السؤال: هل تجوز غيبة المخالف للمذهب الإمامي من سائر المسلمين كما يذكر بعض الفقهاء؟ وهل الجواز يشمل الناصبي وغيره؟ وهل صحيح أنّ المسلم غير الشيعي لا حرمة له ولهذا تجوز غيبته؟ ألم تحرّم الغيبة قبل ظهور المذاهب والتي تعدّ مسلمةً كلّها؟ وكيف يمكن أن يكون المسلم أخو المسلم والآخر يحبّ أهل البيت ثم يجوز لي أن أغتابه؟! (عبد الحكيم الخزاعي، العراق).
الجواب: لم يختلف الفقهاء رضوان الله عليهم في حرمة الغيبة الثابتة بالكتاب والسنّة، إلا أنّه قد وقع جدل في بعض تفاصيلها. وأحد المحاور التي أثارت جدلاً على المستوى الشيعي، هو هل أنّ الحرمة مختصّة بغيبة الإمامي الإثني عشري أم أنها عامّة شاملة للمسلمين كافّة؟
وعلى ما يتداول، فقد مال الأغلب إلى التخصيص، وتحليل غيبة المخالف المذهبي، وأنّها غير مشمولة لحكم حرمة الغيبة، وقد مال إليه جملة من الفقهاء كالمحقق النجفي والشيخ النراقي والشيخ الأنصاري والسيد جواد العاملي والشيخ يوسف البحراني، كما تبنّاه السيدان: الخوئي والخميني وغيرهما.
وفي المقابل، ذهب بعض الفقهاء إلى القول بحرمة غيبة كلّ مسلم، وقد تبنّى ذلك المحقّق الأردبيلي، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي، والسيد محمّد حسين فضل الله، واحتاط فيه وجوباً ـ إذا لم يكن هناك داعٍ شرعي ـ السيدُ الكلبايكاني، وهو المنسوب إلى الشهيد الثاني والمحقّق الخراساني أيضاً. وخصّ الشيخ جواد التبريزي جواز غيبة المخالف بما إذا كان مقصّراً لا قاصراً.
وقد ذكر القائلون بجواز غيبة المخالف وجوهاً هنا، وأبرزها ـ باختصار ـ ما يلي:
الوجه الأوّل: ما أكّد عليه أكثر من فقيه كالسيد الخوئي والسيد الخميني والشيخ النجفي والشيخ النراقي، من ملاحظة النصوص الكثيرة الواردة في لعن المخالفين والبراءة منهم وسبّهم وغيبتهم؛ لأنّهم أهل بدع وما شاكل ذلك؛ فإنّ هذه النصوص لا تدع مجالاً للشك ـ لمن لاحظها بنظرة مجموعيّة ـ في سقوط حرمتهم من هذه الجهة، وأنّه لا شك في جواز غيبتهم. وقد خصّص الشيخ الحرّ العاملي في كتاب الأمر بالمعروف من (تفصيل وسائل الشيعة) باباً خاصّاً لذلك جمع فيه هذه الروايات.
وقد ناقش الشهيد الثاني في رسالته والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة هذا الوجه، بأنّه بلا مبرّر؛ حيث لا ملازمة بين جواز لعنهم والبراءة منهم، وبين جواز غيبتهم شرعاً، ومعه فيُقتصر على مقدار ما رخّصت به الأدلة ولا يُتعدّى عنه.
وهذه المناقشة في حدّ نفسها جيدة بهذا المقدار، غير أنّها ربما كانت مقتصرةً على ما دلّ على لعنهم و.. إلا أنّ بعض النصوص ـ ومنها الصحيح سنداً ـ قد دلّ على الوقيعة فيهم، كمعتبرة داوود بن سرحان، وقد فسّرت ـ كما عند أهل اللغة ـ بالغيبة، فهي إذاً تصرّح بمركز البحث، ولا تحوجنا إلى التعدّي والتسرية.
ومن هنا، فالأنسب إبراز مناقشة أخرى إضافية وهي: أنّ هذه النصوص يمكن جعلها في طائفتين وهي:
أـ فمن ناحية النصوص التي استخدمت عنوان أهل البدع، كان أبرزها صحيحة داوود بن سرحان، وهي الخبر الأظهر في الباب. وهذه النصوص لم نعثر فيها سوى على هذه الرواية الصحيحة المتعلّقة بموضوع بحثنا، إلا أنّ هذه المجموعة كلّها أجنبيّة عمّا نحن فيه؛ لأنّ أهل البدع فيها يراد منهم أصحاب المقالات الضالّة الذين يسعون في ضلال الناس ويخشى على الناس منهم، وذلك بقرينة أنّ صحيحة داوود بن سرحان قد علّلت الحكم بجواز غيبتهم و.. باحتراز الناس عنهم، حتى لا يقعوا في الضلال، وهو ظاهر في انحصار الدائرة بعنوان المصلحة في ردع الناس عنهم وكشف حقيقتهم، وأين هذا من غيبة مطلق من ليس بشيعي اثني عشري؟!
ب ـ وأمّا من ناحية النصوص التي لم تستخدم عنوان أهل البدع، فلم يظهر نصٌّ يجيز غيبتهم فيها، فإشكال الشهيد الثاني في محلّه هنا، وغاية ما في هذه المجموعة وشبهها هو أمور أخرى ليس من بينها تصريح بالترخيص بالغيبة. وعليه فلم يظهر وجهٌ معتبر لتركيز الفقهاء على هذا الدليل.
الوجه الثاني: ما ذكره جمعٌ من الفقهاء أيضاً، من أنّ المخالف كافرٌ، فيخرج عن أدلّة حرمة الغيبة تخصّصاً.
ولا يهمّنا التعرّض لهذه المسألة؛ لأنّها بحثٌ مستقل، غير أنّهم قد بيّنوا ذلك بأنّ منكر الولاية كافر، وأنّ الأدلّة في ذلك عديدة، ومن باب المثال أشير إلى أبرز ما ذكروه ليتضح عدم صحّة الحكم بكفر المخالف، وفاقاً لبعض المتأخّرين كالشهيد الصدر، وذلك على الشكل التالي:
1 ـ ما جاء في الزيارة الجامعة: «ومن جحدكم كافر»، وكذلك «ومن وحّده قبل عنكم» حيث إنّ عكس نقيض الجملة الثانية هو أنّ من لم يقبل عنكم فليس بموحّد.
2 ـ ما ورد في الروايات، من أنّ الحال التي كان عليها المخالف قبل استبصاره أعظم من ترك ما تَرَكَ من الصلاة.
3 ـ ما جاء في بعض الروايات، من أنّ الناصب شرٌّ من الكلب ومن اليهود والنصارى، وذلك بضميمة أنّ المراد به مطلق غير المستضعف، على ما جاء في مفتاح الكرامة. وقد أيّد بعض الفقهاء هذه المقاربة، حتى حكم الشيخ يوسف البحراني بجريان الكفر عليهم في الدنيا أيضاً كالنجاسة ونحوها، فيما خصّ آخرون النتائج في الآخرة، وقد رفض هذا الوجه جمعٌ آخر من الفقهاء، كالسيد الحكيم والسيد الخميني والشهيد الصدر.
وعليه، فلو صحّ الرأي القائل بكفر كلّ مخالف مذهبي؛ انطلاقاً من مثل هذه الأدلّة، لكان ذلك كافياً في الحكم بجواز الغيبة، بناءً على اختصاص حرمة الغيبة بالمسلم، كما أرسلوه إرسال المسلّمات.
أولاً: إنّ تعبير (الكافر) في النصوص الدينية عموماً، قد استخدم بمعاني كثيرة ومواطن متعدّدة، حتى عدّ العاصي وتارك الصلاة كافراً، ومن هنا فالأجدر التدقيق في أنّ استخدام هذا العنوان هنا ـ كما في الزيارة الجامعة ـ ماذا يراد منه؟ هل بيان أبرز مصاديق الكفر أم الدرجات النازلة من الكفر، والتي استعمل لفظ الكفر فيها كثيراً في النصوص، وإلا فهل يلتزم بكفر تارك الصلاة مثلاً؟ فلعلّ إطلاق توصيف الكفر هنا بملاحظة الإمامة لا الكفر المصطلح فقهيّاً، الأمر الذي يحتاج إلى إثبات بعد تعدّد الاستعمالات في النصوص. علماً أنّ النص ورد بكفر الجاحد، وهو لا يساوق مطلق غير المؤمن بالاعتقاد الإمامي، بل هو أخصّ منه.
ثانياً: إنّ استخدام طريقة عكس النقيض في فهم الدلالة هو استخدام غير عرفي، وإنّما هو منطقي يعتمد الدقّة في الفهم، فإذا قلت: من آمن بالله أطاع الرسول، فهذا لا يعني أنّ من لم يُطع الرسول فهو لم يؤمن بالله، كيف وفي القرآن الكريم آيات تفيد توصيف الذين آمنوا بالله سبحانه بأوصاف لا نراها اليوم في كثير من الناس، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) (البقرة: 165)، فهل إذا لم يكن الإنسان أشدّ حبّاً لله من حبّ عابد الصنم للصنم لكنّه يؤمن بالله، فإنّه يحكم بكونه غير مؤمن؟! إنّ الفهم العرفي لهذا النص يقضي بأنّ الحديث يريد القول بأنّ من يوحّد الله تعالى فهو بشكل مفترض ومنطقي يقبل كلام أهل البيت عليهم السلام، لا أنّ من لم يقبل كلام أهل البيت فهو لا يوحّد الله. يضاف إلى ذلك أنّ قبول كلامهم أعمّ من التشيّع المصطلح، فقد يقبل الإنسان بما يقوله أهل البيت ويأخذ عنهم، لكنّه لا يكون شيعياً بالاصطلاح، كما لو قال بإمامة أكثر من اثني عشر إماماً، فهذا يقبل منهم (عندما لا يثبت عنده قولهم بحصر الأئمّة باثني عشر)، لكنّه ليس شيعيّاً بالمصطلح الكلامي والفقهي عند الإماميّة.
ثالثاً: إنّ ما ورد في روايات قضاء المستبصر، لا يرتبط بتحديد عنوان الكفر؛ لأنّ ترك الإيمان بالولاية لا شك ـ شيعيّاً ـ في أنّه أعظم من ترك الصلاة، لكنّ هذا لا يعني أنّ كلّ ما كان أعظم من ترك الصلاة فإنّ صاحبه يكون كافراً لو تركه.
رابعاً: إنّ كون الناصب أكثر شرّاً من اليهود، لا يدلّ على شمول الحكم لمطلق المخالف؛ فإنّ الناصب إما ناصبٌ العداء لأهل البيت عليهم السلام (تديّناً أو أعمّ منه)، أو ناصبٌ العداء لشيعتهم، وعلى كلا التقديرين فهو أخصّ من عنوان المخالف، فمن يحبّ أهل البيت اليوم وليس لديه عداءٌ مع شيعتهم لا يمكن القول بأنّه ناصبي، وتفصيل بحث النصب يراجع في محلّه.
الوجه الثالث: ما ذكره السيد الخوئي والمحقق النجفي، من تطبيق كبرى جواز غيبتهم بملاك التجاهر بالفسق؛ فإنّ ترك الولاية من أعظم مصاديقه.
لكن يناقش، أولاً: إن السيد الخوئي نفسه وكثير من الآخرين، قد ذهبوا إلى اختصاص جواز غيبة المتجاهر بالفسق بما تجاهر به، دون ما لم يتجاهر به ممّا كان عيباً مستوراً، فكيف نتج عنده هنا جواز غيبة أهل الخلاف مطلقاً، حتى في غير إنكارهم للولاية الذي يفترض أنّه هو المورد الذي يتجاهرون به؟!
ثانياً: ليس كلّ مخالف مذهبي يصدق عليه عنوان التجاهر بالفسق، وإلا لعدّ كلّ الفقهاء والناس كذلك بنظر بعضهم البعض؛ لأنّ الآخر يرتكب ما أراه ـ بحسب تقليدي أو اجتهادي ـ حراماً، فلو فعل شخص فعلاً رأى حليّته اجتهاداً أو تقليداً، فيما حكم الآخر بحرمة هذا الفعل اجتهاداً أو تقليداً، فهل يجوز للأوّل غيبة الثاني وبالعكس بعنوان التجاهر بالفسق؟! من هنا يؤخذ في موضوع الفسق عنصرَي: العلم والعمد، والمخالف ليس عالماً بأنّ ما يرتكبه من إنكار الإمامة حرام أو أنّه ترك واجب، فكيف انطبق عليه عنوان الفاسق ولم ينطبق على حالات اختلافات الفقهاء والمجتهدين فيما بينهم؟! نعم لو قصّر أو جحد ـ مع علمه في قرارة نفسه بإمامتهم ـ صحّ هذا في حقّه.
الوجه الرابع: التمسّك بالسيرة المتشرّعية القائمة على سبّهم ولعنهم وغيبتهم، كما ذكر ذلك مثل السيد الخوئي والسيد الخميني والشيخ النجفي وغيرهم.
ويجاب عنه بأنّنا لا نحرز ـ في دائرة الغيبة ـ انعقاد هذه السيرة بمعزل عن فتاوى الفقهاء رضوان الله عليهم، بحيث تكون سيرةً متصلةً بعصر النص، لنستكشف منها صدورها من المعصوم عليه السلام. وعلى فرض وجود اللعن بعنوان عام أو بعنوانهم كطائفة، لكنّه بهذه الطريقة لا يدلّ على ما نحن فيه، كما أشرنا إليه في بداية كلامنا ونقلناه عن مثل الشهيد الثاني، علماً أنّ المشهور بين القدماء منذ الشيخ الكليني هو كفر المخالف، فالغيبة تكون بملاك الكفر، فلو بطل هذا الملاك عندنا اليوم، لم يعد يمكن التمسّك بما جرت عليه سيرتهم؛ لبطلان الملاك القائمة عليه.
الوجه الخامس: انعقاد الإجماع، بل عدّ الشيخ النجفي حليّة غيبة المخالف من الضروريات، فضلاً عن القطعيّات، وقد اُيّد كلامه هذا من قبل جماعة، حتى أثنى السيّد الخميني على ما ذكره في الجواهر من عدم صرف العمر في هذه الأبحاث لوضوحها.
والجواب معروف، وهو مرجعيّة الأدلّة، بعد أن كان كلّ إجماع محتمل المدركيّة غير حجّةٍ في نفسه، والإجماع المدّعى هنا ـ لو أحرزناه تاريخيّاً ـ فهو محتمل المدركيّة جدّاً، وأنّه معتمدٌ على الأدلّة المتقدّمة. فلا نطيل.
الوجه السادس: دعوى القصور في أدلّة الحرمة، بمعنى أنّ الدليل الدالّ على حرمة الغيبة لا يشمل المخالف، فنتمسّك بأصالة البراءة حينئذٍِ، ونثبت حليّة غيبة المخالفين.
ويمكن أن يجاب عن هذا الدليل، بأنّ أدلّة حرمة الغيبة، فيها دلالة على التحريم الشامل لمطلق المسلم، وذلك أنّه قد أخذ فيها عنوان المسلم، والأخ، والناس، وهي عناوين شاملة وغير مختصّة بأبناء مذهبٍ معيّن. وورود لفظ المؤمن في بعض النصوص ـ كخبر سليمان بن خالد ـ لا يثير مشكلةً؛ لأنّ الدليل الدالّ على حرمة غيبة المؤمن لا يناقض الدليل الدالّ على حرمة غيبة مطلق المسلم؛ لأنّهما دليلان مثبتان متوافقان، وقد قرّر في أصول الفقه إمكان الأخذ بهما ما لم تقم خصوصيّة معيّنة.
غير أنّ القائلين بجواز غيبة المخالف، شكّكوا في قدرة النصوص ـ وبقطع النظر عن أيّ مخصِّص ـ على إثبات التحريم، وذلك لأمور:
أولاً: إنّ المؤمن والأخ ـ كما في الآية وغيرها ـ خاصّان بالشيعي، كما هو معروف من النصوص الأخرى، ومعه فالآية وغيرها لا تعود شاهداً على المطلوب، وهذا ما ذكره الشيخ البحراني والسيد العاملي صاحب مفتاح الكرامة وغيرهما، حتّى عبّر البعض بأنّه لا أخوّة بيننا وبين أهل السنّة.
ثانياً: إنّ الولاية والإمامة وإن لم تكن ركناً قبل النصّ على أمير المؤمنين، إلا أنّها صارت بعد النصّ والنصب ركناً من الإيمان، فخطاب المؤمن وأشباهه إنّما هو موجّه إلى المؤمن الواقعي، وإن اختلفت أركان الإيمان بحسب الزمان، على ما أفاده الإمام الخميني.
ثالثاً: ما أفاده السيد الخميني أيضاً، من أنّ الأئمة عليهم السلام لا يقولون إلا بما يقوله الله تعالى، فإذا عرفنا أنّ الإيمان في عقائدهم وكلماتهم يقصد به الشيعي خاصّة، كشف ذلك عن أنّه هو المقصود في النصوص القرآنية والرسوليّة أيضاً.
رابعاً: ما أكّده أكثر من فقيه، كالسيد الخوئي والسيد الخميني والشيخ النراقي والشيخ النجفي والشيخ البحراني والشيخ الأنصاري والسيد العاملي، من القطع بعدم وجود أخوّةٍ بيننا وبينهم، كيف وقد لزمت البراءة منهم.
أ ـ إنّ دراسة النصّ القرآني تؤكّد لنا أنّ عنوان المؤمن يراد به من آمن بالله ورسوله وملائكته وكتبه، وقد عزّزت الآيات القرآنية هذا المفهوم في عشرات الموارد، وهو ما تستدعيه طبيعة الكلمة بلحاظ ظرف صدروها، فلا داعي من ناحية أوليّة للتشكيك في هذا المضمون، ولهذا اعترف السيد الخوئي بأنّ كلمة المؤمن في النصوص القرآنية تعني مطلق المسلم، إذ لا عين ولا أثر في النصّ القرآني على دور التشيّع في وصف الإيمان المستخدم في الآيات القرآنية.
ب ـ وفقاً لما تقدّم تكون الأخوّة الثابتة في النص القرآني بين المؤمنين، مستوعبةً لكلّ المسلمين، فلا داعي للقول بانتفاء الأخوّة بين المسلمين عندما يختلفون مذهبيّاً.
ج ـ إنّ الإمام الخميني لم يوضح لنا كيف صارت الولاية ركناً من الإيمان بهذا المعنى الذي يرتّب آثار الكفر على عدمها، وكيف ضيَّقَ الاطلاقات القرآنيّة هنا؟ وإلا لصدق أنّ منكر أيّة فكرة عقائديّة كالعصمة أو الأمر بين الأمرين ـ ولو من خلال اجتهاد كلامي ـ غير مؤمن؛ لأنّه يناقض الإيمان الواقعي.
د ـ إنّ كون الأئمّة عليهم السلام لا يقولون إلا بما يقوله تبارك وتعالى، لا يعني أنّهم مقيّدون بالمصطلح وأنّه لا يجوز لهم أن يبتكروا مصطلحاً ما، مع عدم معارضة العقيدة القرآنية، فإنّ غاية ما في الأمر أنّهم أرادوا استعمال كلمة المؤمن في الشيعي (لو صحّ التخصيص المدّعى هذا، والمرسَل إرسال المسلمّات)، دون أن يبطلوا الاستعمال القرآني، أو يحرّفوا معناه، فإنّ هذا مجرّد اصطلاح.
هـ ـ لم نعرف سبب الجزم بنفي الأخوّة بيننا وبينهم، مع تأكيد المفهوم القرآني عليها، وفق ما تقدّم. وأمّا التبري منهم فهو لا يتنافى مع الأخوّة والإيمان، تماماً كالتبرّي من أصحاب البدع والظالمين وغيرهم، فإنّ التبرّي ليس سوى هذه الحالة القلبية الرافضة لما أقدموا عليه، وأقصاه قطع الاتصال بالمتبرّى منه، لا تجويز الغيبة وسقوط حرمته، فنحن نتبرّى من أهل الكتاب، لكنّ القرآن لم يمنعنا من الإحسان إليهم والسماح لهم بالعيش واحترام حقوقهم، فالتبرّي لا يلازم سقوط حرمة الشخص مطلقاً.
وبهذا يظهر أنّ الآية الكريمة الواردة في النهي عن الغيبة، وكذلك نصوص السنّة الشريفة، قابلة للشمول للمقام، طالما أثبتنا أنّ المخالف مسلم. فالصحيح هو الحكم بحرمة غيبة المسلمين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم، ما لم يتعنون الشخص بعنوان ثانٍ من العناوين التي تجيز غيبته بلا فرق بين كونه شيعيّاً أم غيره، والله العالم. (هذه خلاصة للموضوع، والتفصيل في محلّه).