السؤال: هل دراسة المنطق ضروريّة قبل قراءة الفلسفة؟ أم لا علاقة للأوّل بالآخر؟ (محمّد).
الجواب: تعرفون أنّ الدراسات المنطقيّة كانت سابقاً جزءاً من الدراسات الفلسفيّة، فمشروع ابن سينا الفلسفي في كتاب الشفاء كان يستوعب الإلهيّات والرياضيات والمنطقيّات والطبيعيّات، بعد أن خرجت العلوم الاعتباريّة ـ كاللغة ـ عن دائرة الفلسفة في العصر الإسلامي، وقد كانت في العصر اليوناني، كما يراه غير واحد من مؤرّخي الفلسفة، جزءاً من الدرس الفلسفي.
أمّا اليوم، فنحن نجد مختصّين بمجال المنطق دون أن يكونوا على تماس تخصّصي بمجال فلسفة الوجود، والعكس صحيح، كما أنّ المنطقيات قد بدأت تُفصل تدريجيّاً عن الفلسفة منذ عصر صدر المتألّهين الشيرازي إلى اليوم.
من هنا، يمكن لنا أن نقول بأنّ دراسة المنطق إنّما تكون ضروريّةً لطالب الفلسفة من حيث وجود بعض التداخل بين فلسفة الوجود وبين المنطقيّات، كما يُنصح بدراسة المنطق كونه يسهّل فهم الكثير من المصطلحات التي تمرّ في الدرس الفلسفي بطريقة عفويّة، يُفترض معها أنّها مفهومة مسبقاً من الدرس المنطقي نفسه، وعليه، فإذا أردنا أن نتعامل مع الفلسفة الوجوديّة القائمة في العالم الإسلامي فإنّ من الجيّد والأفضل، بل من الضروري في بعض المجالات، أن تكون هناك معلومات مسبقة منطقيّة، لاسيما في مجال تفكيك المفاهيم وشرح المصطلحات وأنواع القضايا والأقيسة وما شابه ذلك، فإنّ ذلك يسهّل ـ بل ويصحّح ـ عملية فهم كلام الفلاسفة ويجلي المنطلقات وطرائق التفكير عندهم بدرجة معيّنة. وإلا فيمكن القول بأنّه لولا هذا التواشج الذي ما يزال قائماً لأمكن فهم المعطيّات الفلسفيّة دون حاجة لدراسة المنطق. نعم الخروج بنتائج فلسفيّة أو الاجتهاد الفلسفي أمرٌ غير ممكن من دون بناء منطقي مسبق عند الباحث نفسه؛ لأنّ المنطقيّات تلعب دور البناء المعرفي والمنهجي في عملية التفكير الفلسفي.