السؤال: هل كان أئمة أهل البيت الذين يؤمن بهم الشيعة عندما يُفتون، يُسندون أو يستدلّون بنصوص القرآن الكريم والسنّة الشريفة أم كانوا يستقلّون بالفتوى دون ذلك وكأنّهم رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ (عمر محمّد، مصر).

الجواب: لقد ورد عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام أنّهم لا يقولون برأيهم، بل يقولون بما جاء في الكتاب والسنّة، وأنّ ما عندهم مأخوذ من كتاب الله تعالى وممّا أخذوه عن جدّهم رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، ففي خبر سورة بن كليب وصحيحة حمّاد بن عثمان، قال: قلت لأبي عبد الله: بأيّ شيء يفتي الإمام؟ قال: mبالكتابn، قلت: فما لم يكن في الكتاب؟ قال: mبالسنّةn، قلت: فما لم يكن في الكتاب والسنّة؟ قال: mليس شيء إلا في الكتاب والسنّةn، قال: فكرّرت مرّةً أو اثنين، قال: mيسدّد ويوفّق، فأما ما تظنّ فلا n(بصائر الدرجات: 407 ـ 408).

وفي صحيحة سماعة، عن أبي الحسن موسى، قال: قلت له: أكلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيه$، أو تقولون فيه؟ قال: mبل كلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وآله n (الكافي 1: 62؛ وبصائر الدرجات: 321، 322).

وفي خبر قتيبة، قال: سأل رجل أبا عبد الله عن مسألة فأجابه فيها، فقال الرجل: أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها؟ فقال له: mمه، ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله$، لسنا من: أرأيت، في شيءn وقريب منه خبر عنبسة (بصائر الدرجات: 320 ـ 321).

وفي صحيحة جابر، قال: قال أبو جعفر: mيا جابر، والله لو كنّا نحدّث الناس أو حدّثناهم برأينا لكنّا من الهالكين، ولكنا نحدّثهم بآثار عندنا من رسول الله$، يتوارثها كابر عن كابر، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهمn (بصائر الدرجات: 319 ـ 320). وقريب منه كلّ من خبر محمد بن شريح وخبر الأحول، وهو خبر مرويّ بستة أسانيد إلى هؤلاء الثلاثة.

وفي خبر جابر بن يزيد الجعفي، قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر: إذا حدّثتني بحديث فأسنده لي، فقال: mحدّثني أبي، عن جدّي، عن رسول الله$، عن جبرئيل، عن الله عز وجل، وكلّ ما أحدّثك بهذا الإسنادn. وقال: mيا جابر، لحديث واحد تأخذه عن صادق خير لك من الدنيا وما فيهاn (أمالي المفيد: 42).

وفي صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله، قال: سمعته يقول: mإنّ عندنا صحيفة طولها سبعون ذراعاً، إملاء رسول الله$، وخطه علي بيده، وإنّ فيها لجميع ما يحتاج إليه الناس حتى أرش الخدشn (بصائر الدرجات: 163).

وفي خبر سليمان بن خالد، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: mإنّ عندنا لصحيفة سبعين (سبعون) ذراعاً، إملاء رسول الله$، وخطّ علي بيده، ما من حلال ولا حرام إلا وهو فيها، حتى أرش الخدشn (بصائر الدرجات: 162 ـ 163؛ وانظر بعض الروايات الإضافيّة في: الكافي 1: 242).

ومؤخّراً أصدر سماحة الشيخ محمد جعفر مروّجي الطبسي كتاباً في مجلّدين، واسمه (تمسّك العترة الطاهرة بالقرآن الكريم)، وقدّم له سماحة المرجع الديني الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله، ونشره المركز الفقهي للأئمة الأطهار التابع لسماحة المرجع الديني الراحل الشيخ محمد فاضل اللنكراني رحمه الله، وقد جمع فيه المؤلّف الموارد التي صرّح فيها أهل البيت النبوي عند بيانهم للفتوى بالاعتماد على القرآن الكريم والاستشهاد بآياته والاستدلال بنصوصه، وكان في كتابه 563 رواية عنهم عليهم السلام، بيّنت استدلالهم الفقهي بما يقرب من سبعمائة آية قرآنية، وهو كتاب نافع جداً في هذا المجال وفي بحث التفسير الروائي لآيات الأحكام، فجزاه الله خيراً على هذا العمل الطيّب.

وهناك محاولة تمّ فيها استقراء الأحاديث الشريفة الواردة، والتي استندت إلى آيات القرآن الكريم، فبلغ عدد الآيات التي استند إليها في النصوص الأحكامية الحديثية عند الإماميّة ما يزيد عن 800 آية قرآنية (راجع: موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت 2: 48، 437 ـ 442).

وعليه، ففي النصوص عن أهل البيت الكثير من الإفتاء القائم على مرجعيّة القرآن الكريم، هذا فضلاً عن النصوص التي اعتمدت السنّة النبويّة الشريفة أو استدلّت بها، وهي كثيرة أيضاً ومعروفة. ولمزيد من المراجعة حول جوانب هذا الموضوع، يمكنكم مراجعة كتابي (حجيّة السنّة في الفكر الإسلامي، قراءة وتقويم: 517 ـ 569).