السؤال: يقال بأنّ تعارض البيّنات يسقطها، هل لهذا القول شروط؟ وهل تباين أهل الخبرة في تعيين المرجع الديني الأعلم يدخل ضمن هذه القاعدة؟ (خليفة، المملكة العربية السعودية).
الجواب: تعارض البيّنات يسقطها من حيث المبدأ، إلا أنّ هناك وجهة نظر تقول بأنّ تعارض الشهادات في قضيّة الأعلميّة يفترض الرجوع فيه إلى الشهادة التي تكون أقوى وثوقاً، فلو شهد عشرة لشخص بالأعلميّة، فيما شهد لشخص آخر مائة، ولم تكن هناك خصوصيّات ما، فإنّ شهادة المائة تقدّم على شهادة العشرة. ويمكن أن يكون الأقلّ عدداً مرجّحاً على الأكثر عدداً، وذلك إذا كان الأقلّ عدداً أكثر خبرويّةً من الأكثر عدداً. فالمعيار هنا ليس قواعد البيّنات الحرفيّة التي تجري فقهيّاً في العمل القضائي وأعمال القضاة والمحاكم، بل هو مفهوم أهل الخبرة ومرجعيّة أهل الخبرة، ولذلك قال كثيرون بكفاية الشخص الواحد من أهل الخبرة في إثبات الأعلميّة إذا كان ثقةً (ولو لم يكن عدلاً) بلا حاجة لعدلين اثنين كما هي شروط البيّنات القضائيّة.
وحجيّة قول أهل الخبرة مرتبطة بالبناء العقلائي القائم على الوثوق، فحيث كان الأمر راجحاً عقلائيّاً أو موجباً لحصول الوثوق كان هو المقدّم، ولهذا قال كثيرون بما أشرنا إليه قبل قليل. بل في بعض الحالات إذا تعارضت شهادات الأعلميّة فإنّ أقوائيّة واحدةٍ منها إن لم توجب الاعتماد عليها، فهي توجب صيرورة احتمال الأعلميّة في الذي تشهد له أقوى من احتمالها في غيره، وبعض الفقهاء يفتي بوجوب تقليد من كان احتمال الأعلميّة فيه أقوى من غيره عند عدم تحقّق الشهادة الملزمة، فتكون الأقوائيّة في البينات طريقاً لأقوائيّة احتمال الأعلميّة الموجبة في نهاية المطاف للزوم تقليد من قامت البيّنة الأقوى عليه؛ لكونه الأقوى احتمالاً في أن يكون هو الأعلم، فالموضوع متداخل مع عناوين أخرى ولا يصحّ فرضه وكأنّه شهادة قضائيّة بشكل حرفي.