السؤال: أستاذنا الفاضل، دائماً أسمع منك تقسيم السنّة إلى محكيّة وواقعيّة، فهل الاختلاف مع القرآنيين في المحكيّة أم الواقعيّة؟ أرجو الإفادة (نشوان المصري، اليمن).
الجواب: السنّة الواقعية هي واقع ما صدر عن النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وأمّا السنّة المحكيّة فهي النصوص الواصلة إلينا والموجودة في مثل كتب الحديث عند المسلمين، والتي تحكي لنا عمّا صدر عن النبيّ، بطريقٍ يقيني تارةً كما في حال التواتر، وظنّي أخرى كما في حال أخبار الآحاد.
ومركز الخلاف بين القرآنيين وغيرهم هو في السنّة الواقعيّة، فهم يرون أنّ النبيّ لا حجيّة لسنّته، وإنّما الحجيّة للقرآن الكريم فقط، والأمر القرآني بإطاعة الرسول الأعظم إنّما هو أمرٌ بإطاعة القرآن الذي يخبرنا به النبيّ من جهة، وأمرٌ بإطاعة الرسول في أحكامه الولائية الزمنيّة في عصره فقط من جهة ثانية. ولكنّنا نجد في بعض الأحيان أنّ بعض القرآنيين يقبلون مبدأ حجيّة السنّة الواقعيّة، لكنّ دائرة السنّة المحكية الحجّة عندهم محدودةٌ للغاية، كما في قول بعضهم بأنّ الحجّة هو السيرة العمليّة فقط، أي تلك العادات المتوارثة المعلومة ككيفيّة الصلاة مثلاً، وأحياناً نجد بعضهم يتحدّث عن حجيّة الخبر اليقيني فقط، ويرى أنّ اليقين بالأخبار والأحاديث نادر الحصول جدّاً. لكن على أيّة حال النقطة الخلافيّة الأساسيّة بين القرآنيين وغيرهم تكمن ـ بالدرجة الأولى ـ في السنّة الواقعيّة.
وما توصّلت إليه بنظري القاصر ـ من خلال رحلتي مع السنّة والحديث ـ هو حجيّة السنّة الواقعيّة في الجملة، على تفصيل ذكرته في كتابي المتواضع (حجيّة السنّة في الفكر الإسلامي)، واختلفتُ مع القرآنيين في هذا الأمر وناقشت أدلّتهم. كما أنّني وإن لم أقُل كما قال بعض القرآنيين بحجيّة خصوص السيرة العمليّة، أو خصوص الخبر اليقيني القاطع، لكنّني حصرت حجية السنّة المحكية في أبحاثي المتواضعة حول حجية الحديث بالخبر المطمأنّ بصدوره، دون مطلق خبر الثقة، ولهذا أجد نفسي في الفريق الذي تقلّ عنده الأخبار المعتبرة نسبيّاً، لكن دون أن تبلغ حدّ ما ذهب إليه بعض القرآنيين والذي أراه مبالغاً فيه من ناحية التشدّد النقدي، والعلم عند الله.