السؤال: جاء في (أمالي) الشيخ الصَّدوق، ما يلي: (المجلسُ السابع والثمانون، مجلس يوم الجمعة الثامن والعشرين من رجب سنة ثمان وستّين وثلاثمائة. حدّثنا الشيخ الجليل أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويّه القمّي رضِيَ الله عنه، قال: حدّثنا الحسين بن علي بن أحمد الصّائغ، قال: حدّثنا أبو عبد الله أحمّد بن محمّد الخليلي، عن محمّد بن عليّ بن أبي بكر الفقيه، عن أحمد بن محمد النّوفلي، عن إسحاق بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن زرعة بن محمّد، عن المفضَّل بن عمر، قال: قلتُ لأبي عبد الله الصّادق عليه السلام: كيف كان ولادة فاطمة عليها السلام؟
فقال: نعم، إنّ خديجة عليها السلام لمّا تزوّج بها رسولُ الله صلّى الله عليه وآله هَجَرَتْها نسوةُ مكّة، فَكُنَّ لا يدخُلنَ عليها، ولا يُسَلِّمنَ عليها، ولا يترُكنَ امرأةً تدخلُ عليها، فاستوحَشتْ خديجةُ عليها السلام لذلك، وكان جَزَعُها وغمُّها حذراً عليه صلّى الله عليه وآله. فلمّا حملت بفاطمة، كانت عليها السلام تُحدِّثها من بطنِها وتُصبِّرُها، وكانت تكتمُ ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وآله، فدخل رسولُ الله يوماً فسمع خديجة تُحدِّث فاطمة عليها السلام، فقال لها: يا خديجة، مَن تُحدِّثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يُحدِّثُني ويُؤنِسُني. قال: يا خديجة، هذا جبرئيل يُخبرني أنّها أُنثى، وأنَّها النَّسلة الطّاهرة المَيمونة، وأنّ الله تبارك وتعالى، سيجعل نَسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمّةً ويجعلهم خلفاءَه في أرضه بعدَ انقضاءِ وحيِه. فلم تزَل خديجة عليها السلام على ذلك إلى أن حضرت ولادتُها، فوجّهت إلى نساء قريش وبني هاشم: أنْ تعالَين لِتَلِين منّي ما تلي النِّساءُ من النساء، فأرسلنَ إليها: أنتِ عصيتِنا، ولم تقبلي قولَنا، وتزوّجْتِ محمّداً، يتيمَ أبي طالب فقيراً لا مالَ له، فلسنا نَجيءُ ولا نلِي من أمرك شيئاً، فاغتمّت خديجةُ عليها السلام لذلك، فبَينا هي كذلك إذْ دخلَ عليها أربعُ نِسوة سُمر طِوال، كأنّهنَّ من نساء بني هاشم، ففزعت منهنّ لمّا رأتهن، فقالت إحداهنّ: لا تحزني يا خديجة، فإنّا رُسلُ ربِّك إليك، ونحن أخواتُك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم، وهي رفيقتُك في الجنّة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثوم أختُ موسى بنِ عمران، بعثنا اللهُ إليك لِنَلي منك ما تلي النّساءُ من النّساء، فجلست واحدةٌ عن يمينِها، وأُخرى عن يسارِها، والثالثة بين يدَيها، والرّابعة من خَلْفها، فوضعت فاطمة عليها السلام طاهرةً مطهّرة. فلمّا سقطت إلى الأرض أشرقَ منها النّور حتّى دخل بيوتاتِ مكّة، ولم يبقَ في شرقِ الأرض ولا غربِها موضعٌ إلّا أشرقَ فيه ذلك النّور، ودخل عشرٌ من الحور العين؛ كلُّ واحدةٍ منهنّ معها طستٌ من الجنّة، وإبريقٌ من الجنّة، وفي الإبريق ماءٌ من الكوثر، فتناولَتها المرأةُ التي كانت بين يدَيها فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خُرقتين بيضاوين أشدَّ بياضاً من اللّبن، وأطيب ريحاً من المِسك والعنبر، فلفَّتها بواحدة وقنَّعتها بالثّانية، ثمّ استنطَقَتْها فنطقتْ فاطمة عليها السلام بالشّهادَتَين، وقالت: أشهدُ أنْ لا إله إلّا الله، وأنّ أبي رسول الله سيِّدُ الأنبياء، وأن بَعْلي سيِّدُ الأوصياء، ووُلدي سادةُ الأسباط، ثمّ سلَّمت عليهنّ وسَمَّتْ كلَّ واحدةٍ منهنَّ باسمها، وأقبَلْنَ يَضحكنَ إليها، وتباشرت الحورُ العين، وبشّرَ أهلُ السّماءِ بعضَهم بعضاً بولادة فاطمة عليها السلام، وحدَثَ في السماء نورٌ زاهرٌ لم ترَه الملائكةُ قبل ذلك، وقالت النِّسوة: خُذِيها يا خديجة، طاهرةً مطهَّرةً ميمونة، بورِكَ فيها وفي نسلِها، فتناولتْها فَرِحَةً مُستبشِرة، وألقمَتها ثَدْيَها فدرَّ عليها. فكانت فاطمة عليها السلام تَنمى في اليوم كما يَنمى الصبيُّ في الشّهر، وتَنمى في الشّهر كما يَنمى الصبيُّ في السّنة). (الشيخ الصدوق، الأمالي: 690). شيخنا الفاضل: أرجو منكم أن تبيّنوا لي مدى صحّة هذا السند المنقول أعلاه بخصوصه، عندكم وعند السيد الخوئي، وشكراً.
الجواب: هذا الحديث ضعيف بالسند الذي ذكرتموه وورد في كتاب الأمالي، وذلك لعدّة جهات:
أولاً: إنّ الحسين بن علي بن أحمد الصائغ رجل مجهول، كما لم يوثقه السيد الخوئي (راجع: معجم رجال الحديث 7: 43).
ثانياً: إنّ أحمد بن محمد الخليلي الوارد في السند رجلٌ مهمل، لم يذكره أحد من علماء الرجال القدامى، ولا يعتبره السيد الخوئي ثقةً (راجع: معجم رجال الحديث 3: 124).
ثالثاً: إنّ محمد (بن علي) بن أبي بكر الفقيه (والظاهر أنه ليس بإمامي) لم يرد له توثيق في كتب الرجال الإماميّة، ولهذا لم يذكره السيد الخوئي أساساً في كتابه، وكلّ شخص لا يذكره فليس له ذكر في الكتب الأربعة ولا في كتب الرجال عند الإماميّة.
رابعاً: إنّ أحمد بن محمد النوفلي الوارد في السند رجل مجهول عند السيد الخوئي، واسمه الكامل: أحمد بن محمّد بن موسى بن عون بن عبد الله بن الحارث بن نوفل (راجع: معجم رجال الحديث 3: 114 ـ 115). هذا هو حال هذا السند عند السيد الخوئي، والسند عندي ضعيف أيضاً.
خامساً: إنّ البعد الغيبي في متن الحديث لا أرى فيه مشكلةً، فالله على كلّ شيء قدير وليس كثيراً على السيدة الزهراء عليها السلام أن تحاط بالكرامة والسؤدد، لكن جاء في متن الحديث أنّ نسوة مكّة هجرن السيدة خديجة، وهذا كلام يمكن التشكيك فيه، من حيث إنّ رجال المسلمين في تلك الفترة لم يكن قد هجرهم المشركون إلا عقب المقاطعة أواخر البعثة وقبيل وفاة خديجة وبعد ولادة السيدة الزهراء عليها السلام بسنوات، فكيف يعقل هجران النساء لخديجة لزواجها من محمّد، بل المفروض أنّها تزوّجت منه قبل البعثة، فما هو الموجب لهجرانهنّ لها عند زواجها منه؟! وقضيّة المال سيأتي الحديث عنها.
سادساً: إنّ ظاهر هذا الحديث أنّ النبي محمّداً صلى الله عليه وعلى آله وسلّم لم يكن يعرف بعلاقة خديجة مع جنينها، وهذا لا يتناسب مع قول الذين يرون علم النبي بكلّ صغيرة وكبيرة في هذا العالم، وهذا إشكال نقضي عليهم.
سابعاً: هل يعقل حقّاً أنّ نساء بني هاشم هجرن السيدة خديجة وهجرتها كلّ النسوة أيضاً حتى عندما احتاجتهنّ للولادة؟ ألم تكن بينهنّ أيّ امرأة قد أسلمت بعد سنوات من البعثة الشريفة؟ ألم تكن في نساء قريش إمرأة مسلمة في ذلك الحين؟ ثم لو هجرتها نساء قريش فلماذا تهجرها نساء بني هاشم لزواجها من النبيّ، وهو من بني هاشم، ولم يقطع رجال بني هاشم علاقتهم بشخص النبي فكيف تقطع نساؤهم العلاقة بخديجة لأنها تزوّجت شخص النبي الهاشمي؟ وهل يمكن هذا في الثقافة العربية العشائريّة، وقد كان أبو طالب كفيل النبي وهو زعيم بني هاشم؟ هل كان يرضى بوقوع أمرٍ من هذا النوع؟ وهل كانت امرأةٌ هاشميّة ستجرؤ ـ في حياة أبي طالب ـ على أن تقول هذا الكلام: (وتزوّجْتِ محمّداً، يتيمَ أبي طالب فقيراً لا مالَ له)؟ بل في رواية نقلها لنا الكليني والصدوق في (الكافي 5: 374، وكتاب من لا يحضره الفقيه 3: 397) تفيد أنّ الذي طلب خديجة لمحمّد من أهلها هو شخص أبو طالب ومعه وفدٌ من قريش!! فمن هذا حاله هل تجرؤ نساء عشيرته على فعل شيء من هذا القبيل؟ وإذا كانت لامتها بعض النسوة من صاحبات المال والجاه فهل يعقل أن تكون قد لامتها كلّ نسوة بني هاشم وقريش ومكّة بأنّه فقير؟ أفهل كان كلّ رجال مكّة أغنياء بمن في ذلك أزواج هذه النسوة؟ وهل كان يبلغ الحال بثقافة العرب أنّ المرأة الغنيّة لو تزوّجت بفقير لقاطعها أهلها والناس أجمعين، مع أنّ النصوص تحكي عن موافقة أهلها؟ فأيّ معنى لمقاطعتها لفقره؟! نعم يمكن أن يكنّ قد آخذنها لأيام، لكن بعد أن أصبحت زوجته هل من المنطقي استمرار القطيعة للفقر والحديث عن الفقر واليتم حتى بعد سنوات من البعثة الشريفة والزواج الكريم؟!
ثامناً: تقول الرواية بأنّ نوراً شعّ في كلّ بيوت مكّة، بل في كلّ بيوت العالم، وهناك قاعدة في علم التاريخ والحديث والفقه، وقد استخدمها الفقهاء كثيراً بمن فيهم السيد الخوئي، وهي قاعدة: (لو كان لبان) أو قاعدة: (ما تكثر الدواعي لنقله فلا يحتجّ بقليل نقله)، فلو حصل أمرٌ من هذا القبيل ألم يكن من المنطقي أن يتداوله المسلمون فيما بينهم، أو يحتجّون به على المشركين؟ فكيف لم ينقل لنا سوى برواية واحدة ضعيفة السند؟ ولو صحّ مثل هذا النور في كلّ العالم، فلماذا لم ينقله مؤرّخ أو كاتب أو شاعر أو غير ذلك، وهو ظاهرة غير متكرّرة على خلاف الخسوف والكسوف؟
والنتيجة: إنّ جملة الملاحظات السنديّة والمتنيّة المشار إليها، مع تفرّد الشيخ الصدوق بنقل هذا الخبر بسندٍ واحد، يوجب عدم إمكان الاعتماد عليه في إثبات حدث تاريخي من هذا النوع. والعلم عند الله.