• الرئيسية
  • السيرة الذاتية
  • الكتب والمؤلفات
  • المحاضرات والدروس
  • المقالات
  • الحوارات واللقاءات
  • المرئيات
  • الأسئلة والأجوبة
  • لغات اُخرى
  • تطبيق مؤلفات حب الله
  • آراء
الموقع الرسمي لحيدر حب الله
الاجتماعية والأخلاقية التاريخ والسيرة الفقهية والشرعية الفكرية والثقافية الفلسفية والكلامية القرآنية والحديثية
# العنوان تاريخ النشر التعليقات الزائرين
57 هل تقسيم مراحل التربية (اتركه سبعاً وأدّبه سبعاً وصاحبه سبعاً) صحيحة؟ 2015-10-07 1 25892

هل تقسيم مراحل التربية (اتركه سبعاً وأدّبه سبعاً وصاحبه سبعاً) صحيحة؟

السؤال: 1 ـ هل من الصحيح إهمال الطفل خلال السنوات السبع الأولى من عمره، اعتماداً على ما ورد: (اتركوه سبعاً)؟

2 ـ هل نظريّة اتركه سبعاً وأدّبه سبعاً وصاحبه سبعاً نظرية تربويّة إسلامية صحيحة ومؤثرة يمكن أن نتخذها بديلاً عن البرامج التربويّة الحاليّة كما يقول بعض الناس؟ (جميل).

 

الجواب: يطرح كثير من الباحثين الإسلاميّين في المجال التربوي نظريّةً تتبنّى تقسيماً ثلاثيّاً تعتمده الرؤية الإسلاميّة في التربية من حيث الزمان، وقد صاغوا هذا التقسيم الثلاثي على شكلين في كتاباتهم:

الشكل الأوّل: 1 ـ اللعب. 2 ـ التعليم. 3 ـ التهذيب أو التأديب.

الشكل الثاني: 1 ـ الترك. 2 ـ التأديب. 3 ـ المصاحبة والموازرة.

وقد لقيت هذه الأطروحة الثلاثية المراحل شهرةً واسعة بين التربويّين والمشتغلين إسلاميّاً بالمجال التربوي، كما شاعت بين الناسن بوصفها رؤيةً إسلاميّة تقوم عليها العمليّة التربويّة.

وينطلق هذا الرأي من مجموعة نصوص حديثيّة (لأنّ القرآن ساكت عن هذا الموضوع حسب الظاهر) تقدّم مفاهيم تحاول أن تلتقي على أحد هذين التقسيمين المتقدّمين. وسوف أتوقّف قليلاً عند هذه النصوص لاستجلائها، ثم نعلّق بما يمكن ويتيسّر.

إذا راجعنا هذه النصوص فسوف نجد أنّ مهمَّها هو ما يلي:

الرواية الأولى: مرسلة يونس بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (دع ابنك يلعب سبع سنين، وألزمه نفسك سبعاً، فإن أفلح وإلا فإنّه ممّن لا خير فيه) (الكافي 6: 46).

وهذه الرواية تقسّم مراحل التربية إلى مرحلتين: الترك والتخلية لمدّة سبع سنوات، واللزوم بمعنى المصاحبة، ممّا يعني المتابعة لأمره سبع سنوات أيضاً، وهي تعتبر أنّه لابدّ للولد من أن يظهر حاله في هذه المدّة، فإن لم تبدُ عليه نتائج الخير في السلوك فإنّه لا خير فيه، وكأنّها توحي بأنّه لا جدوى بعد ذلك من الاشتغال على تربيته. لكنّ هذا لا يعني تركه بالمطلق، بل يبقى واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثابتاً في حقّه، غاية الأمر لم يعد يتحوّل الموقف إلى مشروع تربوي. كما أنّ ذكر هذه الرواية وبعض الروايات اللاحقة موضوع ترك الولد يلعب سبعاً لا يعني عدم الاهتمام به بالمرّة حتى لو كان لعبه يفضي إلى أن يلحق الضرر بنفسه أو بالآخرين، بل المراد الإشارة إلى الطابع العام لهذه المرحلة، وهو طابع عدم تحميله المسؤوليّات، وعدم زجّه في نمط حياة الكبار ومصاحبتهم ولزومه لهم، بل تركه يلهو ويلعب ويعيش نمط حياة أقرانه كي تكتمل شخصيّته ويهنأ ويشبع من طفولته، ولهذا يُفتي الفقهاء بضرورة تجنيبه بعض المحرمات كالقتل والسرقة والزنا ونحو ذلك.

ولكنّ هذه الرواية تبتلي بالإرسال، فيونس بن عبد الرحمن يروي هذه الرواية عن رجلٍ، عن الإمام الصادق عليه السلام، ومن ثمّ لا يوجد ما يؤكّد صدور هذا الحديث، فضلاً عن وجهة نظر نرجّحها في علم السند وهي أنّ رواية محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس ـ كما جاء في السند هنا ـ هي الأخرى غير محرزة الاتصال، وفيها شبهة إرسال، فهذا الخبر يصعب الاعتماد عليه، فضلاً عن تأسيس نظريّات تربويّة على أساسه.

الرواية الثانية: صحيحة يعقوب بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلّم الكتاب سبع سنين، ويتعلّم الحلال والحرام سبع سنين) (الكافي 6: 47؛ وتهذيب الأحكام 8: 111، وفي التهذيب إضافة كلمة (في) قبل كلمة الكتاب).

هذه الرواية لا تشير إلى التأديب مباشرةً، بل هي تتحدّث عن مراحل التعليم، فترى أنّ الولد يترك إلى سنّ سبع سنوات، فلا يُثقل عليه بالتعليم، وأنّ القراءة والكتابة يبدأ تعلّمهما من سنّ السابعة، فيما يتمّ الشروع بتعليمه الحلال والحرام اللذين يعبّران عن السلوك الصالح وغير الصالح في سنّ الرابعة عشرة، وهذا يعني أنّ هذا الحديث لا يفرض ترك تأديب الولد في سنّ سبع سنوات فما قبل، وإنّما يفرض ترك تعليمه؛ لأنّ المقابلة بين الترك والتعليم تعطي قدراً متيقّناً من نظر الرواية وهدفها، وهو التعليم، لا مطلق التربية، وعليه فمراحل التعليم ثلاث: تركٌ، فتعليم الكتابة والخطّ، فتعليم الحلال والحرام، وإن كان تعليم الحلال والحرام يصاحبه عمليّة التوجيه المتصل بهما؛ لأنّه يكون قد بلغ سنّ التكليف الشرعي.

ومن الواضح أنّ هذا الحديث يتكلّم عن فضاءات التعليم في النصف الأوّل من القرن الثاني الهجري، وهي فضاءات بسيطة على المستوى العلمي العام، حيث شهد التعليم (وعامّة العلوم) تطوّراً كبيراً في العصر العباسي فما بعد، ولهذا يبدو لي أنّ الرواية لا تريد أن تنفي تعلّم العلوم الأخرى في مثل عصرنا، بعد سنّ السابعة، كما أنّ تعلّم القراءة والكتابة تطوّرت أساليبهما فقد يحصلان بمدّة أقلّ من هذا بكثير، فليست هناك تعبّديّة حرفيّة لسبع سنوات من تعلّم اللغة والخطّ والكتابة، ما لم نفسّر (الكتاب) بمعنى القرآن الكريم، ولكنّه مستبعد.

الرواية الثالثة: مرسلة الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: (دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدّب سبع سنين، وألزمه نفسك سبع سنين، فإن أفلح وإلا فإنّه ممّن لا خير فيه) (كتاب من لا يحضره الفقيه 3: 492؛ ومكارم الأخلاق: 222).

هذه الرواية تنسجم مع الثلاثية المشهورة اليوم من الترك سبعاً والتأديب سبعاً والمصاحبة سبعاً، ولكنّها ضعيفة السند بالإرسال؛ حيث لم يذكر الصدوق طريقه فيها، ومراسيل الصدوق ليست حجّة على ما هو الصحيح، حتى لو صدّرها بقوله: (قال). نعم بعض العلماء يعتبرونها حجّة ومعتبرة. يضاف إلى ذلك أنّ هذه الرواية تختلف عن الرواية الأولى التي هي مرسلة يونس، رغم أنّ تركيبها يشابهها تماماً، حيث يُحتمل أن تكون هي نفسها، ففي مرسلة يونس جاء اللعب سبعاً، ثم اللزوم سبعاً، ثم الحديث عن أنّه يفلح أو لا خير فيه، أمّا في مرسلة الصدوق فجاء اللعب سبعاً، والتأديب سبعاً، واللزوم سبعاً، ثم جاء الحديث عن الفلاح وعدمه، وهذا ما يعطي قدراً من التضارب بين هاتين الروايتين، ويضعف من استنتاج نتيجة نهائية منهما، حيث القدر المشترك هو اللعب سبعاً. لكن حيث نحتمل جدّاً أن تكونا رواية واحدة فإنّ وجودهما في مصدرين لا يعطيهما قوّةً في الصدور، ولا يؤكّد لنا ـ مع ضعفهما السندي ـ صدور هذه الرواية عن الإمام.

الرواية الرابعة: خبر يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أمهل صبيّك حتى يأتي له ست سنين، ثم ضمّه إليك سبع سنين، فأدّبه بأدبك، فإن قبل وصلح، وإلا فخلّ عنه) (الكافي 6: 46 ـ 47؛ وتهذيب الأحكام 8: 111).

هذه الرواية تضعنا أمام تقسيم جديد، وهو الترك ست سنوات، ثم التأديب والضمّ سبع سنوات، فإنّ صلح وإلا فلا خير فيه اتركه ودعه. ولكنّ هذه الرواية مبتلاة بالإرسال أيضاً، فقد رواها أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن عدّة من أصحابنا، عن علي بن أسباط، ومراسيل البرقي لا حجية فيها. كما أنّها تخالف تركيبة الروايات الأخرى بشكل واضح ما لم نُعمِل تأويلاً ما.

الرواية الخامسة: خبر عبد الله بن فضالة، عن أبي عبد الله ـ أو أبي جعفر ـ عليهما السلام، قال: سمعته يقول: (إذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له سبع مرات: قل لا إله إلا الله، ثم يترك، حتى يتمّ له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوماً، فيقال له: قل محمد رسول الله، سبع مرات، ويترك حتى يتمّ له أربع سنين، ثم يقال له سبع مرات: قل صلّى الله على محمد وآله، ثم يترك حتى يتمّ له خمس سنين، ثم يقال له: أيّهما يمينك، وأيّهما شمالك؟ فإذا عرف ذلك حوّل وجهه إلى القبلة، ويقال له: اسجد، ثم يترك حتى يتمّ له ست سنين، فإذا تمّ له ست سنين صلّى وعلّم الركوع والسجود، ثم يترك حتى يتمّ له سبع سنين، فإذا تمّ له سبع سنين، قيل له: اغسل وجهك وكفّيك، فإذا غسلهما قيل له: صلّ، ثم يترك حتى يتمّ له تسع سنين، فإذا تمّت له علّم الوضوء وضرب عليه، وأمر بالصلاة وضرب عليها، فإذا تعلّم الوضوء والصلاة غفر الله لوالديه إن شاء الله تعالى). (أمالي الصدوق: 475؛ وكتاب من لا يحضره الفقيه 1: 281؛ وأمالي الطوسي: 433 ـ 434؛ والطبرسي، مكارم الأخلاق: 222).

هذه الرواية تدخل كثيراً في التفاصيل المتعلّقة بمسألة الوضوء والصلاة وبعض الأمور الدينيّة، ولا تتعرّض للنهج التربوي العام حتى نعتبرها منهجاً تربويّاً عامّاً، كما أنّها ضعيفة السند من عدّة جهات ونواحٍ، فلم تثبت وثاقة كلّ من موسى بن جعفر البغدادي، وعلي بن معبد، وبندار بن حماد، وعبد الله بن فضالة. وقد رواها الصدوق بطريقه إلى عبد الله بن فضالة في الفقيه، وهو ضعيف أيضاً بكلّ من محمّد بن سنان، ومحمد بن خالد البرقي، وبندار بن حماد، فضلاً عن عدم ثبوت وثاقة عبد الله بن فضالة نفسه.

الرواية السادسة: مرسلة الصدوق الأخرى قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (يربّى (يرخى) الصبيّ سبعاً، ويؤدّب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب) (كتاب من لا يحضره الفقيه 3: 493).

ومضمون الرواية واضح، غير أنّه يضع مفهوم الاستخدام بدلاً عن مفهوم اللزوم والمصاحبة في المرحلة الثالثة، والرواية من مراسيل الصدوق وهي ليست بحجّة، لا سيما وقد رواها عن عليّ عليه السلام.

الرواية السابعة: مرسلة الطبرسي، نقلاً عن كتاب المحاسن (ولم يتمّ العثور عليها في المحاسن ولا نقلها أحد عن المحاسن)، عنه عليه السلام، قال: (احمل صبيك حتى يأتي عليه ست سنين، ثم أدّبه في الكتاب ست سنين، ثم ضمّه إليك سبع سنين فأدّبه بأدبك، فإن قبل وصلح وإلا فخلّ عنه) (مكارم الأخلاق: 222).

وهذه الرواية تخالف جميع الروايات السابقة في عملية تقسيمها للمراحل، فتضع ستاً ثم ستاً ثم سبعاً، وهذا مخالف لصحيحة يعقوب بن سالم المتقدّمة الشبيهة بها، فضلاً عن أنّ الطبرسي (القرن 6هـ) لم يذكر لنا أيّ سند على الإطلاق لهذه الرواية، فهي مرسلة تماماً.

الرواية الثامنة: مرسل الطبرسي الآخر، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الولد سيّد سبع سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين، فإن رضيت أخلاقه لإحدى وعشرين، وإلا فاضرب على جنبه، فقد أعذرت إلى الله تعالى) (مكارم الأخلاق: 222).

والرواية لا سند لها أساساً.

هذا هو مهم الروايات في تأصيل منهج تربوي زمني عام في التربيّة، وغالب الروايات يستخدم تعبير الصبيّ أو الغلام دون الصبيّة أو الجارية أو الأنثى أو البنت، ولعلّه لشيوع التعبير لا لخصوصيّة الذكورة، وربما يكون تناسب السنّ هنا له علاقة بخصوصية كونه صبيّاً فلا تشمل هذه التقسيمات البنات. وأمّا ما يتناقل على ألسنة الناس من تعبير ينقل عن النبيّ الأعظم: (لاعب ابنك سبعاً، وأدّبه سبعاً، وصاحبه سبعاً، ثم اترك له الحبل على الغارب)، أو تعبير: (اتركه سبعاً وأدّبه سبعاً وصاحبه سبعاً)، أو تعبير: (داعِب ولدك سبعاً، وأدّبه سبعاً، وعلّمه سبعاً، ثم اترك حبله على غاربه)، فلعلّها منقولات تحمل المضمون فقط، وبعضها تنقله بعض كتب الأدب عن عبد الملك بن مروان، وينسب بعض هذه التعابير إلى عمر بن الخطاب دون عثور على مصدر هذه النسبة، وبعضهم ينسبها لسفيان الثوري.

وقد لاحظنا ما يلي:

أولاً: إنّ جميع الروايات الواردة هنا تقريباً ضعيفة الإسناد، وبعضها ضعيف جداً أو متأخّر الظهور زمناً، ولم يسلم منها سوى رواية واحدة لا علاقة قويّة لها بالتربية، لاسيما المنزليّة منها، بل لها علاقة أقوى بالتعليم، وهي صحيحة يعقوب بن سالم. ولم نجد ظهوراً لمثل هذه التقسيمات في العمليّة التربويّة عموماً في مصادر الحديث عند أهل السنّة.

ثانياً: إنّ هذه الروايات متعارضة فيما بينها بعض الشيء، وتختلف في مرحلتين أو ثلاث مراحل تارةً، وفي رقم ستة أو سبعة تارةً أخرى، وهذا ما قد يربك عملية استنتاج تقعيد نهائي منها.

ثالثاً: إنّ بعض هذه الأحاديث يمكن أن يرجع لبعض كما ألمحنا، فلا يكون عددها ثمانية مثلاً بل أقلّ، وهذا ما يقلّل فرص الوثوق بالصدور أيضاً. والوثوق بالصدور هو معيار الحجيّة في الأخبار.

رابعاً: إنّ بعض النصوص ـ مثل خبر عبد الله بن فضالة ـ يتصل بالتأديب على العبادات لا بمنهج تربوي عام، وهذا ما يفرض استبعاد مثل هذا النصّ عن التأسيس لأصول عامّة في التربيّة، ممّا يقلّل عدد الروايات ـ بعد أخذ الملاحظات السابقة ـ إلى حوالي خمس روايات ذات صلة بموضوعنا، وكلّها ضعيفة. هذا وقد وردت بعض النصوص عند الفريقين ترصد عملية تربية الطفل وتمرينه على بعض العبادات كالصلاة والصوم تشابه رواية عبد الله بن فضالة، وهذه النصوص لا تصلح ـ كما قلنا ـ أن نفهم منها منهجاً تربويّاً عامّاً، بل هي واضحة في نظرها إلى الموضوع العبادي خاصّة، واحتمال الخصوصيّة فيه أمر وارد جداً.

خامساً: إنّ ما ينتج عن مجمل الملاحظات السابقة هو أنّ هذه الاطروحات التربوية التي تقدَّم باسم الدين ليست أموراً ثابتة وحاسمة، بل تخضع لجدل في إثبات نسبتها للدين، وقد تصحّح وفقاً لبعض النظريات الحديثية وقد لا تصحّح وفقاً لنظريات اُخر. بل هي وفقاً لقراءتي السندية والصدورية غير ثابتة أساساً (وأعتقد أنّه وفقاً لمباني مثل السيد الخوئي في علم الرجال والحديث وفي قاعدة التسامح، تكون النتيجة متطابقة في عدم ثبوت هذه النصوص)، والشيء الذي يمكننا أن نستنتجه بوصفه قاسماً مشتركاً بين الروايات هنا ـ ربما يمكن الوثوق به ـ هو:

أ ـ إن مرحلة الست (السبع) سنوات لا تخضع من حيث المبدأ للتأديب، ولو خضعت فهي تخضع للتوجيه والترغيب والتوعية، لا لتحميل المسؤوليات.

ب ـ إنّ التربية فعلٌ تدريجي يتناسب وعمر الولد.

وهاتان النتيجتان معلومتان تؤكّدهما التجربة البشريّة كما هو واضح.

نعم، إذا ثبتت صحّة هذه التقسيمات (الزمنية) علميّاً اليوم فلا مانع من الأخذ بها، لكنّ اعتبارها أمراً توجيهياً دينيّاً ثابتاً ودائماً يحتاج إلى استخدام وسائل الإثبات العلمي في العلوم الدينيّة نفسها.

وبكلمة أخيرة: ربما تكون بعض مشاريعنا الفكريّة قد استعجلت ـ في زحمة الإصرار على أنّ الدين صاحب رؤية تفصيليّة في مختلف المجالات ـ الخروج بمواقف دينيّة في بعض الملفّات، ومنها الملفّ التربوي بما يحمله من حساسيّة عالية، وقد رأينا كيف اُلّفت كتب كبيرة في هذا الموضوع، بل موسوعات، حشدت نصوصاً مبعثرة كثير منها لا صلة له بعمق وجوهر العمليّة التربويّة، وإنّما يحكم عليه التكلّف، ليقدَّم مشروعاً إسلاميّاً لتربيّة الأطفال والناشئة، وكان يفترض قبل ذلك أن تُدرس النصوص الدينية برؤية اجتهاديّة معمّقة؛ للخروج بمعطيات واضحة منها، لا بمعطيات ظنيّة غير معتبرة، فكيف سيمكن بهذه الطريقة تقديم مشروع تربوي إسلامي يقوم على رؤية بهذه السعة في مقابل الطروحات الفكريّة الكبرى اليوم في علم النفس والتربية والتعليم؟! إنّ النصّ الديني هنا غاية ما يفيد هو التدرّج في تحميل الطفل المسؤوليات حتى يبلغ سنّ الوعي والرشد وينتهي من مرحلة المراهقة، أمّا التفاصيل الرقميّة فربما يصعب إثباتها، فضلاً عن طرحها كمنافس في مجال العلوم التربوية والنفسية والاجتماعيّة. وهذا لا يعني مرجعيّة هذه العلوم بالمطلق، لاسيما وأنّ بُنيتها التحتية الفلسفية بنية علمانية غير غيبية في كثير من المواضع، لكنّ مرجعيتها بما لا يتنافى مع القيم الدينية العليا يبقى حاجة أساسيّة، وليس هناك مانع من أن يكون الدين قد وضع لنا الأصول التربويّة العامّة، مثل أصل التدرّج في تحميل المسؤوليات وغيره من الأصول المدركة ـ غالباً وعقلائيّاً ـ بالتجربة أيضاً؛ لنذهب خلف مراكمة الخبرات والمنجزات العلميّة العصريّة، فنطوّر التفاصيل بما يخدم الرؤية الدينية العامّة للحياة ولا يضرّ بها، وبهذا لا نثقل على الدين فندّعي أنّ فيه برنامجاً تربويّاً تفصيليّاً لتربية الطفل يعالج أدقّ التفاصيل وأصعبها، بل نقول بأنّ القيم الدينية والتشريعات الإسلامية تساعد عالم النفس والمعالج النفسي والخبير التربوي في الرقيّ بخبراته ـ معنويّاً ـ نحو بناء عالم أفضل يمكن أن نحيا فيه، وتمثّل معالم الطريق ومحدّداته أمامه في النهوض بجيل صالح للمستقبل إن شاء الله، وأنّ عليه هو أن يضع الأدوات الزمنية المتغيّرة التي تسير بالجيل الصاعد نحو الكمال والصلاح.

وقد تقول: لماذا يجب علينا التدقيق في النصوص والبحث فيها في موضوع تربوي عام؟! فلو كانت المسألة مسألةً فقهيّة إلزاميّة لكان هذا البحث منطقيّاً، أمّا وهي مسألة ثقافية اجتماعية عامّة، فلا ضرورة لمثل هذا التشدّد أساساً، وينبغي أن نتجاوز مسطرة البحث العلمي المتشدّد.

ولكنّني في الجواب أقول: إنّ هذا الكلام غير صحيح؛ وليس هناك أصل يميّز في الفكر الديني بين الفقه بأحكامه الإلزامية وبين سائر الملفّات الفكريّة الدينيّة، حتى نقول بأنّ إصدار أحكام ومواقف في مسألة تفصيلية في الطهارة أو النجاسة تحتاج لاجتهاد فقهي عميق وبحث وتقصٍّ وتدقيق، أمّا تقديم رؤية إسلامية تربويّة وإشاعة ثقافة تربويّة من هذا النوع قبل أن نتوقّف قليلاً عند تحقيق النصوص ومديات ثبوتها وتعارضها ودلالاتها، فهو أمر لا بأس به!! نحن هنا لا نتحدّث عن مستحبّ فقط كي نجري قاعدة التسامح، لو صحّت، بل نتحدث عن رؤية تربويّة نريد أن نقدّمها خياراً أفضل وسط الطروحات التربويّة القائمة اليوم في العالم.

تعليق واحد

  1. يقول ش حسن الهادي:
    2019-09-11 14:22:24 الساعة 2019-09-11 14:22:24

    السلام عليكم شيخ حيدر العزيز
    لقد قرأت متابعتكم في الموضوع
    وهي مهمة وعلمية في المنهج والمضمون كما عهدناكم
    ولكن لو تتكلمون بتأسيس منهجي لهذه القضية وقد أشرتم الى جانب منها وهل بالفعل يجب أعمال مسطرة البحث العلمي الفقهي كما تفضلت في هذه القضايا في ظل اهمالها من قبل علمائنا لناحية التأسيس البنائي والمنهجي

إرسال

you should login to send comment link

جديد الأسئلة والأجوبة
  • تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات بين الكمّ والنوعيّة والجودة
  • مع حوادث قتل المحارم اليوم كيف نفسّر النصوص المفتخرة بقتل المسلمين الأوائل لأقربائهم؟!
  • استفهامات في مسألة عدم كون تقليد الأعلم مسألة تقليديّة
  • كيف يمكن أداء المتابعة في الصلوات الجهرية حفاظاً على حرمة الجماعات؟
  • هل يمكن للفتاة العقد على خطيبها دون إذن أهلها خوفاً من الحرام؟
  • كيف يتعامل من ينكر حجيّة الظنّ في الدين مع ظهورات الكتاب والسنّة؟!
  • هل دعاء رفع المصاحف على الرؤوس في ليلة القدر صحيحٌ وثابت أو لا؟
الأرشيف
أرسل السؤال
الاشتراك في الموقع

كافة الحقوق محفوظة لصاحب الموقع ولا يجوز الاستفادة من المحتويات إلا مع ذكر المصدر
جميع عدد الزيارات : 36670774       عدد زيارات اليوم : 28199