السؤال: ما مدى صحّة نسبة كتاب (مصباح الشريعة) إلى الإمام جعفر الصادق؟ (أحمد، من المغرب).
الجواب: كتاب «مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة» لا يعلم مدى نسبته إلى الإمام الصادق عليه السلام؛ فلا سند له؛ وهذا الكتاب لم يعتمد عليه الحرّ العاملي في كتاب «تفصيل وسائل الشيعة»؛ فيما اعتبره المحدّث النوري من مصادر كتابه «مستدرك الوسائل»؛ ويبدو أنّ من أقدم من تحدّث عن هذا الكتاب كان ابن طاووس (664هـ) الذي وصفه بالكتاب اللطيف الشريف (راجع: الأمان من أخطار الأسفار والأزمان: 92)، والشهيد الثاني (965هـ) الذي أَكْثَرَ من النقل عنه في بعض كتبه الأخلاقية، كما جعله أحد مصادره ابنُ أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللآلي، و.. لكنّ العلامة المجلسي (1111هـ) ارتاب في هذا الكتاب، واعتبر أنّ أسلوبه لا يشبه سائر كلمات أهل البيت، فقال: «كتاب مصباح الشريعة فيه بعض ما يريب اللبيب الماهر، وأسلوبه لا يشبه سائر كلمات الأئمة وآثارهم..» (راجع: بحار الأنوار 1: 32)، وقال الشيخ مسلم الداوري المعاصر: mإنّ الكتاب وإن كان غير محتاج إلى طريق، إلا أنّ نسبته إلى الإمام غير محرزةn، (انظر له: أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق: 363)، بل قال الآغا بزرك الطهراني (1389هـ): «ورأيت نسخة كتب في حاشيتها نقلاً عن خطّ الشيخ سليمان الماحوزي، ما سمعه الشيخ سليمان عن العلامة المجلسي، أنه كان يقول المجلسي أن مؤلّف (مصباح الشريعة) هو شقيق البلخي» (انظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة 21: 111)، وقد ألّف السيد حسن الصدر (1351هـ) رسالةً في أنّ مؤلّف هذا الكتاب هو سليمان الصهرشتي تلميذ السيد المرتضى اختصره من كتاب شقيق البلخي. وقال السيد الخميني: «أما رواية مصباح الشريعة، الدالة على التفصيل بين وصول الغيبة إلى صاحبها وعدمه، فلا تصلح للاستناد إليها؛ لعدم ثبوت كونها رواية فضلاً عن اعتبارها، بل لا يبعد أن يكون كتابه من استنباط بعض أهل العلم والحال ومن إنشاءاته، ، هذا كلّه مع الغض عن إسناد الروايات والقرائن القائمة في متونها، وإلا فأبواب المناقشة في الإسناد والدلالة في كثير منها مفتوحة، حتى في الصحيفة المباركة السجاديّة فإنّ سندها ضعيف، وعلوّ مضمونها وفصاحتها وبلاغتها وإن توجب نحو وثوق على صدورها، لكن لا توجبه في جميع فقراتها واحدة بعد واحدة، حتى تكون حجّةً يستدل بها في الفقه. وتلقّي أصحابنا إياها بالقبول كتلقيهم نهج البلاغة به لو ثبت في الفقه أيضاً، إنما هو على نحو الإجمال، وهو غير ثابت في جميع الفقرات» (راجع: المكاسب المحرمة 1: 320).
وقد بذل المحدّث النوري جهداً لجمع كلمات العلماء المتأخرين حول الكتاب، لكنها لا ترجع إلى محصّل مهم في اعتبار الكتاب، كرأي ابن أبي جمهور الأحسائي، ورأي عبد الله أفندي صاحب رياض العلماء، مناقشاً بعض ملاحظاتهم بمناقشات بعضها جيّد ومفيد، دون أن يذكر سنداً لهذا الكتاب، مقرّاً ومعترفاً بعدم وجوده، لكنّه يرى أنّ شهادة هؤلاء العلماء كالشهيد الثاني وابن طاووس والكفعمي (905هـ) كافية للوثوق بنسبة الكتاب إلى الإمام الصادق (انظر له: خاتمة المستدرك 1: 194 ـ 216).
وبصرف النظر عن كلّ المناقشات وردودها، لكن هل مجرّد نسبة ابن طاووس الذي تفصله عن عصر الإمام الصادق عليه السلام خمسة قرون، دون أن يكون للكتاب عينٌ ولا أثر في القرون الغابرة، يوجب ـ حقاً ـ حصول الوثوق بنسبته للإمام؟! هذا فضلاً عن الكفعمي والشهيد الثاني في القرن العاشر، والذي لاحظنا استناده إليه في الكتب الأخلاقية دون الفقهية والاجتهادية والكلامية، وكذا عبد الله أفندي وغيره من المتأخّرين. ونتيجة الكلام أنّ هذا الكتاب لا تُحرز نسبته إلى الإمام الصادق، ولا طريق صحيح له ولا شيء يثبت صدوره عنه عليه السلام، وعليه فالأخذ برواياته يحتاج إلى النظر في كلّ رواية رواية لعلّ لها مصدراً آخر في سائر الكتب يكون معتبراً وثابتاً من الناحية الحديثيّة والتاريخية.