السؤال: 1 ـ يُنسب هذا النصّ إلى علي شريعتي: أنا سنّي المذهب، صوفي المشرب، بوذي ذو نزعة وجودية، شيوعي ذو نزعة دينيّة، مغترب ذو نزعة رجعيّة، واقعي ذو نزعة خياليّة، شيعي ذو نزعة وهّابية.. وغير ذلك.. اللهمّ زد وبارك.. لا أعرف مصدره، هل لك أن تبيّن لي معناه؟
2 ـ أليس من التناقض ما يقوله علي شريعتي: أنا سنّي المذهب، صوفي المشرب، بوذي ذو نزعة وجودية، شيوعي ذو نزعة دينيّة، مغترب ذو نزعة رجعيّة، واقعي ذو نزعة خياليّة، شيعي ذو نزعة وهّابية؟! هل معنى كلامه هو أنّ الحق مع كلّ الديانات والمذاهب؟ (نزار، السعوديّة).
الجواب: هذا النصّ يقصد منه أنّ المفكّر في فكره متحرّر من الانتماء الانغلاقي، بمعنى أنّه قد يلتقي مع التيارات المتناقضة، ليس لأنه فوضوي ومتناقض ومتهافت التفكير، بل لأنّه عندما ينتمي فهو يجيد الانتماء، فكثيرون منّا اليوم عندما ينتمون لدينٍ أو مذهبٍ أو تيار فكري أو ثقافي أو سياسي.. ينغلقون على الآخر انغلاق اطّلاع وانغلاق اقتناع:
أمّا انغلاق اطّلاع، فهم لا يطّلعون عليه، وينهون الناس عن الاطلاع عليه، بل يبدو لي أنّ كثيراً منهم يخافون من قراءة منتج الآخر؛ لأنّهم يشعرون بأنّهم قد يستسلموا له.
وأمّا انغلاق اقتناع، فهم إذا اطّلعوا فلا يرون فيه ضوءاً أو نوراً في شيء، لهذا عندما يكون الواحد منهم سلفيّاً فهو يقول: أنا سلفي، ولا يمكن أن أقتنع بفكرةٍ تقولها الشيعة، وعندما يكون شيعياً فهو يقول: أنا شيعي، ولا يمكن أن تكون عند السلفيّة فكرةٌ صحيحة، وعندما يكون مسلماً يقول: أنا مسلم، ولا يمكن أن ألتقي في التفكير أو في بعض الآراء مع نقطة مسيحيّة، فأصوّب بعض نظريّاتي في الفكر الإسلامي عبرها. إنّ هذا النوع من الانتماء لا يرى أنّه يمكن الوصول إلى بعض الحقيقة من خلال المذاهب والتيارات والأديان الأخرى، فهو انحصاري مقابل الإنسان التعدّدي، بينما الإنسان المتحرّر يمكن أن يستفيد من الرجعيّين في فكرةٍ ومن التقدّميين في فكرة أخرى، بعيداً عن حساسية المصطلحات، وقد يتلمّذ على يد الكافر والمسلم، وقديماً كان الكثير من العلماء يتلمّذون على يد علماء المذاهب الأخرى، ولم يكن أحد يجد في ذلك عيباً، وكانوا يأخذون من كتب بعضهم.
النصّ أعلاه لا يريد أن يقول بأنّني أجمع المتناقضات أو بأنّني غير منتمٍ، بل يريد أن يصحّح الانتماءات، ليقول: إذا كنتُ علمانياً ليبراليّاً فلا يمنع ذلك أن أفتح فكري على الفكر الديني لكي أستفيد منه في قضيّةٍ هنا أو هناك، فأصحّح بعض أفكاري أو أضيف إليها من خلال بعض أفكاره، وإذا كنت دينيّاً وإسلاميّاً بالمعنى الديني والسياسي للكلمة فلا يمنع ذلك من أن أنفتح انفتاحاً حقيقياً على العلمانية والليبرالية، لأنظر فيها وأستفيد ممّا قدّمته للإنسانيّة، شرط أن لا أكون هنا أو هناك منصهراً في شخصيّتي وفاقداً للثقة بفكري. النصّ يريد أن يؤسّس لمنهج تعدّدي انفتاحي، والدكتور شريعتي قال في بعض كتبه الأخرى: إنّه متهم من قبل المتديّنين بأنه متغرّب متحلّل، ومتهم من قبل الحداثيّين بأنه رجعي متخلّف، والسبب هو هذه الوسطية والاعتدال الفكري، ودائماً الوسطيّون يُتهمون من قبل التيارات المختلفة يميناً وشمالاً، فالناس تحبّ أن تعيش الحياة بلون واحد، لكنّ الوسطيَّ في الفكر يرى أنّ عالم الفكر ليس فيه لون واحد ولا منبع معرفي واحد، بل الحياة والفكر والتأمّل بحرٌ هادر ونهر كثير الينابيع.
إنّ بعضنا ينغلق في أفق تفكيره إلى أبعد الحدود، حتى أنّك تجده لا يدرس إلا عند أستاذٍ واحد ولا يعرف في هذا العالم إلا نمطَ تفكيرٍ واحد، وكأنّ عقله غير قادر على التقاط صور الأفكار والمدارس الأخرى، ولو التقط صورها فهو يلتقطها مشوّهةً ولا يمكنه أن يرى فيها سلامةً أو صواباً. لا أريد أن أقول بأنّه يجب أن يكون عند الإنسان فوضى تفكير، بل أقول بأنّه لا يمكن أن تولِدَ نمطَك في التفكير إلا عبر المرور على الأنماط الكثيرة التي خاضها الناس من قبلك ومعك في الحياة؛ ليكون نمطك ناتجاً عن مجموعة كبيرة من تجارب الأنماط الأخرى، فينضج ويضيف ويراكم، لكن بشرط التوازن وكسب المؤهلات مسبقاً وعدم الانجراف خلف المؤثرات غير الفكريّة.
الآن وأنا أدافع عن مقولة شريعتي أعلاه، أعرف أنّ بعضنا سوف يصنّفني ضمن تيار شريعتي، وبهذه الطريقة سوف يصحّح ـ تقريباً ـ نسبة أفكار شريعتي إليّ، هذه هي المشكلة؛ لأنّ هؤلاء لا يعرفون في التفكير شيئاً اسمه أنّك من الممكن أن ترى الحقّ مع شريعتي في مكان، ومع مطهري في مكان آخر، ومع المرعشي النجفي في مكان ثالث، والثلاثة مختلفون عن بعضهم. هؤلاء لم يصدّقوا حتى الآن ـ لأنّهم لم يتذوّقوا حلاوة العقل التعدّدي وحريّته الإيجابية ـ أنّه يمكن أن يكون الإنسان الإسلامي قادراً بشكل واقعي حقيقي على أن يقرأ ويفهم ويتعامل مع أشدّ الأفكار العلمانية ضراوةً بطريقةٍ هادئة، ويبحث فيها عن الحقّ، ولا يستنكف ولا يستكبر، ولا يصادر مسبقاً بافتراض أنّه لا حقّ فيها، وإذا وجد حقّاً هنا أو هناك لم يمنعه انتماؤه الفكري من الذهاب خلف هذا الحقّ، فالدليل هو المعيار، والقرآن علّم الرسول أنّ يقول للناس بأنّه مستعدّ لعبادة ابن الله، لو كان لله ولد، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِين) (الزخرف: 81)، فليست عندي مشكلة ذاتية مع فكرة الولد، بل هي مشكلة إثبات وواقعيّة. وقد سبق أن ألمح العلامة الطباطبائي إلى فكرة عصمة الانتماء في بعض حواراته مع المستشرق كوربان، وقد تحدّثتُ عن هذا الموضوع في مقالتي حول جدليّة العقل والنصّ عند العلامة الطباطبائي ضمن قراءة في تجربته الكلاميّة فليراجع.
سلام عليكم شيخنا الكريم ..
بداهة أنّ المذهب السني أو الشيعي ليسا نظرية صغيرة أو نمط تفكير محدود وصغير كي أتمكن من التبعيض فيهما فآخذ قسطا من هذا وقسطا من ذاك كلا, الأمر ليس كذلك, فالاختلاف بينهما اختلاف منهجي ومنظومي كامل, يعني من يريد أن يلتزم بالتسنّن لا يمكنه أن يأخذ شيئا من التشيع, ومن يكون شيعيا لا يمكنه أخذ شيئ من التسنن, مثلا: حينما يقول أبو حنيفة: (خالفت جعفر الصادق عليه السلام في كل شيء حتى أني شككت أنه في سجوده أيفتح عينية أم يغمضهما, ففتحت واحدة وأغمضت الأخرى) بناء على منهج أبي حنيفة هل يمكننا أن نجمع بين الفقه الشيعي والفقه السني القائم على مخالفة الفقه الشيعي؟! بالطبع لا وعلى ذلك فقس لذلك نلاحظ أنّ المشهد القرآني يجعل مائزا كبيرا وعميقا بين الحق والباطل فلا يجتمعان ولا يرتفعان بمعنى أنه لا ثالث لهما وليس هناك شيء بينهما كقوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزر الله فأولئك هم الكافرون} أو قوله تعالى: {فهل بعد الحق إلا الضلال} إذن المسألة لا تقبل التبعيض وهذه هي طبيعة الاختلافات المنهجية والمبنائية (مقابل الاختلافات المصداقية والبنائية) فالأولى لا تقبل الجمع بينما الثانية تقبل الجمع وعليه فمن يلتزم بالتسنن فإنه يتعامل معه على أنّه نمط تفكير وفقه وتشريع وأخلاق وفيم وحكومة وسياسة….. ونظام حياتي بشكل كامل كذلك الأمر بالنسبة للتشيع فمن المستحيل أن يكون الإنسان سنيا وشيعيا في آن واحد ومن المحال أن يكون سنيا في بعض الأمور وشيعيا في البعض الآخر تماما كاستحالة من يريد صناعة طاولة (واحدة) من حديد وخشب في آن واحد فلازم ذلك التناقض والتضاد واجتماع المثلين وهو محال في الوجود الخارجي والنتيجة أنّه حينما يكون الاختلاف منهجيا فلا يمكن الجمع بين مذهبين أبدا ومن أراد الجمع بين المذاهب بهذه الطريقة فسوف يمشي مشية الأعرج وسوف تتقطع أوصاله وسيجد نفسه فاقدا للهوية والأصالة والمبدأ والمنهج وسوف تتضعضع جميع مبانيه الفكرية والأخلاقية والقيمية والحقوقية والتشريعية والاجتماعية .
فكيف يصح جمع هذه المتناقضات او الأخذ والتبعيض ؟
الصواب الموجود في عبارات علي شريعتي
مثل
الاستماع للخصم
اتباع الحق كائنا أينما كان
… الخ
أمثال هذا الصواب معروف ومشهور
وقد سبقه إليه شريحة كبيرة من عوام المسلمين
أما العلماء فتجاوزوه بأشواط
وقد أكده القرآن كثيرا
فإذا كانت غايات علي شريعتي معروفة ولم تأت بجديد
فلماذا يصر عليها ويؤكده بعبارات موهمة مبهمة تحتمل حقا وباطلا
وقد نهاه الله
(ولا تلبسوا الحق بالباطل)
فلا يستوي المسلم مع الكافر سواء كان بوذيا أو نصرانيا … الخ
وقد نص الله وأكد أنهم يختلفون
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج : 17]
لا يستوي من قال لله ولد أو شريك أو شفيع بغير إذنه
بمن قال لا إله إلا الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
فريق في الجنة وفريق في السعير
هم يختلفون
هو الذي خلقكم فمنكك كافر ومنكم مؤمن
قل هل يستوي الاعمى والبصير
هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون
هل تستوي الظلمات والنور
…. الخ
علما بأن طريق الضلال الذي سلكه علي شريعتي ليس هو أول من اخترعه
بل سبقه إليه ظلاميون قبله
وقد ذمهم الله حتى كفرهم
فعندما كان هناك صنف آمنوا بكل الرسل
وصنف ثان كفروا بكل الرسل
جاء الصنف الثالث الذين اتبعهم علي شريعتي
قائلين سنتوسط بين القولين
سنؤمن ببعض ونكفر ببعض
فكفرهم الله قائلا:
أولائك هم الكافرون حقا
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُولَٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا }
[النساء : 150-152]
فمقولة علي شريعتي مقولة شيطانية تتناقلها وتؤيدها شياطين الجن والإنس
(شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا)
الخلاصة
كلامه محرم لا يقوله مسلم أو عاقل
أعتقد أن كلام شريعتي بتأويل السيد حب الله حق
ولا أزيد على مقال الأستاذ حيدر حب الله شيئا فهو واضح جدا لكني أتفهم المعترضين أعلى ردي
الانفتاح والبحث عن الحق في ثنايا الباطل أو الباطل في ثنايا الحق يحتاج إلى مجاهدة وصبر فالنفس تكره ذلك لارتباطه بالمعنى الوجودي عند الشخص نفسه.