السؤال: هل الرجعة من ضروريّات الدين أم لا؟ يقولون لنا بأننا يجب أن نحصّل أمورنا العقائدية بطريقة ذاتية, فنقوم بسؤالهم (أي المشايخ) عن الأمور العقائدية مثل الرجعة, فيأتيك الجواب بسيلٍ من أدلّة الرجعة، ويتبع ذلك أنّ الرجعة من ضروريّات الدين. ولا يأتون على ذكر أيّ رأي آخر! من قال بأنّني يجب أن أعتقد بهذا الرأي؟! أليس من الممكن أن أقتنع بالرأي الآخر؟! وحتى من آمن بذلك ـ كائناً من كان حتى لو كان الإمام الخميني ـ من الممكن أنّ عقلي القاصر لا تقنعه أدلّة الإمام الخميني، أو على الأقل لا يستطيع استيعابها. أليس من حقّي ذلك سماحة الشيخ؟! فهل الرجعة من ضروريات الدين؟ وهل أكون مقصّراً بحقّ الأئمّة إذا لم أعترف برجعتهم أو أكون قد ارتكبت محرّماً بعدم الاعتقاد؟! (مصطفى، لبنان).
الجواب: ثبوت شيء اعتقادي لا يعني أنّه من الضروريات ولو كنّا على يقين به، والرجعة ما دامت قد قامت عليها الأدلّة اليقينيّة فتكون أمراً اعتقادياً، لكنّ هذا لا يعني أنّها من أصول المذهب أو ضروريّاته، وقد سئل السيد الخوئي عن هذا الأمر وأنّها من أصول المذهب أم لا، فأجاب ما نصّه: (ليست من أصول المذهب، ولكنّها ثابتة يقيناً، لورود أخبار معتبرة فيها، ولا يبعد تواترها إجمالاً، والله العالم) (صراط النجاة 3: 420)، ولم يعلّق عليه الشيخ التبريزي ممّا يفهم منه الموافقة. وقد سئل الشيخ جواد التبريزي رحمه الله عن ذلك، وهذا نصّ السؤال والجواب: (لقد كثر الحديث عن الرجعة وما هي وهل يوجد رجعة لأهل البيت (عليهم السّلام)؟ وما هي طبيعة الرجعة وكيفيتها وما هي الأحاديث التي تنصّ على الرجعة إذا كانت بالفعل موجودة، وهل الرجعة من الأمور المسلّم بها عند العلماء؟ ومن هم الذين يرفضونها؟ وما هي الكتب التي يجب أن نرجع لها لحسم هذا الموضوع؟ باسمه تعالى: إنّ الرجعة حقّ، وليس من الضروريّات، بل من المسلَّمات عند العلماء في الجملة، ولا يخرج الشخص بجهله كونها من المسلَّمات عن الإيمان والإسلام، والله العالم) (صراط النجاة 5: 290). نعم السيد الكلبايكاني لا يستبعد كونها من ضروريات المذهب (إرشاد السائل: 203)، ولا نقاش في أنّها من القضايا التي ادّعي عليها الإجماع الشيعي منذ قديم الأيّام.
نعم، هناك من تأوّل الرجعة برجوع الدولة مع ظهور الإمام المهدي، كما نقله السيد المرتضى وردّه، وهناك علماء أنكروا الرجعة واعتبروها مخالفةً للقرآن الكريم، كالشيخ محمّد جواد مغنيّة حيث يقول: (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ…) يطلب الرجعة عند انتهاء الأجل! وهيهات قد فات ما فات (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) وكفى أي لا تغني عنه شيئاً، لأنّ من مات فقد قامت قيامته (ومِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي يوم القيامة، والبرزخ الحائل، والمعنى: دون رجعة الموتى إلى الدنيا مانعٌ بإرادة اللَّه ومشيئته، وأيضاً معنى هذا أنّ الروايات الواردة في الرجعة مخالفة لظاهر هذه الآية، وفي الخطبة 107 من خطب نهج البلاغة «حيث لا إقالة ولا رجعة»، والخطبة 188: «فلا رجعة تنالون، ولا عثرة تقالون») (مغنيّة، التفسير المبين: 454).
ثانياً: إنّ تفاصيل الأمور الاعتقاديّة لا يجب البحث فيها، وليس فيها تقليد، بل يجب الاعتقاد الإجمالي على ما هي عليه الأمور في الواقع. لكن إذا قامت الأدلّة أمام الإنسان فعليه الاعتقاد والتسليم، ولا يكفي مجرّد أنّه لا ينسجم نفسيّاً معها فهذا كلام غير علمي إطلاقاً، وعلينا دوماً ترويض أنفسنا للتسليم بالدليل عندما تتوفّر فيه شروط المنطقية والعلميّة. ونحن لا نطالب بالاقتناع بما يقوله العلماء قهراً وجبراً، لكن نطالب بالاستماع إليهم، وتقبّل الحقيقة عندما يكون الدليل صحيحاً، وأمّا إذا لم يكن الدليل مقنعاً لك وكنت غير مقصّر في التعاطي الإيجابي مع الأدلّة، فلا يثبت تحريمٌ أو عقاب في هذه الحال، كائناً من كان القائل بهذا الرأي، مع الاحترام والتقدير للجميع. كما أنّ عدم ذكر بعض العلماء للرأي الآخر أمرٌ بل عادةٌ غير صحيحة عندما يكون الجوّ جوّاً علميّاً يراد من خلاله إيصال الآخرين إلى نتيجة علميّة موضوعيّة.