السؤال: أليس في قول النبي الأكرم عن الصلاة بأنّها إن قُبلت قُبل ما سواها وإن ردّت ردّ ما سواها، ما يفيد بطلان الصوم بالنسبة للشخص الذي لا يصلّي؟ (الشمري).
الجواب: المتداول بين العلماء والباحثين في هذا الحديث وأمثاله أنّه بصدد بيان شروط القبول، فمعناه أنّ الله لو قبل الصلاة من العبد أعطاه عليها أجر المصلّين، وأعطاه أيضاً أجر سائر الأعمال، فيكون قبول الصلاة شرطاً في قبول سائر الأعمال من العبد، أو أنّ الصلاة لا تردّ بسهولة؛ لأنّ ردّها يساوي ردّ سائر الأعمال.
ومعنى قبول الصلاة وقبول سائر الأعمال هو احتساب أنّ العبد قد فعلها وقام بها، وأنّه من المصلّين، ويترتب على ذلك أنّه يثاب عليها عند الله تعالى، لكنّ هذا كلّه لا يعني أنّه لو لم يُقبل العمل فإنّ العبد يعاقب على تركه، فلو صلّى إنسانٌ صلاةً صحيحةً بالمعنى الفقهي لكنّها لم تكن مقبولةً عند الله مثلاً، كفاه وأجزأه وسقط عنه التكليف بالإعادة أو القضاء في الدنيا، كما لا يعاقب عقاب تارك الصلاة في الآخرة، لكنّه لا يعطى ثواب المصلّي، فلو كتب الله على كلّ صلاة ألف حسنة مثلاً فهذا الشخص لا يعطى هذه الحسنات، ولو كتب الله على تارك الصلاة العذاب المعيّن، فلا يعذّب هذا الإنسان هذا العذاب؛ لأنه ليس تاركاً للصلاة.
فهذا مثل شخص يقوم بإعطائك هديّةً، فقد تكون الهدية في مضمونها وأسلوبها حائزةً على الشروط فتكون صحيحةً، وتسقط عن الشخص الذي قدّمها، لكن مع ذلك قد يكون الذي قدّمها قد فعل فعلاً قبيحاً في حقّ الشخص المهدى إليه قبل تقديمه لها، بحيث يرى المُهدى إليه أنّه لن يقبل هذه الهدية وسيردّها، رغم أنّها ـ من حيث هي هدية ـ مشتملة على تمام المواصفات المطلوبة، فالإهداء صحيح لكنّه قد لا يقبله الطرف الآخر.
فهناك ـ وفقاً لهذا الفهم للحديث وأمثاله ـ ثلاث حالات:
أ ـ حالة فعل الصلاة مع صحّتها وقبولها من الله تعالى، وهنا تقبل سائر الأعمال، وتكون النتيجة أنّ هذا الإنسان سقط عنه تكليف الصلاة في الدنيا، كما أنّه لا يعاقب في الآخرة، بل يُثاب على فعله للصلاة.
ب ـ حالة ترك الصلاة، فهنا لا يُثاب هذا الإنسان ثواب المصلّين؛ لأنّه لم يصلّ، بل يعاقب عقاب تارك الصلاة يوم القيامة، ويلزمه في الدنيا الإعادة أو القضاء.
ج ـ حالة فعل الصلاة وتكون صحيحةً، لكن لسبب أو لآخر لا يقبلها الله من العبد، ففي هذه الحال لا يجب عليه القضاء ولا الإعادة في الدنيا، ولا يعاقب عقاب تارك الصلاة، لكنّه لا يثاب ثواب فاعل الصلاة. فالقبول غير الصحّة، والردّ غير ترك الصلاة، والحديث عبّر بالردّ والقبول لا بالصحة وعدمها.
ونفس هذا المعنى يطرحه بعض العلماء في الروايات الشيعيّة التي تتحدّث عن عدم قبول أعمال تارك الولاية، فإنّه لا يعاقب يوم القيامة عقاب تارك هذه الأعمال، لكنّه لا يُثاب ثواب فاعلها. وهذا تفسيرٌ مشهور لهذا النوع من الأحاديث في باب الولاية والصلاة وغيرهما.
وما يلفت النظر في هذا الحديث أنّه يشير إلى أنّه لو قُبلت الصلاة قُبل ما سواها من الأعمال، وقد فهم العلامة الشفتي في (تحفة الأبرار 1: 8) من هذا المقطع أنّه لو قُبلت الصلاة فهي تجعل سائر الأعمال غير المقبولة مقبولةً، وهذه خاصية مهمة، إلا أنّ فهم هذا المعنى من الحديث لا يبدو ظاهراً، بل الحديث يريد أن يقول: إنّ سائر الأعمال لو تمّت في حدّ نفسها فإنّ قبولها مشروط بالصلاة، لا أنها تقبل مع الصلاة ولو لم تكن مقبولةً في حدّ نفسها. كما ومن الجدير أن يُشار إلى أنّ بعض صيغ الحديث ليس فيها كلامٌ عن الردّ، وإنما فيها كلام عن قبول غير الصلاة مع قبول الصلاة.
ويبقى هنا موضوع وهو أنّه لو صلّى الإنسان صلاةً صحيحة فلماذا تردّ؟ هذا موضوع مهم، وهو يستدعي رصد كلّ النصوص القرآنية والحديثية التي تشير إلى قواعد ردّ الأعمال، وكذلك قواعد حبط العمل، مثل قوله تعالى: (إنّما يتقبل الله من المتقين)، كما فهم ذلك بعض المفسّرين، ومثل رفع الصوت فوق صوت النبيّ، فليس ردّ الفعل أمراً اعتباطيّاً، بل يفترض أنّ له قواعد هي التي شلّت الصلاة أو غيرها عن أن تكون مقبولةً عند الله رغم كونها صحيحةً شرعاً، وقد ورد في النصوص أنّه لو صلّى الإنسان الصلاة مؤخراً لها فقد ضيّعها، وغير ذلك من النصوص التي لابدّ من رصدها لنعرف قواعد ردّ العمل عند الله، والمقام لا يسع التفصيل، ولعلّه تسنح لي فرصة أخرى لتفصيل قواعد القبول والردّ، وطرح معنى آخر مكمِّل لهما؛ إذ في النفس شيء من التفسير المتقدّم أعلاه والمتداول لمسألة القبول والصحّة والردّ، رغم أنّني أوافق على جزء منه.