السؤال: انطلاقاً من قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالاً..)، هل يفترض أن يعيش أتباع المذاهب والأديان التي تمثّل أقلّيةً مواطنين من الدرجة الثانية، كما يسمّى اليوم؟!
الجواب: إنّ هذه الآية الكريمة لا تعطي هذه النتيجة، وذلك أنّ قوله تعال: (يا أيّها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالاً ودّووا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بيّنّا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) (آل عمران: 118) قد يفهم منها أنّها تمنع عن جعل غير المسلم بطانةً للمسلم، والبطانة مقابل الظهارة، وهي ما يلي البدن من الثوب، وإنما سمّيت بذلك لاطلاعها على الباطن، والمقصود بالآية أن لا يُسمح باطّلاع غير المسلمين على أسرار المسلمين، وانضمام غير المسلم لجيش المسلمين ووزاراتهم ومواقع السلطة الحسّاسة عندهم، لاسيما مع ترقّيه في هذه المواقع العسكريّة وغيرها، والجيش وبعض الوزارات والمسؤوليات من أوضح مصاديق البطانة التي تكشف المسلمين لأعدائهم. وهذه الآية لا تختصّ بالجيش، بل تشمل مطلق استلام غير المسلم مناصب في الدولة الإسلامية بما يسمح له بالاطلاع على أسرار الأمور، حتى لو لم تكن هذه المناصب على صلةٍ بالأمور العسكرية، من هنا تأخذ هذه الآية مكانةً هامة في فقه الأقليّات، وقد استند إليها غير واحد لتحريم السماح للأقلّيات الدينية ـ بل حتى المذهبيّة أحياناً ـ بتسنّم مناصب في الدولة ذات طابع حساس ورئيس، خاصّةً موضوع انضمام الأقليّات للقوات المسلّحة. بل إنّ بعض الفقهاء المسلمين استندوا لهذه الآية لتحريم حتى بعض أنواع الوظائف على غير المسلم، مثل أن يكون عاملاً يجبي الضرائب الزكويّة أو كاتباً في المحكمة يعين القاضي وهيئة المحكمة، وبعض العلماء مثل الماوردي وغيره ذهبوا إلى إمكان أن يكون الذمّي منفّذاً للأحكام الصادرة من القضاء أو الوزارات لا مُصدراً لهذه الأحكام.
لكن سبق أن ناقشنا هذا الاستدلال في دروسنا في فقه الجهاد، انطلاقاً من:
أولاً: إنّ الآية قد ذكرت في ذيلها، وكذلك في الآيات اللاحقة لها، ما يمكن أن يمثل الملاك والمعيار الحقيقي لحرمة جعل غير المسلم من البطانة، وهو أنّه لا يقصّر في إفساد أمور المسلمين، بل يرغب في عنتهم وضررهم ومشقتهم، ومعه تكون الحرمة مختصّةً بهذا النوع من الكافرين الذين يُخشى منهم الضرر والفساد، بل وبالتمسّك بهذا الملاك يمكن تعميم الحكم للمسلمين أنفسهم، بأن يقال: إنّ الآية طلبت عدم جعل كلّ من يلحق الضرر بالمسلمين من بطانتهم وخاصّتهم، ولا يُسمح بالاطلاع على أسرارهم، حتى لو كان مسلماً.
وقد تقول: إنّ قوله تعالى: (لا يألونكم خبالاً..) ليست ملاكاً لهذا الحكم بمعنى شرط الوجود والتحقّق بل بمعنى شرط الاتصاف، والمقصود من ذلك ـ بالاصطلاح الأصولي ـ أنّ الحكم عام، وأنّ المولى سبحانه هو من شخّص ملاك هذا الحكم العام، تماماً كما يُقال: صلّ فإنّ في الصلاة خيراً لك، فإنّ هذا الملاك قد أخذ على نحو شرط الاتصاف الذي يتحمّل المولى الآمر مسؤوليّة الكشف عنه، فيما يكون الأمر عاماً بالنسبة إلى المأمور، وليست الجملة صفةً لقوله: (من دونكم) حتى يقال: إنّ النهي عن اتخاذ البطانة خاصّ بصنف خاصّ من غير المسلمين، وهم الذين (لا يألونكم خبالاً..).
من جهة أخرى، إنّ الملاك المبرز إثباتاً على نوعين: أحدهما: ملاك للحكم العام، وثانيهما: ملاك يخصّص الحكم، والفرق بين نوعي الملاك هذين، أنّ الملاك في الأوّل وإن بدا لنا غير متحقّق في موردٍ ما، إلاّ أن هذا لا ينفي الحكم في هذا المورد، لأنّ المفروض أنّ الملاك كان ملاكاً للحكم العام، وهذا ما يحصل عادةً في الموارد التي يصدر فيها الحكم بملاك الاحتياط الموجب لتوسيع دائرة التنجيز، فإنّ المولى لو ترك تشخيص الأمر لآحاد المكلّفين لضاع عليه الملاك أو ربما ضاع، ولما كان هاماً ألزم الجميع بالحكم في الدائرة الأوسع كي يضمن تحقق الملاك، وهنا لا يصحّ القول بسقوط الحكم إذا اكتشف المكلّفون عدم وجود الملاك كما هو واضح، على خلاف الحال في الملاك من النوع الثاني حيث يدور الحكم ـ خصوصاً وعموماً ـ مداره تبعاً لما يراه المكلّف.
وإذا رجعنا إلى الآية لاحظنا أنّ: (لا يألونكم خبالاً..) جاءت على نحو الإخبار الإلهي للمسلمين بضرر هؤلاء، فيكون الظاهر منه كونه من شروط الاتصاف التي يُسأل المولى عنها لا من شروط التحقّق، فلو أحرزنا ـ بزعمنا ـ عدم ذلك لم يسقط الحكم، بل يظلّ على عموميّته، ولو أعدنا النظر إلى الآية من زاوية أخرى للاحظنا أن الذيل في الآية قد جيء به لتوسيع دائرة التنجيز على أساس خطورة المحتمل، وعليه، فالصدر في الآية عام، والذيل لا يخصّصه.
والجواب: إنّ هذا التفسير، وإن كان من الناحية الكبرويّة والتقعيدية والأصوليّة تامّاً وعقلانياً ومتداولاً في التقنين البشري، إلاّ أنه خلاف الظاهر من الآيات هنا، فإنّ الظاهر منها الحديث عن فئةٍ كانت موجودةً في العهد النبوي، وأنّها كانت ذات مواصفات خاصّة، فلاحظ في نفس الآية قوله: (قد بدت البغضاء من أفواههم)، فإنّه واضح في الحديث عن واقع خارجي لجماعة الكافرين أو المنافقين آنذاك تتصف بهذه الأوصاف ويجري إصدار الحكم على مكاشفتها بالأسرار، وكذلك لاحظ الآيتين اللاحقتين لهذه الآية: (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران: 119 ـ 120)، فإنّ هذا السياق يتحدّث عن جماعة المنافقين (من المسلمين أو من أهل الكتاب) الذين كانوا في المدينة المنوّرة أو على صلة بها، ولا تُطلق التعليل في دائرة التصوير الكلّي النظري، ومعه فيلتزم بالحكم ضمن هذا السياق الذي يمنع عن إحراز انعقاد إطلاق في صدر الآية، ويكفي احتمال قرينيّته للاقتصار على القدر المتيقّن من دلالة الآية، وهو الكافر الذي يُخشى منه العنت والضرر والمشقّة والأذيّة على المسلمين.
ثانياً: إنّ الإشكاليّة الأساسيّة التي يخيَّل لي أنّه وقع فيها قطاع كبير من باحثي الفقه الإسلامي في تقديري، وهو يتعامل مع نصوص الجهاد في القرآن الكريم، هي عدم تحديده للسياق النزولي (السيسيولوجي والأنثروبولوجي) الذي جاءت فيه الآيات، لا بمعنى عدم مراعاته لقضايا أسباب النزول ونحو ذلك، بل بمعنى عدم مراعاته لمنطق الحرب وقواعد الفرز الاجتماعي والسياسي الذي تقوم عليه هذه الحرب في ذلك العصر. وفي تقديري فإنّ موضوع النصوص القرآنية لا ينطبق أبداً على كلّ كافر، ولتوضيح فكرتي من هذه الناحية باختصار شديد، يمكنني القول: إنّ الحالة التي كان يعيشها المسلمون في العصر النبوي هي حالة الانقسام السياسي إلى مسلم وغير مسلم، فهذه هي الحالة الغالبة العامّة، فإذا نظرت في غير المسلمين المحيطين بالمسلمين فستجد أنّ غالبيّتهم تتخذ موقفاً عدائيّاً من هذه الدعوة، فمن قال: أنا مسلم فكأنّه يعادي مجتمعه ويعاديه مجتمعه، والعكس صحيح. إنّ الكفر في هذا السياق ليس موقفاً عقديّاً فقط، بل هو موقف سياسي أيضاً من الجماعة الجديدة؛ لأنّ قواعد الحروب والانتماءات كانت تقوم على الدين والعقيدة في تلك الفترة وغيرها، على عكس حال الثقافة الغربية اليوم في بعض المواقع. فاليوم، وبسبب نمط التفكير الغربي العلماني الحديث، تمّ تخفيف حضور الدين في الحياة السياسية والاجتماعيّة، ولم يعد يمثّل هويّة الفرد، بل صارت هويّة الفرد تتمثّل في وطنه (الجغرافيا) مثلاً، فيما صار الدين عبارة عن وجهة نظر ثقافيّة، تماماً كوجهة نظري في طريقة بناء الفراعنة للأهرامات، وهذا شيء يختلف عن السابق تماماً، وعلينا أن لا نسقطه على السياق التاريخي لما مضى، فلم يكن الدين سابقاً وجهة نظر، بل هو موقف اجتماعي سياسي انتمائي من الدرجة الأولى بحسب الأعراف والثقافات القائمة آنذاك بين الناس، فلو فرضنا أنّ كلّ مسلم أو كلّ من يُسلم اليوم ينتمي فوراً إلى تنظيم سياسي جهادي إسلامي متطرّف متعصّب عدواني، فإنّك ستجد أوروبا ستتخذ موقفاً مختلفاً تماماً من كل من يُسلم؛ لأنّ الإسلام تحوّل إلى انتماء وهويّة لها نتائج سياسية واجتماعيّة حادّة، وعندما لا يكون الأمر كذلك فسيبقى الإسلام وجهة نظر لا تتخذ منه الحكومات موقفاً، وبسبب النظرة العلمانية المخفِّفة لوهج الدين في الحياة في الغرب، نلاحظ الفرق في شخص يغيّر عقيدته في بلادنا العربية والإسلامية كيف نشعر بأنّه خرج عن هويّته وخرج عن الجماعة وفكّك انتماءه، بينما لا يظهر الأمر كذلك بهذه الدرجة لو غيّر شخص دينه في الغرب؛ والسبب هو أنّ العقيدة الدينية في بلداننا ما زالت تمثل جوهر الهويّة الانتمائية للشخص بينما العقائد الدينية في بعض المجتمعات الغربيّة لا تعني في الغالب سوى وجهات نظر شخصيّة فردية خاصّة.
إذا قال شخص اليوم بين العرب والمسلمين: أنا تركت الإسلام والعروبة وأؤمن بالصهيونيّة، و(هاجر) إلى الكيان الغاصب وأخذ جنسيّةً (إسرائيليّة) وانتمى لذلك المجتمع، فإنّه من المنطقي في ظلّ حالة الصراع القائمة اليوم أن نعتبره خائناً ونصنّفه في عداد الأعداء؛ ليس لأنّ ترك الدين هو عدوانيّة بالضرورة، ولا لأنّ الحصول على جنسية بلد آخر هو عدوانيّة بالضرورة، بل لأنّ السياق التصارعي في المنطقة يقوم على ثنائية العروبة والصهيونية أو الإسلام والصهيونية مثلاً، وهذا يعني أنّ قواعد الانقسام السياسي في المجتمع العربي بعد البعثة قد تغيّرت تماماً، فلم تعد بين قبيلة وقبيلة فقط، بل بين مجموعة القبائل وحركة دينية جديدة تخلّت عن انتمائها القبلي بوصفه الانتماء الأول والأخير في حياتها.
من هنا نجد أنّ القرآن الكريم يتحدّث دوماً عن الكافرين بصفتهم أعداء الإسلام الذين يحاربونه، ولا يألون جهداً في الإضرار به وبجماعة المؤمنين؛ لأنّ هذه هي الحقيقة التاريخية التي كشفت عنها مواقف وسلوكيات قريش منذ اللحظة الأولى للبعثة، من التضييق والحصار والأذية والتعذيب والقتل والطرد من الوطن، إلى إعلان الحرب والغارة ومحاولة غزو المدينة المنوّرة أكثر من مرّة في معركة أحد والأحزاب. هذا السياق كلّه هو الذي نجده واضحاً في توصيفات القرآن للكافرين الذين يتحدّث عنهم، ولهذا عندما يشير للكافر الذي لا يتعرّض للمؤمنين فهو يدعو للبرّ به والقسط إليه والتعامل معه والوفاء بالعهود والعقود معه، ويسمح بدخوله بلاد المسلمين فيعطيه الأمان؛ فلو كانت المشكلة مع اليهود هي مشكلة أصل دينهم فلماذا سمح لهم بالبقاء على دينهم في الفقه الإسلامي؟! إنّ المشكلة في عدوانيّتهم وخياناتهم وتآمرهم مع المشركين في معركة الأحزاب وغيرها في لحظة كانت الأصعب على المؤمنين في تاريخهم، وهم يشعرون بأنّ المدينة المنوّرة توشك على السقوط، لهذا كانت معارك بني قريظة وخيبر وغيرها.. إنّ أبسط مراجعة تاريخانيّة للسياق التاريخي في علاقة النبي بخصومه تكشف عن أنّ النص القرآني كان واضحاً في مواجهته لهذه الظاهرة من الكفر لا لمطلق غير المسلم، ولهذا كان يمدح النصارى الصادقين في إيمانهم ويمدح أتباع الأديان الأخرى إذا آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا الصالحات دون أن يشير إلى إيمانهم بالرسالة.. وإذا دخل معهم في نقاش فهو في أصل الدين والقضيّة الدينيّة كما هي حال الكثير من النصوص المكيّة.
وفي هذا الوضع، تصبح القراءة الفقهية لمجمل النصوص قائمة على الفهم التالي: إنّ (كافر المواجهة والتربّص والعدوان) لا صلة لنا به ولا ولاية بيننا وبينه، بل بيننا وبينه الحرب والجهاد والغلظة حتى يكفّ عن عدوانه ويرفع تضييقه وضغوطه السلبية عن المسلمين، أما غيره من غير المسلمين فلا عدوانيّة بيننا وبينهم ولا يوجد سيف ولا شدّة، بل كمال اللين والمسالمة، غاية الأمر أنّنا نرفض عقيدتهم ونعمل على نشر عقيدتنا ونحمي أجيالنا من فساد أيديولوجيّاتهم، كما يسعون هم لحماية أجيالهم من ما يعتبرونه فساد عقيدتنا.
وبناءً عليه، فإذا تغيّرت قواعد الهويّة والمواطنة اليوم وقامت على غير المفهوم الديني، بل على المفهوم الوضعي والعلماني، ففي هذه الحال سأكون في نفس الخندق أحمل السلاح إلى جانب المسيحي القومي والوطني والعروبي للدفاع عن بلادي وعرضي وديني أيضاً من العدوان، عندما يأتي هذا العدوان من آخر علماني أو ديني؛ لأنّ الانقسام السياسي والانتمائي قد تبدّل موضوعه تماماً، فلم تعد تشمله النصوص الجهادية القرآنيّة، ولم يعد المسيحي بما هو مسيحي موضع قلق على أوضاع المسلمين حتى يُلحق بهم الخبال والضرر والعنت والمشقّة، بل صارت تشمله نصوص البرّ والتعاون على الخير ومبدأ (لكلّ كبد حرّى أجر)، وغير ذلك، ومن ثمّ فالآية التي نحن فيها لا تشير إلى الواقع الجديد في الهويّة الفردية والانتمائية ومعايير الانقسام السياسي المعاصر، بل تشير إلى المبدأ (عدم السماح بنفوذ العناصر المضرّة بحال المسلمين وأوطانهم). والمطلوب منّا اليوم هو إعادة إنتاج هذا المبدأ ضمن قواعد التصنيف المجتمعي والسياسي الجديد. وهنا قد يُصبح تنظيم إسلامي مضرّاً بالمسلمين ويعمل لصالح الكيان الصهيونيّ الغاصب ضمن نظريّة تأويليّة اجتهاديّة خاصّة به لو أردنا حمله على الأحسن، فتقريب جماعته من أسرار الحرب مع (إسرائيل) مثلاً تشمله الآية، بينما يكون حزبٌ علماني أو مسيحي أو قومي وطنياً وعروبياً لا يُخشى منه على مصالحنا في مواجهة العدوان الإسرائيلي، فلا مانع من ضمّه إلى نشاطنا وتسليمه بعض الأسرار والمناصب ما دمنا معه في خندق واحد ولا خشية منه. هذه هي النقطة التي اُريد أن أشير إليها في فهم النصوص القرآنية الجهاديّة عامّة (أو في الغالب) وفي إدارة حركة هذه الآية القرآنية هنا خاصّة، أرجو أن أكون وفّقت لتوضيح فكرتي التي أقدّمها بوصفها مبدأ في فهم النصّ القرآني، قد يقبل استثناءً هنا أو هناك.
والمتحصّل: أنّ الآية لا تدلّ على حرمة جعل البطانة من غير المسلمين مطلقاً، بل على حصّة خاصّة، هم أولئك الذين يكيدون بالمسلمين، لا أنّ كلّ من هو من غير المسلمين يكيد بالمسلمين بالضرورة، فلو تغيّرت قواعد المواطنة ـ كما في العصر الحاضر جزئيّاً على الأقلّ ـ وتغيّرت معايير الحرب بحيث خرجت عن المعيار الديني إلى المعيار القومي أو الوطني، ففي هذه الحال لا يوجد ما يميّز بين مسلم ومسيحي في الدولة، بل كما يمكن أن يكون المسيحي جاسوساً للدول الأجنبيّة يدلي إليهم بأسرار المسلمين ويسهّل لهم الخدمات في بلادهم، بهدف الكيد لهم والإضرار بهم، كذلك يمكن أن يكون ذلك في المسلم نفسه، والعكس صحيح.
ونستنتج مما تقدّم أنّه لا دليل من هذه الآية يُثبت حرمة انتساب غير المسلمين ـ ممّن يندرج في عنوان المواطنة ويؤدّي كلّ حقوق المواطنة في بلاد المسلمين ـ إلى مؤسّسات الدولة الإسلاميّة واستلامه مناصب فيها، ما لم يطرأ عنوان ثانوي كالخوف ـ الناتج عن معطيات ـ من إلحاقهم الضرر بالمسلمين نتيجة ذلك ولو على المدى البعيد. وأمّا المسلم الذي ينتمي لمذاهب أخرى فمن الواضح أنّ النصوص القرآنية تمنحه كامل الحقّ أيضاً في تولّي مناصب ومسؤوليات حكومية رسمية أو غيرها في بلاد المسلمين ما دام يعمل بمستلزمات المواطنة الإسلاميّة.
أمّا آيات الولاء والبراءة من غير المسلم فتحتاج لمناسبة بحثيّة أخرى، نتركها لفرصة ثانية. هذا كلّه بصرف النظر عن نصوص الحديث الشريف وما فيه مما يتصل بحقوق غير المسلمين، وإلا فالبحث هناك طويل جداً.
السلام عليكم
ما هو رأيكم في الروايات الواردة في سم الامام الحسن من قبل زوجته جعدة بنت الأشعث .
و في حال كون هذا لم يثبت تاريخيا هل من الممكن ان يعتبر هذا ظلم لزوجته كون هذه الروايات قد تكون مدسوسة لتشويه صورة زوجته.
شكرًا