السؤال: قال الله تعالى مخاطباً نبيّه محمداً (ص): (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل..) (الأحقاف: 35). هل هذه الآية تدلّ على أنّ النبيّ محمّداً (ص) من أولي العزم؛ لأنه لو لم يكن منهم لما طلب الله منه أن يصبر صبرهم؟ (أبو يحيى).
الجواب: لو تأمّلنا الآية قليلاً ـ بصرف النظر عن الروايات والقرائن الخارجة من مثلها ـ لرأينا أنّ هناك احتمالين فيها:
الاحتمال الأوّل: أن تؤخذ كلمة (أولو العزم) بمثابة صفة عامّة، ويكون معنى الآية: يا محمّد، اصبر كما صبر أهل العزم والصبر والإرادة القويّة، ولا يكون عنوان (أولو العزم) مشيراً إلى خمسة أو أربعة بأعيانهم، وفي هذه الحال يمكن أن تكون (من) في قوله تعالى: (من الرسل) بيانيّة، بمعنى: اصبر كما صبر أصحاب الإرادة القويّة الذين هم الرسل، وعليه فلا تدلّ الآية أساساً على وجود جماعة خاصّة من الرسل يتصفون بهذه الصفة دون غيرهم من سائر الرسل. كما ومن الممكن أن تكون تبعيضيّةً، فيكون المعنى: اصبر كما صبر أولو العزم الذين هم بعض الرسل. وعلى أيّ تقدير فالأمر لا يفيد الإخبار عن صيرورته (ص) منهم، لكن مع ثبوت دليل العصمة وأنّ الرسول يحقّق كلّ الأوامر الإلهيّة التي وجّهت إليه، نعلم أنّه قد صبر كصبر هؤلاء، فيمكن عدّه حينئذٍ من أولي العزم من الرسل، بما للكلمة من توصيف، لا بما لها من عنوانٍ اسمي.
الاحتمال الثاني: أن تؤخذ كلمة (أولو العزم) بوصفها عنواناً مشيراً إلى مجموعة خاصّة من الأنبياء، صارت هذه الكلمة علماً فيهم أو اسماً، كما هو الحاصل اليوم في وعي المتشرّعة والمتديّنين، حيث يفهمون من (أولي العزم) مجموعةً خاصّة من الأنبياء هم خمسة، وفي هذه الحال، فإنّ الآية الكريمة تصف أربعةً منهم بأنّهم من أولي العزم. وأمرها النبيّ (ص) بأن يصبر كصبرهم لا يدلّ على أنّه دخل في هذه المجموعة دخولاً اسميّاً لا دخولياً وصفيّاً، لأنّ مجرّد أن يطلب منه أن يصبر كصبر أولي العزم لا يدلّ على أنّه منهم، فقد اُمرنا أن نتخلّق بأخلاق الأنبياء ولسنا منهم، وأمرنا أنّ نعبد الله كما عبدوه ولسنا منهم، وأمرنا أن نطهّر النجاسة عن ثوبنا قبل الصلاة كما أمروا ولسنا منهم، وحتى لو طبّقنا هذا لا نصبح منهم، فلا تلازم بين الأمر بصبر أولي العزم وبين أن يكون المأمور منهم.