السؤال: ما مدى صحّة هذا الحديث الذي يذكره السيد الخميني والشيخ الأحسائي وبعض علمائنا في مدارج السالكين إلى الله، وهو: (لنا مع الله حالات، هو فيها نحن، ونحن هو، وهو هو، ونحن نحن) (دريد الجزائري، العراق).
الجواب: هذا الحديث لا أصل له يمكن العثور عليه، ولم أجده في أيّ مصدر من المصادر الحديثية والتاريخية والتفسيرية الشيعية والسنيّة، ولعلّ أقدم مصدر له بين أيدينا يعود إلى القرن الحادي عشر الهجري، حيث ذكره الفيض الكاشاني (1091هـ) في (الكلمات المكنونة: 114)، عند حديثه عن معنى الفناء في الله، وذكره الشيخ أحمد آل طوق القطيفي (1245هـ) في رسائله (ج3: 467)، والمولى علي النوري (1247هـ)، في كتابه (التعليقات على مفاتيح الغيب: 751)، والشيخ محمد باقر الكجوري (1255هـ) في (الخصائص الفاطمية 2: 236)، وذكره الملا هادي السبزواري (1289هـ)، في شرحه على المثنوي (ج1: 349)، وذكره التبريزي الأنصاري (1310هـ)، في كتابه (اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء: 28، 62). وذكره الميرزا محمد تقي الرازي (1348هـ) في كتابه (مكيال المكارم 2: 295)، وأورده أيضاً الإمام الخميني (1410هـ) في (مصباح الهداية: 67، وشرح دعاء السحر: 103).
وقد أقرّ الدكتور البروجردي ـ محقّق شرح المثنوي للسبزواري ـ في هامش الصفحة المشار إليها بأنّه لم يعثر على مصدر لهذا الحديث. ومن اللطيف ما ذكره الشيخ المعاصر جواد بن عباس الكربلائي حيث قال: (وإليه أيضاً يشير ما روي عن الصادق عليه السّلام، على ما ذكره كثير من العلماء في كتبهم العرفانية، من قوله عليه السّلام: لنا مع اللَّه حالات، نحن فيها هو، وهو نحن، ونحن نحن، وهو هو)، (الأنوار الساطعة في شرح الزيارة الجامعة 3: 269، وانظر ج4: 34، وج5: 377)، فكأنّه لم يعثر على هذا الحديث إلا في الكتب العرفانيّة. وهذا هو الأرجح؛ فهذا اللسان هو لسان العرفاء والمتصوّفة، ومثله موجود بكثرة عند أمثال ابن عربي في الفصوص والفتوحات (لاحظ على سبيل المثال: الفتوحات المكيّة ج2: 74، و4: 279 ـ 280)، لمن اطّلع على لغتهم وطريقتهم، لاسيما عندما يفسّرون ذلك كلّه بالوحدة في عين الكثرة والكثرة في عين الوحدة، وفقاً ـ بالخصوص ـ لبنيات الفلسفة الصدرائيّة في تفسير حقيقة الوجود (الوحدة التشكيكية)، أو بمقام الجمع والفرق عند العرفاء، حتى أنّ المولى علي النوري (1247هـ) قد حاول تفسير هذا الحديث على طريقة العرفاء ومصطلحهم، فقال بعد ذكره هذا الحديث المنسوب: (… ولعلّ فيه نوع الإشارة إلى الجمع بعد الفرق، حيث قالوا: نحن هو وهو نحن، والجمع نوع الفرق، وبعده بعدية ترتيبية، وإلى الفرق بعد الجمع، حيث قالوا: وهو هو ونحن نحن، وهما: أي الجمع بعد الفرق والفرق بعد الجمع ـ كما قالوا ـ خاصّة الورثة الختمية. وأما وجه الإشارة إلى التفرقة التي هي قبل الوصول إلى مقام الجمع لمحلّ قولهم عليهم السلام: نحن، في قولهم: نحن هو، وقولهم: هو، في قولهم: هو نحن، يشير إلى سرّ التفرقة التي قبل الجمع، أو كوننا هو فرع شعورنا بنا وشهودنا إيانا، حتى يتمكّن من الجمع بنا هو، وهكذا في قولهم: هو نحن، وأما وجه التفرقة بعد الجمع فظاهر لا يخفى على أهل الإشارة، وهو الخبير بضمائر أوليائه، والواقف على سرائر أحبّائه حقاً، وأما حملنا فهو مجرّد ما احتملنا إن كان حقاً، فهو يقول الحقّ وهو يهدي السبيل، وإن لم يكن حقاً فجاء من قبلنا ومن ناحيتنا التي هي ناحية الظلمة والاحتجاب) (التعليقات على مفاتيح الغيب: 751).
وقد ذكر السيد شهاب الدين المرعشي النجفي في شرحه على إحقاق الحقّ (ج1: 184): (ورأيت بعض من كان يدّعي الفضل منهم يجعل بضاعة ترويج مسلكه أمثال ما يعزي إليهم عليهم السلام: (لنا مع الله حالات فيها هو نحن ونحن هو)، وما درى المسكين في العلم والتتبّع والتثبّت والضبط أنّ كتاب مصباح الشريعة وما يشبهه من الكتب المودعة فيها أمثال هذه المناكير، مما لفقتها أيادي المتصوّفة في الأعصار السالفة وأبقتها لنا تراثاً).
وإنّني بهذه المناسبة أشير إلى اقتراحين سبق أن ذكرتهما لبعض طلاب العلوم الدينية، ويمكن اختيارهما لرسائل ماجستير أو أطروحات دكتوراه أيضاً:
الاقتراح الأوّل: أن تستقصى الأحاديث التي لم تظهر لنا إلا في العصر الصفوي وما بعده، فهناك الكثير من الأحاديث المبثوثة في كتب الحديث والتاريخ المتأخّرة لا نعرف لها مصدراً إلا في العصر الصفوي، ومن الجيّد جمع هذه الأحاديث، ثم دراستها والاشتغال عليها لتقويتها أو لتضعيفها واتخاذ موقف منها.
الاقتراح الثاني: جمع الأحاديث المنسوبة إلى النبي وأهل البيت والتي نجد أنّه لا ذكر لها في مصادر الحديث ولا التاريخ، ولا نعثر على المصادر الأمّ لها إلا في كتب المتصوّفة القديمة أو المتأخّرة، ثمّ العمل على دراسة هذه الأحاديث وتقديم تحليلات جادّة فيها، وهي كثيرة لمن اطّلع على التراث الحديثي عند المسلمين، سواء الشيعة والسنّة.
وغالب الأحاديث التي من النوع الأوّل والثاني في الاقتراحين تفتقد المصادر والأسانيد والطرق والتوثيقات، وهذه من العلامات البارزة فيها، فهذا الحديث الذي نحن فيه لا مصدر له ولا سند ولا أيّ شيء من هذا النوع يسمح لنا بالتثبّت منه، فضلاً عن بناء مفاهيم أو اعتقادات عليه.