممل دون داع او فائدة، وفيه أخطاء لغوية من مثل  ( اللهم عذّبهم عذاباً يستغيث منه أهل النار)؛ فكيف تكون الاستغاثة من الشيء انما الاستغاثة بالشيء. وقوله (وخلّدهما في سقر، وما أدراك ما سقر، لا تبقي ولا تذر)؛ عرفنا الدعاء عليهما بالخلود في سقر وهي النار ولكن ما الداعي لبقية وكأنه يريد ربطه بالقرآن ليعطيه القدسية الدينية.

  5. يقول سيد جواد المهري:
    2018-04-03 20:44:37 الساعة 2018-04-03 20:44:37

    هذه الكلمات لا تتناسب مع بلاغة اميرالمؤمنين عليه السلام بل و انها في غاية الركاكة
    بالاضافة الى ان مثل هذه الكلمات غير ملائمة مع منهج الائمة و مكتبهم الراقي
    و شكرا شيخنا الجليل على هذا البحث القيم

إرسال

you should login to send comment link

جديد الأسئلة والأجوبة
  • تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات بين الكمّ والنوعيّة والجودة
  • مع حوادث قتل المحارم اليوم كيف نفسّر النصوص المفتخرة بقتل المسلمين الأوائل لأقربائهم؟!
  • استفهامات في مسألة عدم كون تقليد الأعلم مسألة تقليديّة
  • كيف يمكن أداء المتابعة في الصلوات الجهرية حفاظاً على حرمة الجماعات؟
  • هل يمكن للفتاة العقد على خطيبها دون إذن أهلها خوفاً من الحرام؟
  • كيف يتعامل من ينكر حجيّة الظنّ في الدين مع ظهورات الكتاب والسنّة؟!
  • هل دعاء رفع المصاحف على الرؤوس في ليلة القدر صحيحٌ وثابت أو لا؟
الأرشيف
أرسل السؤال
الاشتراك في الموقع

كافة الحقوق محفوظة لصاحب الموقع ولا يجوز الاستفادة من المحتويات إلا مع ذكر المصدر
جميع عدد الزيارات : 36692210       عدد زيارات اليوم : 16110