السؤال: يقول بعض العلماء ـ عندما كان يشرح قوله تعالى: (وعلّم آدم الأسماء كلّها) ـ بأنّ المقصود من آدم ليس النبيّ آدم، وإنّما النبي محمّد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ باعتبار أنّ التعليم المباشر أفضل من التعليم بواسطة الوحي، وبما أنّ النبيّ محمداً أفضل الأنبياء قاطبةً، فيلزم من ذلك أن يكون المقصود في الآية النبيّ محمداً، ما تعليقكم فهل هذا الكلام صحيح؟ (أبو يحيى).
الجواب: هذا الكلام لا يبدو لي واضحاً؛ وذلك:
أولاً: إنّه على خلاف صريح الآيات الكريمة المتحدّثة عن آدم في عدّة مواضع من القرآن الكريم، حيت تفيد المغايرة مع من اسمه محمد والذي ورد اسمه في القرآن الكريم أيضاً، ولا أدري بماذا سنفسر حينئذٍ زوجة آدم ومن تكون حواء؟ لأنّ الخطاب جاء في جملة من هذه الآيات للاثنين معاً.
ثانياً: لو صحّ أنّ التعليم المباشر يستدعي أن نفسّر آدم بأنّه محمد النبي، للزم أيضاً أن نجعل موسى عليه السلام هو النبي محمّداً؛ لأنّ الله تعالى يقول: (وكلّم الله موسى تكليماً) (النساء: 164)، فلماذا لا يفهم التكليم هنا بأنّه مباشرة حيث أفرده بالذكر عن سائر أنواع الوحي النازل على الأنبياء الآخرين، فهل يصحّ تفسير موسى بأنّه محمد أيضاً؟!
ثالثاً: لو ثبت أنّ الرسول محمداً يجب أن يحظى بكل ما حظي به الأنبياء السابقون، ولا نريد أن نبحث في هذه القضيّة الآن، فإنّ غاية ما تدلّ عليه آيات قصّة آدم أنّ رسول الله محمداً ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ قد نال التعليم المباشر من الله سبحانه إلى جانب التعليم غير المباشر، ولا يثبت ذلك أنّ آدم هو محمد بما يفضي بنا إلى هدر دلالة الآيات الكريمة، ومعه فتكون قصّة آدم دالّةً بالالتزام على أنّ النبي محمداً ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ قد كُلِّم مباشرةً وخاطبه الله في بعض الموارد مباشرةً، وأين هذا من كون آدم في الآية هو محمّد؟!
رابعاً: لو التزمنا أنّ آدم في القرآن الكريم هو النبي محمد، فعلينا الاستمرار حتى النهاية في هذا الافتراض، وعليه فماذا نفعل في قوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران: 59)، بناء على أنّ المقصود في الآية أنّ آدم قد ولد من التراب مباشرةً؟ فكيف نفسّر هذه الآية؟ وهل ظهر النبي محمّد ناسوتياً مرّتين، مرة في بداية الخلق الإنساني ومرّة أخرى بعد ذلك؟ وماذا سنفعل في قصّة ابنَي آدم اللذين اختلفا فقتل أحدهما الآخر، وجاء ذكرهما في سورة المائدة؟ فمن يكون آدم هنا؟ وهل سنتورّط في افتراض تأويلي هنا أيضاً؟! وما المراد من (بني آدم) في القرآن الكريم، وهو تعبيرٌ تكرّر عدّة مرات؟ هل سنكون نحن كلّنا أبناء النبي محمد على تأويل جديد لأولاد آدم؟ وبعدما تحدّث الله عن الأنبياء السابقين في سورة مريم، قال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) (مريم: 58)، فهل هؤلاء النبيين الوارد ذكرهم في سورة مريم هم أولاد النبي محمد؟!
لعلّ العالم الذي أشرتم إليه يقصد شيئاً آخر، فإنّ الحمل على الأحسن أحسن، وإلا فإنّ مثل هذه التفاسير للكتاب الكريم لا تبقي حجراً على حجر في حرمة اللغة العربية التي نطالب الجميع باحترامها.