السؤال: إنّني أثق بك كواحدٍ من أهل الخبرة، فهل تشير عليّ بواحدٍ من المراجع للتقليد؟ (مصطفى عبدالسلام).
الجواب: إذا كنتم تقصدون بيان من هو الأعلم اليوم (بالمصطلح الرائج) بين الفقهاء المعاصرين، فلأتحدّث معكم من قلبي وأكون صادقاً بيني وبين الله، فإنّني عاجز عن الجزم أو الاطمئنان بأعلميّة شخصٍ بعينه، وربما يكون ذلك قصوراً منّي أو لأنّ طبيعة الموضوع تُبْعِدُ عن الإنسان قدرة الجزم والوصول لنتيجةٍ مطمئنة، ولهذا فإنّني أحيلكم على شخص آخر ترونه ثقةً معتمداً من أهل الخبرة يمكنه أن يساعدكم في هذا المجال.
إنّني أعتقد أنّ البتّ بأعلميّة فردٍ وسط ما يقال عن أكثر من مائة فقيه يطرحون اليوم رسائلهم العمليّة من جهة، ووسط تنوّع عناصر العمليّة الاجتهاديّة ومناهجها من جهة ثانية، ووسط غياب المنجز المكتوب والمسموع لبعض المراجع الكرام من جهة رابعة، وبعيداً بل تحرّراً من كلّ العناصر الإعلاميّة والجماهيريّة والخطابيّة والنفسيّة والسياسيّة من جهة رابعة.. إنّ البتّ يبدو لي صعباً وليس يسيراً أبداً، وهذا ما يدفعني لإبداء ملاحظة على طريقة بعضنا في تعيين الأعلم، حيث تراه تارةً يغترّ بالجوّ الإعلامي والشياع الذي تتشابك فيه عناصر التبلور، وتجده أخرى يكتفي بالترجيح بين بعض المراجع كاثنين أو ثلاثة من البارزين المشاهير جماهيريّاً، مغفلاً العديد من الآخرين الذي توجد لهم بالفعل رسائل عمليّة ويتصدّون للإفتاء، ولهذا قلّ ـ وربما ندر ـ أن تجد من يقوم بدراسة المنجز العلمي لكلّ هؤلاء الفقهاء بشكل موضوعي مدروس ومقارن ضمن خطّة واعية ومعايير دقيقة، لاسيما وأنّ العملية الاجتهادية تتداخل فيها عناصر متنوّعة، كالخبروية في الأصول والفقه، وفي الحديث والرجال، وفي التاريخ ومنطق الأشياء، وفي اللغة وبحارها، بل في بعض الأمور المعاصرة أيضاً، فكثيراً ما تجد فقيهاً متضلّعاً في الأصول، لكنّه أكثر من عادي في الفقه، وقد تجد فقيهاً خبيراً في العمليّة الفقهيّة البحثية لكنّه عادي جدّاً في الأصول، وقد تجده فيهما، لكنّه في اللغة غير حاضر، وقد تجده في هذا لكنّه في التاريخ ودراسة الحديث والسنّة وفي الخبروية القرآنية ضعيف مثلاً، وقد تجده في كتابٍ فقهيّ بارعاً وتجزم بأعمليّته على شخص آخر له بحثٌ في الكتاب الفقهي نفسه، فيما تجده ضعيفاً في كتاب فقهيّ آخر وترى أعلميّة غيره عليه فيه، وكأنّ المؤلّف شخصان!.. أنا لا أتكلّم عن فرضيّات، بل يعرف هذا الأمر عموم الفضلاء في الحوزات العلميّة، لهذا من الضروري أن تكون هناك معايير لوضع درجة لكلّ عنصر من هذه العناصر حتى يمكن تحديد من هو الأعلم بحسب مجموع هذه العناصر المؤثرة في العمليّة الاجتهادية عموماً. هذا عدا عن صعوبة الوصول إلى المنجز العلمي لبعض الفقهاء الذي يتصدّون للإفتاء بطرح رسائلهم العمليّة، بما يسمح بإعطاء تقويم دقيق لهم؛ ولهذا يبدو لي أنّني أشبه بالعاجز عن الإمساك بكلّ هذه العناصر ومقارنتها بين هذا العدد الكبير من الفقهاء المتصدّين للمرجعيّة حتى لو لم يسمع الناس بكثير منهم، فليست الشهرة هنا معياراً ولا الرواج الجماهيري ولا غير ذلك كما نعلم. هذا ما أجده بيني وبين نفسي وأزعم أنّه سؤال استفهامي موجّه لبعض أهل الخبرة الذين شهدوا هنا وهناك، فهل راجعوا أعمال كلّ الفقهاء المتصديّن للمرجعية والإفتاء في هذا العصر؟ وكيف؟ وبأيّ طريقة؟ وهل فكّروا بكلّ هذه العناصر وقارنوها وهم يتحدّثون عن شخص واحد هو أعلم فقهاء الأرض؟ حبّذا لو نطلع منهم على ما فعلوه قبل أن يقدموا على تعيين شخص بعينه، فقد نستفيد من طريقتهم إن شاء الله، وربما لو جمعناهم ليتناقشوا في أنّه كيف أثبت كلّ واحد أعلميّة شخصٍ بعينه لاكتشفنا أكثر طبيعة الآليات التي استخدموها واستطعنا تقويمها والحكم عليها أو الاستفادة منها بشكل أوضح.
هذا، ولكنّني لا أتّهم أهل الخبرة والعياذ بالله، فلكلّ إنسان رؤيته للأمور وطريقته في تعيين الأعلم واكتشاف الخبرويّة الفائقة عند هذا أو ذاك. كما لا أزعم أنّ هذه الصعوبة التي أدّعيها في تعيين الأعلم بالنسبة لمن هو من أهل الخبرة موجودة دائماً في كلّ العصور، ولدى كلّ الأشخاص، فقد تختلف الأزمنة والشخصيّات والظروف، لكنّه حالة ليست بالقليلة أبداً. وكما قلتُ مراراً فإنّ لهذا الموضوع تتمّة بل تتمّات إن شاء الله، عسى تأتي الفرص لبيان مجموعة أمور تتصل به.
من هنا ـ أخي الكريم ـ أعتذر منكم عن الاستجابة لطلبكم؛ نظراً لعجزي وقصوري عن الوصول إلى نتيجة، دون أن أطعن بأيّ شهادة قيلت بحقّ فلان أو فلان اليوم والعياذ بالله، فلكلّ شخص من أهل الخبرة عذره وفهمه ورؤيته، وإنّما أتكلّم عن نفسي، وأرى أنّ المكلّف إذا لم يصل إلى نتيجة فبإمكانه أن يقلّد كلّ من يظنّ أنّه هو الأعلم، وإذا توزّعت الاحتمالات وانعدم الظنّ، قلّد ـ إن لم يُرِد الاحتياط ـ كلّ من دخل عنده في دائرة الاحتمال، والعلم عند الله.
هذا كلّه على القول بنظرية تقليد الفرد الأعلم، أمّا على القول ببطلان نظريّة لزوم تقليد الأعلم، فإنّني أرى لشبابنا اليوم التوجّه لتقليد كلّ عالم مشهود له بالعلم والفقاهة، وله وزنه العلمي والاجتهاديّ، بحيث يصنّف في المستوى العلمي الرفيع، ويتمتع ـ مع ذلك ـ بالوعي السياسي والاجتماعي، وبالأفق المنفتح على النظريات الجديدة في عالم الفكر والفقه الإسلاميَّين، وبالحضور الميداني في الحياة بما يسمح له بالقرب من الوقائع والموضوعات ووعيها بدقّة أكبر، وهؤلاء موجودون اليوم بحمد الله تعالى.
الشيخ حيدر حب الله المحترم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته وبعد
لدي بعض التساؤلات حول موضوع الاعلميه والذي عرجتم عليه في جوابكم على السائل و ارجو منكم الافاده.
التساؤل الاول: كيف يثبت للمجتهد – سواء كان ممن يؤمن بالتخصص او ممن يؤمن بالشمولية – انه اعلم من سائر المجتهدين الاخرين كي يطرح رسالته العملية ليكون مرجعا للتقليد ؟ الا يلزم من دعواه ان يكون مطلعا على بحوث جميع من علم باجتهادهم في عصره ؟
التساؤل الثاني: هل اعلمية المجتهد امر ثابت ام متغير ؟ بعبارة اخرى، اذا ثبت لزيد من المجتهدين انه اعلم اهل زمانه، نقول اليست العلوم في تطور؟ الا يظهر مجتهدون جدد بعد ثبوت اعلميته في حياته بحيث يتعين عليه حينئذ مراجعة اعلميته ؟ لماذا لم نسمع يوما وعبر التاريخ – ان لم اكن مخطاء – بان مجتهدا قد تراجع عن اعتقاده باعلميته واشار الى اعلمية غيره ؟ نعم نسمع ان مجتهدا قد غير حكمه في مسالة جزئية – او لعله في مبانيه – و لكن الا يعد هذا اعترافا ضمنيا منه بانه لم يكن الاعلم ؟
التساؤل الثالث: هل شرط الاعلمية خاضع للتقليد كغيره من سائر الاحكام الفقهية ؟ ام انه مسالة اعتقادية سابقه لمسالة التقليد و للمكلف حق الاعتقاد بها ؟
والتساؤل الرابع: اذا اعتقدت بعدم شرط الاعلمية في التقليد، فهل يجب علي حينئذ ان اقلد من لا يشترط الاعلمية؟
اود ان اسجل اعجابي و تقديري مرة اخرى لحسن اسلوب بيانكم و اختياركم للمواضيع و طريقتكم في ترتيب الافكار و عرضها على القراء و المستمعين و جزاكم الله خيرا
الأخ علي من كندا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
١- لكي يرى الفقيه أعلميته بمعنى أقدريته على الاستنباط يفترض أيضاً ان يكون على إلمام بالمشهد المعاصر له وإلا فقد يصعب عليه الجزم بالأعلمية ما لم يكن حالة فائقة يبعد عادة وجود مثلها في الأوساط العلمية.
٢- الأعلمية امر متغير بطبعه فقد يصبح غير الأعلم هو الأعلم وبالعكس.
٣- سبق لي ان أجبت بأن قناعتي هي ان الأعلمية مسألة غير تقليدية، فما لم تقلد من هو مفت بوجوب تقليد الأعلم لا يجب عليك تقليد الأعلم ما لم تقتنع أنت بدليل وجوب تقليد الأعلم..
٤-جواب سؤالكم الرابع صار واضحا من الجواب عن سؤالكم الثالث.
أشكركم وأشكر حسن ظنكم.
أخوكم حيدر حب الله
الا يدل إصدار احد المجتهدين لرسالتة العملية على شهادته لنفسة بالاعلمية ودعوته للمؤمنين بتقليدة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ حيدر حب الله
ماهو رأيكم في المرجع العراقي السيد محمود الصرخي الحسني، وهل اطلعتم على مؤلفاته في علم الأصول التي يقول أنه أثبت من خلالها اعلميته على العديد من العلماء المتصدين للمرجعية.