السؤال: يرى بعضهم أنّ كتب الرجال السنيّة أهم وأوجب للوثوق والاطمئنان من كتب الرجال الشيعيّة كونها كثيرة من حيث العدد قياساً بما عند الشيعة، فما رأيكم بذلك؟ (ماجد، العراق).
1 ـ القرب الزمني لعصر الرواة الذين يقوم العالم الرجالي بتوثيقهم أو تضعيفهم أو الحديث عنهم، إذ كلّما قرب الزمان وقلّت الوسائط ارتفع معدّل الوثوق.
2 ـ المنهج المعتمد عند العالم الرجالي، فهناك مناهج تسامحيّة متساهلة يكثر عندها التوثيق، وفي هذه الحال لو تعدّد الرجاليون الذين يتبعون هذا المنهج لربما لا يساوي العشرة منهم من حيث الوثوق ما يراه رجاليّ ناقدٌ متشدّد، ولهذا لم يعتدّ بعض العلماء السنّة بتوثيقات ابن حبان البُستي ولا بتصحيحات الحاكم النيسابوري؛ لكونهما يتّبعان ـ من وجهة نظرهم ـ منهجاً متساهلاً في التوثيق رغم كونهما من كبار العلماء، وقد قسّم أهل السنّة العلماء إلى أقسام من حيث التشدّد والتساهل والتوسّط. وهناك نقطة بالغة الأهميّة هنا تتصل بالمنهج، وهي أنّهم قد يوثقون راوياً لرواياته في مدح الصحابة أو يضعّفون آخر لروايته ما يصفونه بالرفض أو التشيّع، وهذا يعني أنّ قيمة توثيقات علماء السنّة بالنسبة لشخص شيعي تابعة لنوعيّة المبادئ الفكرية التي يقوم عالم الرجال السنّي بعرض مرويّات الراوي عليها، كي يقوم بتقويمه من حيث الصدق والكذب، فإذا اكتشفنا أنّ هذه المنطلقات محلّ خلاف بيننا وبينه أشكل الأمر، ولم يعد يمكن اعتبار تقييمه ذا قيمة احتمالية معتدّ بها، والتوثيقات والتضعيفات الرجالية متأثرة ـ كما قلنا في مناسبة أخرى ـ بعمليات نقد المتن الحديثي عند الرجاليين. وهكذا الحال في تعاطي السنّي مع توثيقات علماء الرجال الشيعة، وهذه أحد أسباب ضعف التواصل العلمي بين علمي الرجال عند السنّة والشيعة.
3 ـ عدد الرجاليين، وهذا عنصر آخر إذ كلّما زاد العدد صارت هناك احتماليّة أكبر في الإصابة، لكن في الأمر تفصيلاً أيضاً، وذلك أنّه كلّما زاد عدد علماء الرجال المتقدّمين القريبين من عصر الرواة، وزادت كتبهم الرجاليّة، فإن اختلفوا في المنهج بحيث أحرزنا أنّهم لم يتساهلوا بالنقل عن بعضهم، ومع ذلك وثّقوا شخصاً، فإنّ احتمال وثاقته ـ ما لم يكن مزاحم ـ يكون قويّاً نسبيّاً، وبهذا تمتاز كتب الرجال السنّية عن كتب الرجال الشيعيّة القديمة من حيث كثرتها واختلاف مناهج أصحابها، وتعدّد انتماءاتهم العقائديّة (أشاعرة، معتزلة، ماتريديّة، أهل حديث و..)، ووجود المتشدّدين فيهم، فلو لم تكن هناك خصوصيّة معيّنة في الراوي بحيث تثير احتمال اشتباههم أو نقلهم عن بعضهم، أو وجود نكتة موحّدة هي التي دفعتهم جميعاً للتوثيق ولا نوافقهم عليها أو.. فإنّ احتمال وثاقته يكون أكبر نسبيّاً، بخلاف كتب الرجال الشيعيّة القديمة، فهي قليلة نسبيّاً، ترجع إلى حوالي خمسة أشخاص فقط، ولا يساوي مجموعها كتاباً واحداً لأهل السنّة ككتاب الجرح والتعديل للرازي، وهنا يكون احتمال الخطأ أكبر منه هناك، لاسيما مع عدم وضوح منهج بعضهم في التضعيف والتوثيق ولا مدركه ولا مستنده، بخلاف كتب أهل السنّة عادةً، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أنّه لو تفرّد عالمٌ رجاليّ واحد بتوثيق شخص لا يمكن الأخذ بتوثيقه؛ إذ لا يمكن إقامة شريعة الله وعشرات الأحكام الشرعيّة والمفاهيم العقائديّة على مجرّد توثيق واحد لعالم واحد، لاسيما لو عرف بالمنهج غير المتشدّد كابن حبّان البستي من علماء أهل السنّة، والشيخ النمازي الشاهرودي من علماء الشيعة. وعليه فالمسألة تحتاج لرصد شامل قبل الحكم بالترجيح بمجرّد الوفرة العددية.