السؤال: هل هذا الحديث صحيح سنداً ومتناً؟ هل المقصود بفرعون وهامان في هذا الحديث أبو بكر وعمر؟ والحديث هو: علي بن رئاب ويعقوب السراج، عن أبي عبدالله (ع)، أنّ أمير المؤمنين (ع)، لمّا بويع بعد مقتل عثمان، صعد المنبر، فقال: الحمد لله الذي علا فاستعلى، ودنا فتعالى، وارتفع فوق كلّ منظر، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد… وقد قتل الله الجبابرة على أفضل أحوالهم، وآمن ما كانوا، وأمات هامان وأهلك فرعون، وقد قتل عثمان، ألا وإنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيّه ـ صلى الله عليه وآله ـ والذي بعثه بالحقّ لتبلبلن بلبلة ولتغربلنّ…).
الجواب: أهمّ مصدر لهذا الحديث هو الشيخ الكليني في كتاب (الكافي 8: 67 ـ 68)، ونصّه كما يلي: (… عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أنّ أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ لمّا بويع بعد مقتل عثمان، صعد المنبر، فقال: الحمد لله الذي علا فاستعلى، ودنا فتعالى، وارتفع فوق كلّ منظر، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، خاتم النبيين، وحجّة الله على العالمين، مصدقاً للرسل الأوّلين، وكان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، فصلّى الله وملائكته عليه وعلى آله. أما بعد، أيها الناس، فإنّ البغي يقود أصحابه إلى النار، وإنّ أوّل من بغى على الله جلّ ذكره عناق بنت آدم، وأوّل قتيل قتله الله عناق، وكان مجلسها جريباً [من الأرض] في جريب، وكان لها عشرون إصبعاً في كلّ إصبع ظفران، مثل المنجلين، فسلّط الله عز وجل عليها أسداً كالفيل، وذئباً كالبعير، ونسراً مثل البغل، فقتلوها، وقد قتل الله الجبابرة على أفضل أحوالهم، وآمن ما كانوا، وأمات هامان، وأهلك فرعون، وقد قتل عثمان، ألا وإنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ والذي بعثه بالحقّ لتبلبلن بلبلة ولتغربلنّ غربلة، ولتساطنّ سوطة القدر، حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم، وليسبقنّ سابقون كانوا قصروا، وليقصرن سابقون كانوا سبقوا، والله ما كتمت وشمة، ولا كذبت كذبة، ولقد نبّئت بهذا المقام وهذا اليوم، ألا وإنّ الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها وخلعت لجمها فتقحّمت بهم في النار، ألا وإنّ التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها وأعطوا أزمّتها، فأوردتهم الجنّة، وفتحت لهم أبوابها، ووجدوا ريحها وطيبها، وقيل لهم: ادخلوها بسلام آمنين، ألا وقد سبقني إلى هذا الأمر من لم أشركه فيه، ومن لم أهبه له، ومن ليست له منه نوبة (توبة) إلا بنبي يبعث، ألا ولا نبيّ بعد محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ أشرف منه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم. حقّ وباطل ولكلّ أهل، فلئن أمر الباطل لقديماً فعل، ولئن قلّ الحقّ فلربما ولعلّ، ولقلّما أدبر شيء فأقبل، ولئن ردّ عليكم أمركم أنكم سعداء وما عليّ إلا الجهد، وإني لأخشى أن تكونوا على فترة ملتم عنّي ميلة، كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي، ولو أشاء لقلت: عفا الله عمّا سلف، سبق فيه الرجلان، وقام الثالث كالغراب همّه بطنه، ويله لو قصّ جناحاه وقطع رأسه كان خيراً له، شغل عن الجنّة والنار أمامه، ثلاثة واثنان خمسة ليس لهم سادس: ملك يطير بجناحيه، ونبيّ أخذ الله بضبعيه، وساع مجتهد، وطالب يرجو، ومقصّر في النار، اليمين والشمال مضلّة، والطريق الوسطى هي الجادّة، عليها يأتي الكتاب وآثار النبوّة، هلك من ادّعى وخاب من افترى، إنّ الله أدّب هذه الأمة بالسيف والسوط، وليس لأحد عند الإمام فيهما هوادة، فاستتروا في بيوتكم، وأصلحوا ذات بينكم، والتوبة من ورائكم، من أبدى صفحته للحقّ هلك).
وهذا الحديث معتبر من حيث السند على المشهور، وهو قريب من خطبة الشقشقيّة، وقد وردت ـ بدون سند مختلف ـ بعض مقاطعه التي ليس فيها حديث عن فرعون وهامان في (نهج البلاغة 1: 47)، وفي الكافي نفسه (ج1: 369)، وعند النعماني في (الغيبة: 209)، وغيرها من المصادر. ومن غير المعلوم أن يقصد من فرعون وهامان هنا أبا بكر وعمر، فإنّ هذا مجرّد استنساب ذهب إليه أمثال العلامة المجلسي في (بحار الأنوار 29: 587؛ ومرآة العقول 25: 152)، وحبيب الله الخوئي في كتاب (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة 3: 228). ولهذا لم يفسّر غير واحد من شرّاح الكافي (مثل المازندراني في شرح أصول الكافي 11: 416) هذا التفسير، بل فهموا ذلك ربطاً بين أحداث الأمم السابقة وما جرى على المسلمين، لاسيما وأنّ الحديث ابتدأ بابنة آدم. كما أنّ (قتل عثمان) لا يعلم أنّها مبنية للمعلوم حتى يستفاد منه أنّ الله قتل عثمان بن عفان، بل يحتمل فيها البناء للمجهول، شروعاً في الحديث عن المرحلة الحاضرة، بعد أن كان الحديث عن السابقين في الخطبة نفسها. وقد احتمل البناءَ للمعلوم والمجهول معاً العلامةُ المجلسي نفسه، مرجّحاً الأوّل، وهذا الترجيح يأتي في سياق تفسيره لفرعون وهامان بالخليفة الأوّل والثاني، وحيث لا دليل يفرض هذا التفسير، لم يعد يمكن التأكّد من النسبة للمعلوم، لاسيما وأنّه لو كان السياق كما ذكره العلامة المجلسي، لربما كان الأنسب أن يقول: (وأمات هامان وأهلك فرعون وقتل عثمان)، بينما الموجود: (وأمات هامان وأهلك فرعون. وقد قتل عثمان).