السؤال: ذكرتم في مقالتكم (نقد المتن في التجربة الإماميّة)، والمنشورة في مجلّة الاجتهاد والتجديد، أنّ السيد محمّد باقر الصدر يقول بعدم ثبوت الحقّ لأهل البيت بالتشريع، فأين نجد مثل هذا الرأي للشهيد الصدر؟ وأين نجد رأيه في مسألة مخالفة روح القرآن الكريم؟ فلعلّ هناك من يشكّك فيما نقلتموه عنه في الموردين. (دريد).
الجواب: أمّا نفيه حقّ التشريع بعد وفاة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فقد جاء في كتابه (بحوث في علم الأصول 7: 30)، حيث قال ما نصّه: (وهكذا يتضح أنّ تغيّر أحكام الشريعة عن طريق النسخ يكون أيضاً أحد العوامل المستوجبة للتعارض بين الأحاديث والنصوص، ولكنّ التعارض على أساس هذا العامل تنحصر دائرته في النصوص الصادرة عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ ولا تعمّ النصوص الصادرة عن الأئمّة عليهم السلام؛ لما ثبت في محلّه من انتهاء عصر التشريع بانتهاء عصر النبي ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ وأنّ الأحاديث الصادرة عن الأئمّة المعصومين ليست إلا بياناً لما شرّعه النبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ من الأحكام وتفاصيلها).
وأمّا حديثه عن أنّ المقصود بمخالفة القرآن مخالفة روحه، فقد جاء في أبحاثه حول تعارض الحديث أيضاً، وهناك قال ما نصّه: (لا يبعد أن يكون المراد من طرح ما خالف الكتاب الكريم، أو ما ليس عليه شاهد منه، طرح ما يخالف الروح العامّة للقرآن الكريم، وما لا تكون نظائره وأشباهه موجودة فيه. ويكون المعنى حينئذ أنّ الدليل الظنّي إذا لم يكن منسجماً مع طبيعة تشريعات القرآن ومزاج أحكامه العام لم يكن حجّة. وليس المراد المخالفة والموافقة المضمونية الحدّية مع آياته. فمثلًا لو وردت رواية في ذمّ طائفة من الناس وبيان خسّتهم في الخلق أو أنهم قسم من الجنّ، قلنا أنّ هذا مخالف مع الكتاب الصريح في وحدة البشرية جنساً وحسباً ومساواتهم في الإنسانية ومسؤولياتها مهما اختلفت أصنافهم وألوانهم. وأما مجيء رواية تدلّ على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال مثلًا فهي ليست مخالفة مع القرآن الكريم وما فيه من الحثّ على التوجّه إلى اللَّه والتقرّب منه عند كلّ مناسبة وفي كلّ زمان ومكان. وهذا يعني أنّ الدلالة الظنّية المتضمّنة للأحكام الفرعية فيما إذا لم تكن مخالفة لأصل الدلالة القرآنية الواضحة تكون بشكل عام موافقة مع الكتاب وروح تشريعاته العامّة، خصوصاً إذا ثبتت حجيّتها بالكتاب نفسه. ومما يعزّز هذا الفهم، مضافاً إلى أنّ هذا المعنى هو مقتضى طبيعة الوضع العام للأئمة المعصومين عليهم السلام ودورهم في مقام بيان الأحكام الأمر الذي كان واضحاً لدى المتشرّعة ورواة هذه الأحاديث أنفسهم، والذي على أساسه أمروا بالتفقّه في الدين والاطلاع على تفاصيله وجزئياته التي لا يمكن معرفتها من القرآن الكريم، مما يشكّل قرينة متصلة بهذه الأحاديث تصرفها إلى إرادة هذا المعنى. ما نجده في بعضها من قوله: (إن وجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من الكتاب)، فإنّ التعبير بالشاهد الذي يكون بحسب ظاهره أعمّ من الموافق بالمعنى الحرفي، مع عدم الاقتصار على شاهد واحد، خير قرينة على أنّ المراد وجود الأمثال والنّظائر لا الموافقة الحدّية. وقد جاء هذا المعنى في رواية الحسن بن الجهم عن العبد الصالح : قَال: (إذَا جَاءكَ الحَدِيثَانِ المُختَلَفَانِ فَقسهُمَا عَلى كِتَابِ اللَّه وأحَادِيثِنا فَإن أشبَهَهَا فَهُوَ حَقّ وإن لَم يُشبِههَا فَهُوَ بَاطِلٌ). وهذه الرواية وإن كانت واردة في فرض التعارض، إلَّا أنها بحسب سياقها تشير إلى نفس القاعدة المؤكّد عليها في مجموع أخبار الباب. وعلى هذا الأساس يتضح أنه لا يستفاد من أخبار الطرح إلغاء الأدلّة الظنية المعارضة مع الكتاب الكريم معارضة لا توجب إلغاء أصل مفاد قرآني واضح، كما في موارد التعارض غير المستقرّ، بل التعارض بنحو العموم من وجه أيضاً، وإنما نحكم بسقوطها في مورد المعارضة بمقتضى القاعدة المتقدّم شرحها في المسألة السابقة) (بحوث في علم الأصول 7: 333 ـ 335).
وما توصّلت إليه في أبحاثي الأصوليّة المتواضعة هو صحّة هاتين النظريّتين تماماً. والله العالم.