السؤال: ما رأي سماحتكم بحديث بول الإبل وفوائد شربه، حيث يذكر أنّ قوماً جاءوا المدينة النبويّة فمرضوا، فأشار عليهم النبي عليه السلام بالشرب من ألبان الإبل وأبوالها، فصحّوا وسمنوا؟ (ندى السادة).
1 ـ جواز شرب بول الإبل مطلقاً دون تقييد بالاستشفاء، كما هو ظاهر عبارات بعض العلماء كالمحقق الحلي في الشرائع، وأستاذنا السيد محمود الهاشمي.
2 ـ جواز شرب بول الإبل للاستشفاء ولو لم يتعنون بعنوان الضرورة، وهو ظاهر عبارة كثيرين أيضاً، كالسيد الإصفهاني في وسيلة النجاة، والسيد محسن الحكيم، والسيد الخميني، والسيد الخوئي، والسيد الكلبايكاني، والسيد السيستاني، والشيخ محمد إسحاق الفياض، والشيخ وحيد الخراساني، والشيخ لطف الله الصافي.
3 ـ حرمة شرب بول الإبل كسائر الحيوانات المحلّلة الأكل أو المحرّمة إلا في مورد الضرورة، وهو ما ذهب إليه السيد محمد باقر الصدر، والسيد محمد صادق الروحاني، واحتاط فيه وجوباً السيد محمد حسين فضل الله.
وقد انطلق المجوّزين هنا بفريقهم ـ الأوّل والثاني ـ من بعض الأحاديث، وهذه الأحاديث على مجموعات ثلاث بحسب التحليل:
المجموعة الأولى: ما دلّ على جواز شرب بول الإبل للاستشفاء لكن في حال الضرورة للتداوي، أو لا أقلّ من عدم دلالته على غير مورد الضرورة، مثل:
أ ـ خبر عمار بن موسى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن بول البقر يشربه الرجل قال: إن كان محتاجاً إليه يتداوى به يشربه، وكذلك أبوال الإبل والغنم»، فإنّ الجواب ظاهر في الترخيص حال الحاجة، وهذه الرواية تشكّل مستنداً رئيساً للقائلين بالحرمة هنا، حيث إنّ المفهوم منها هو الحرمة في غير حال التداوي. ويكاد يتسالم المتأخّرون على التعبير عن هذه الرواية بأنّها موثقة، فيعتمد عليها في الاحتجاج الفقهي، وما يبدو لي سبباً في هذا التوصيف هو أنّ الجميع قرأ هذه الرواية في (تفصيل وسائل الشيعة) للحرّ العاملي، وليس في السند ـ بحسب الوسائل ـ أحمد بن يحيى الأشعري، لهذا وثقوا الحديث، لكنّ الموجود في التهذيب هو رواية محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن يحيى، عن ابن فضال، وهذا معناه أنّ هناك واسطة سقطت من نسخة الوسائل، وهي أحمد بن يحيى، وهذا الرجل مهمل، وما يؤكّد ما نقول هو أنّه في جامع أحاديث الشيعة ذكر أحمد بن يحيى، كما التفت إلى ذلك أيضاً محقّقو كتاب الوسائل مؤخّراً، ومع تردّد حال السند بين الصيغتين يفترض تضعيف هذا الحديث لا تصحيحه.
ب ـ خبر أبان بن عثمان، عن أبي صالح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله قوم من بني ضبة مرضى، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: أقيموا عندي فإذا برئتم بعثتكم في سرية، فقالوا: أخرجنا من المدينة، فبعث بهم إلى إبل الصدقة يشربون من أبوالها ويأكلون من ألبانها، فلمّا برأوا واشتدّوا قتلوا ثلاثة ممّن كان في الإبل، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله الخبر، فبعث إليهم عليّاً عليه السلام وهم في واد قد تحيّروا ليس يقدرون أن يخرجوا منه ـ قريباً من أرض اليمن ـ فأسرهم، وجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فنزلت هذه الآية: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداًَ أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض﴾، فاختار رسول الله صلى الله عليه وآله القطع، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف». فهذا الحديث يدلّ على شربهم أبوال الإبل للتداوي، ولا نستطيع الجزم بكون هذا الشرب لم يكن للضرورة، والقدر المتيقّن من الدلالة أنّه للضرورة، وغيره لا إطلاق في النص يشمله، نعم لا دلالة في هذا الحديث على حرمة شرب أبوال الإبل في غير حال الضرورة ولو من دون الاستشفاء.
وليس في هذا الحديث وفقاً لنقل كلّ من الشيخ الكليني في الكافي والشيخ الطوسي في التهذيب والعياشي في التفسير وغيرهم، ما يشير إلى أنّ النبيّ هو الذي أمرهم بشرب أبوال الإبل، كلّ ما في الأمر أنّه أرسلهم لهناك كي يشربوا، لا أنّه أمرهم بالشرب، فغاية ما يدلّ عليه الحديث هو سكوته عن شربهم، فقد تكون الثقافة الطبية العربية تعتمد شرب أبوال الإبل للاستشفاء فأرادوا الذهاب إلى الإبل كي يشربوا، فأرسلهم الرسول إلى تلك الإبل، وهذا غير أمره لهم بالشرب، وهكذا الحال في الخبر الأوّل فهو تقديريٌّ؛ إذ يقول له الإمام بأنّه لو اضطررت أمكنك الشرب، ولا يأمره بالشرب. نعم الخبر الثاني ورد في كتاب دعائم الإسلام وغيره من دون سند، وفيه أمرهم النبي بذلك. هذا، وخبر بني ضبّة ومجيئهم المدينة ضعّفه بعض العلماء سنداً مثل السيد الكلبايكاني في بحوثه في الحدود والتعزيرات، ولعلّ مستنده في التضعيف أنّ أبا صالح الوارد في السند هو إمّا مردّد بين عجلان أبو صالح وشخص آخر، أو أنّه عجلان أبو صالح لكنّ اسم عجلان أبو صالح يطلق على عدّة أشخاص وفقاً لما جاء في رجال الشيخ الطوسي، ومن وثقه الكشي يمكن أن يكون واحداً منهم فقط، ومن ثم لا نحرز تطابق من وثق في رجال الكشي مع اسم (أبو صالح) الوارد في السند هنا، فيقع الإشكال السندي، ويكون السند هنا ضعيفاً.
وعليه، فهذه الأحاديث تفيد جواز شرب بول الإبل في حال التداوي والضرورة، ولا تفيد الجواز في غير هذه الحال. وهنا إذا قلنا بأنّ المعصوم ملزم ببيان الشؤون الواقعيّة فإنّ سكوته عن قول السائل بأنّ بول الإبل يراد به الاستشفاء معناه أنّه يستشفى به، وإلا لحرّم عليه شربه في مورد التداوي لفرض عدم حصول التداوي به، وأمّا إذا قلنا بأنّه لا دليل على علم المعصوم بأنّ الإبل بوله يكون دواءً أم لا، أو علمه بذلك مع عدم لزوم بيان الموضوع للمكلّف، فإنّ جواب هذه الأسئلة لا يفيد توصيف بول الإبل بأنّ فيه الشفاء، بل يفيد أنّه لو وصف لك هذا البول للشفاء من قبل المختصّين فيجوز لك شربه.
المجموعة الثانية: وهي التي تدلّ على جواز شرب بول الإبل عندما يوصف للإنسان لأجل الوجع، وليس هنا ما هو المهم سوى خبر سماعة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شرب الرجل أبوال الإبل والبقر والغنم تنعت له من الوجع، هل يجوز له أن يشرب؟ قال: «نعم لا بأس به»، فقد يقال بأنّ الجواب مطلق في الترخيص حتى لو كان له بديل آخر يرفع به الوجع، إلا أنّ الإنصاف أنّ ظاهر الخبر هو حال الضرورة، ولا أقلّ من عدم الاطمئنان بانعقاد إطلاق لغيرها. وهذا الحديث ضعيف السند؛ إذ تفرّد بنقله ابنا بسطام في طبّ الأئمّة، ولم تثبت وثاقتهما، بل في السند مجاهيل آخرون أيضاً.
المجموعة الثالثة: وهي التي توصّف حال بول الإبل وتحكي عن كونه شافياً وأنّ فيه الخير، مثل خبر الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام يقول: «أبوال الإبل خيرٌ من ألبانها، ويجعل الله الشفاء في ألبانها»، فهو يدلّ على أفضلية بول الإبل على لبنه، مع أنّ الشفاء في لبنه. لكنّه ضعيف السند ببكر بن صالح.
وعليه، فليس في الأخبار المعتبرة السند في باب بول الإبل ما يفيد وصفها دينيّاً للشفاء أو تحريم شربها، فتبقى في المقام الأدلّة العامّة التي استدلّوا بها على حرمة بول مطلق مأكول اللحم، فمن يرى تلك الأدلّة يحكم هنا بالحرمة مطلقاً إلا في حال الضرورة، وإلا ـ كما هو الصحيح لضعف مستنداتهم هناك ـ فيحكم بالجواز مطلقاً ولو لغير الاستشفاء فضلاً عن الضرورة، فالحقّ مع القائلين بالحليّة مطلقاً هنا، والله العالم. هذا كلّه على مباني القوم، ولي في فقه الأطعمة والأشربة برمّته نظريّة خاصّة مختلفة نعزم على الشروع بها في درس البحث الخارج قريباً جدّاً بإذن الله، وعسى تأتي الفرصة لتوضيحها بالتفصيل.