السؤال: بالنسبة لأركان التوبة التي قالها أمير المؤمنين، سؤالي هو: إذا أردتُ أن أتوب إلى الله، فهل أتّبع أركان التوبة واحدةً بعد الأخرى، أي إذا لم أنتهِ من السابقة لا أستطيع أن أبدأ باللاحقة؟ ففي الركن الرابع يقول الإمام علي عليه السلام: «أن تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها». سؤالي هو إذا لم اُنهِ كلّ القضاء الذي عليّ من الواجبات لا أستطيع أن أذهب إلى الركن الخامس أم لا، فعندما أبدأ بالقضاء أستطيع أن أذهب إلى الركن الخامس؟ كما أنّ الإمام الخميني في كتابه (الأربعون حديثاً) بالنسبة للركن الخامس الذي هو: (أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية) يقول: فإذا سهر ليلةً في المعصية تداركها بليلة من العبادة, سؤالي: هل قول الإمام الخميني يعني أن أستذكر المعاصي التي عملتها وأقول مثلاً إنّني عصيت الله تعالى ثلاثين ليلة، ومن ثمّ أقوم بعبادة الله ثلاثين ليلة؟ وإذا كان كذلك فكيف أتعامل مع نفسي بالنسبة لتحميلها أكثر من طاقتها؟ (Ombanen Fatima).
الجواب: أولاً: هذا الحديث للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام جاء كالتالي: «وقال عليه السلام (لقائل قال بحضرته أستغفر الله): ثكلتك أمّك، أتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العلّيين. وهو اسمٌ واقع على ستّة معان: أوّلها الندم على ما مضى. والثاني العزم على ترك العود إليه أبداً. والثالث أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة. والرابع أن تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها. والخامس أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحمٌ جديد. والسادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول أستغفر الله» (نهج البلاغة 4: 97 ـ 98؛ وروضة الواعظين: 479؛ ومكارم الأخلاق: 314؛ والتذكرة الحمدونية: 89 ـ 90؛ وفلاح السائل: 198؛ والزرندي الحنفي، معارج الوصول: 54؛ والديلمي، إرشاد القلوب 1: 47؛ وتحف العقول: 197، وفي التحف يوجد باختلاف يسير).
ثانياً: إنّ هذا الحديث رغم اشتهاره وتداوله لكنّه في جميع مصادره المتوفّرة لا سند له أصلاً، وأقدم مصادره كتاب تحف العقول للحراني ونهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي، وتفصلهما قرون عن عصر الإمام علي، وباقي العلماء يمكن أن يكونوا أخذوا منهما، وما ورد في (جوامع الجامع 3: 594، وغيره) من مضمون مقارب لهذا المضمون أيضاً لا سند له، لهذا فهذا الحديث يصعب إثبات نسبته إلى الإمام عليّ عليه السلام، لاسيما بعد خلوّ أمّهات المصادر الحديثية عند الشيعة والسنّة منه، وأغلب مصادره متأخّرة عدا ما أشرنا إليه. مضافاً إلى أنّ فيه رائحة التصوّف التي تجعل الاستغفار أمراً بالغ الصعوبة. وإضافةً أيضاً إلى عدم وضوح مبرّر القسوة التعبيريّة التي واجه بها الإمام علي ذلك الشخص، ما لم نفرض خصوصيّةً في الشخص المذكور ولم يُرد الناقل بيان اسمه عمداً. نعم تأدية الحقوق للمخلوقين واجبٌ مستقلّ. والتوبة عند مشهور العلماء هي المعنى الأوّل والثاني فقط من هذا الحديث، ولهذا لو ندم وعزم صدقت التوبة وعادت عدالته بعد سقوطها وترتّبت مجدّداً آثار العدالة القانونية عليه.
ثالثاً: لو أخذنا بهذا الحديث فليست فيه أيّة إشارة لهذا الترتيب، بل هو يعدّد المعاني الستّة ولا يرتّب بينها، فيمكن للإنسان فعل المتأخّر ذكراً منها ثم فعل المتقدّم كذلك، فلم يقل الحديث: تندم ثم تذيب ثم تؤدّي الحقوق، بل قال: تندم وتذيب وتؤدي، وهذا النسق لا يفيد الترتيب.
رابعاً: ظاهر الحديث ـ ولعلّه مراد الإمام الخميني أيضاً ـ هو أن يقوم الشخص بفعل هذه الأمور بقصد الإنابة والتوبة، ثم بعد ذلك تصل المرحلة إلى التلفّظ بالاستغفار، وقد يقال بأنّه يكفي وقوعها ولو لا بقصد الاستغفار، ثم بعد ذلك يستغفر بلسانه، بناءً على أنّ التوبة هي الركن الأوّل والثاني فيما الاستغفار مرحلةٌ لاحقة عليها. وأمّا مسألة الإطاقة والقدرة والتحمّل فهذا تابع لإمكانات الشخص، فإذا استطاع كان مطلوباً وإلا فبحسب القدرة؛ حيث ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا.. ﴾ (البقرة: 286).